عملاء يسحبون مبالغ نقدية من ماكينات الصرف الآلي لبنك قبرص في نيقوسيا
نيقوسيا ـ كارلا أبو شقرا
أكد المحللون المصرفيون "نجاح مفاوضات اللحظات الأخيرة بين قبرص والترويكة الأوروبية في عقد صفقة إنقاذ مالية في الساعات الأولى من صباح الإثنين لهدف منع خروج قبرص من مجموعة دول اليورو". وأوضح المحللون أن أهم ملامح وسمات الصفقة تتمثل في عدم المساس بالوداع التي تقل عن 100 ألف يورو،
على عكس ما كانت تطالب به مقترحات الأسبوع الماضي التي كانت تتمثل في فرض ضريبة بنسبة 6.75 % على المودعين كافة، وهي المقترحات التي أثارت حالة من الغضب".
وقال المحللون "تقضي الصفقة بإغلاق بنك لايكي ثاني أكبر بنوك قبرص، مع وضع ودائع ما يفوق 100ألف يورو والتي تقدر بمبلغ 4.2 مليار يورو في ما يسمى "ببنك الأموال السئية" بما يعني إمكان شطبها بالكامل. أما أصحاب الودائع الأقل من 100 يورو في بنك لايكي فستحول ودائعهم إلى بنك قبرص، وبموجب هذه الصفقة سيخسر دائنو بنك لايكي استثماراتهم كافة، فيما لم يشهد حاملو الأسهم ذات القيمة الأعلى مثل هذه الخسائر في صفقات إنقاذ أخرى".
وأشار المصرفيون إلى أن "بنك قبرص سينجو من هذا المصير، ولكنه سيتعرض لعملية إعادة هيكلة ضخمة بموجب هذه الصفقة، ولن يتم ضخ أي أموال من الصفقة في إعادة الهيكلة المالية للبنك".
وقالوا"سيتحمل حاملو الأسهم والسندات النتائج المترتبة على ذلك. ويعتقد أن الوادئع التي تزيد عن 100 ألف في البنك ستشارك في إعادة الهيكلة المالية، وهناك احتمال بأن تواجه خسائر بنسبة 40 %".
أما عن إمكان الارتقاء بالبنك إلى مستويات رأس المال الصحيحة التي تخضع للرقابة الأوروبية، فستكون أكثر صعوبة، لاسيما وأن بنك قبرص سيرث ديون لبنك لايكي تقدر بمبلغ 9 مليارات يورو كان قد اقترضها من البنك المركزي الأوروبي.
وقال الخبراء إن "اختلاف هذه الصفقة عن نظيرتها التي كانت مطروحة خلال الأسبوع الماضي، يتمثل في حماية الودائع التي تقل عن 100 ألف يورو، كما أن الصفقة الجديدة لا تحتاج إلى موافقة البرلمان القبرصي عليها".
وفيما يتعلق بالخسائر التي تنتظر أصحاب الودائع الكبري، أكدوا أنها "ستنجم عن إعادة الهيكلة المالية لاثنين من أكبر بنوك قبرص، وليس عن طريق فرض مزيد من الضرائب على المواطنين".
أما أن أكبر الخاسرين من جراء هذه الصفقة المواطنين الروس الذين تزيد ودائعهم عن 20 مليار يورو من إجمالي الودائع في البنوك القبرصية، إذ يعتقد بأن "ودائعهم تزيد عن 100 ألف يورو".
ومن المعروف أن الحكومة القبرصية كانت تمتلك نسبة 84 % من بنك لايكي بعد صفقة إنقاذ مالي بقيمة 1.8 مليار يورو التي تم إبرامها خلال العام الماضي. أما باقي الأسهم فيملكها أفراد ومؤسسات خاصة بمن فيهم موظفو البنك أنفسهم. وسيواجه حاملو سندات لايكي خسائر كبيرة، وكذلك دائنو بنك قبرص خلال عملية الهيكلة المالية. كما سيفقد الآلاف من موظفي بنك لايكي وبنك قبرص وظائفهم.
والواقع أن هذه الصفقة لا تعني انتهاء مشاكل قبرص، إذ يقول الخبراء والمحللون إنها "لا تزيد عن كونها بداية". يذكر أن "قبرص استفادت على مدى سنوات من جذب ودائع الأثرياء في منطقة اليورو، والآن وبعد انهيار هذا النموذج المالي، باتت البلاد لا تملك البديل ، كما أن الاتحاد الأوروبي لم يشر في بيانه إلى أي تقديرات مستقبلية للاقتصاد القبرصي.
ويقول أحد الخبراء إن "اقتصاد البلاد قد تحطم، ولا أحد يدري كم الفترة التي سيظل عليها هذا الحال، فبعد قيام المودعين بسحب أموالهم من البنوك ستختفي الثقة، ولن تجد مستثمرًا يمكن أن يتعاون مع قبرص في الوقت الراهن".
ومن غير الممكن القول بأن "مثل هذه الصفقة ستكون بمثابة النموذج الأمثل في المستقبل، والدليل على ذلك أنه لا يوجد أي تشابه بين صفقات الإنقاذ المالية الأوروبية حتى الآن، إذ أن أصحاب القرار السياسي يتعاملون مع كل مشكلة وفقًا لمعطياتها، وليس وفقًا لخطة محددة".
وتكمن الخطورة في أنه لا يوجد أحد يولي اهتمامًا بالنتائج غير المتوقعة لهذه الصفقة التي تتمثل في احتمال هز الثقة في البنوك في حالة تجدد الأزمة المالية في دول أخرى، مثل إسبانيا وإيطاليا، ومن المرجح أن يقوم الكثير من المودعين والمؤسسات الأجنبية الذين لديها أموال في إسبانيا وإيطاليا بنقل ودائعهم إلى مناطق أخرى، الأمر الذي سيلحق المزيد من الأضرار بالمؤسسات المالية التي هي في الأصل ضعيفة.