الأسواق في سورية

ﻻ يمكن وصف الهوة بين دخل السوريين وإنفاقهم الشهري إﻻ بالمعادلة مستحيلة الحل، فالحرب رفعت أسعار مستلزمات الحياة المعيشية أضعاف مضاعفة، فيما بقي الدخل يحبو بخطىٍ متثاقلة ﻻ يمكن أن تواكب القفزة الهائلة في الأسعار، وبلغت نسبة التضخم 430% وفقًا لبيانات الحكومة.

وبحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء، فإن تكلفة مكون السكن على الأسر السورية، أصبحت تشكل ربع الإنفاق العام للأسرة، وذلك يشمل وسطي الإيجارات، مع مستلزمات التدفئة، والكهرباء، والمياه، الصيانة الدورية للمسكن.

وأوضحت الأرقام الرسمية أن الإنفاق على السكن أصبح في المرتبة الثانية بمعدل 25.5% من إجمالي إنفاق الأسرة خلال العام 2015، أي أن الأسر السورية ينبغي أن تنفق 33150 ليرة تقريبًا على السكن، بعد أن كانت تنفق العام 2009 قرابة 6600 ل.س فقط تشكل نسبة 22% من وسطي الإنفاق في حينه.

ووفقًا لبيانات الحكومة فإن نسبة التضخم بلغت 430% مع العلم أن سوق الإيجارات محررة بشكل مطلق، وغير قابلة للضبط، وتحديدًا أنها ملاذًا مهمًا لقوى السوق الكبرى، للحفاظ على قيمة أموالهم، وللمضاربة على أسعار العقارات والإيجارات، وتحقيق الربح السريع من تدهور قيمة الليرة... والحاجة الملحة للسكن هي التي تدفع عميل هذه السوق أي المستأجر للرضوخ لتكاليف تتجاوز أجره بكثير.

وارتفعت أسعار الإيجار الفعلي خلال الفترة 2010-2015  من 10 آلاف ل.س، إلى 40 ألف ليرة، بمعدل وسطي، أي بنسبة زيادة 300%، وذلك لاستئجار منزل في ضواحي المدن أو عشوائياتها، فإن الأسرة ستتحمل ما يقارب 40 ألف ل.س محسوبة على أساس وسطي لأسعار الإيجار في مناطق مثل (جرمانا- برزة- ضاحية قدسيا- المزة-الزاهرة)، وهي أهم ضواحي دمشق التي لجأ إليها النازحون.

مع العلم أن متوسط أجر العامل شهريًّا هو 26500 ل.س، أي أن سوق العقارات، وعائد أصحابها يعادل شهريًّا أجر عامل ونصف، ليأخذ مالك العقار عمل شهر كامل لرب الأسرة، ونصف عمل شهر لفرد آخر من الأسرة.

كما أصبحت تكاليف التدفئة والغاز واحدة من أعباء السوريين الرئيسية، بعد تدهور خدمة الحكومة في توزيع المحروقات، وانتقال الجزء الأكبر منها إلى السوق السوداء، وبعد الرفع التدريجي لأسعارها وصولاً إلى انتهاء الدعم ورفع الأسعار لمستويات التسعير العالمي.

وازدادت تكلفة وقود التدفئة 5 أضعاف بين العامين 2010-2015؛ حيث ازدادت التكلفة من 10000 ل.س سنويًّا على أساس استهلاك 400 ليتر سنويًّا، وبسعر الليتر 25 ل.س إلى 54000 ل.س سنويًّا خلال العام 2015على أساس سعر الليتر  135ل.س.

وبالتالي تتحمل الأسرة شهريًّا مبلغًا وقدره 4500 ل.س للتدفئة بالحد الأدنى، ويضاف إلى ذلك استهلاك الأسرة للغاز المنزلي بمعدل أسطوانة غاز واحدة شهريًّا، وبتكلفة 1900 ل.س بعد أن كان هذا المبلغ الشهري لا يتجاوز 1100 ل.س للتدفئة والغاز.

ولم تقف الأمور عند السكن والتدفئة فقد تم رفع أسعار الكهرباء والمياه أخيرًا، ومع ذلك لم يزدد الإنفاق عليها كثيرًا، وذلك نتيجة التقنين المفروض عليهما، حيث يبلغ متوسط إنفاق الأسرة على الكهرباء والمياه شهريًّا مبلغ  600 ل.س (400 ل.س متوسط تكلفة استهلاك الكهرباء- 200 ل.س متوسط تكلفة استهلاك المياه).

وبناءً على الأداء الحكومي في سياسة (عقلنة الدعم)، ومؤشرات مأخوذة من الموازنة السورية للعام 2016، يبدو أن تحرير الكهرباء، ورفع أسعارها هو المشروع الحكومي المقبل بعد استكمال تحرير المحروقات تقريبًا العام 2015 ما سيؤدي لارتفاع تكلفة الكهرباء ضمن السكن وتكاليفه.

وعليه فإن التقدير الحكومي لتكلفة المكون، والبالغة 33150 ليرة، والمبني على التضخم الرسمي، لا يلامس الواقع تمامًا، وتكون تكاليف السكن ومستلزماته قد انتقلت من قرابة 6600 ل.س العام 2009، إلى 48500 ليرة العام 2015، أي 634% زيادة، بمستوى أعلى من التضخم الرسمي 430%.

ويبلغ الأجر الوسطي لمعيل الأسرة العامل بأجر 26500 ل.س، وإذا أراد أن يغطي كافة مستلزمات السكن البالغة 48500 ل.س، وهو يزيد عن أجر العامل بمقدار 22 ألف ليرة، أي نسبة 83% من أجره الوسطي، أي ليغطي الأجر تكلفة السكن ومستلزماته فقط، يجب أن يرتفع بنسبة 83%.