البرلمان التركي

كشفت أرقام موازنة عام 2015 التي صادق عليها البرلمان التركي بغالبية أصوات حزب "العدالة والتنمية" الحاكم فقط، نهاية الحقبة الذهبية التي حظي بها اقتصاد تركيا لنحو عقد.

بعد أن كان العام 2012 شهد فائضًا في الموازنة، ارتفع العجز المتوقع للعام 2015 إلى 21 بليون ليرة "نحو 9.5 بليون دولار"، فيما تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر من 16 بليون دولار عام 2011 إلى 9 بلايين عام 2014، بينها 3 بلايين خُصِّصت لشراء عقارات، ولم تدخل سوق التجارة أو الصناعة.

وتطابقت أرقام الموازنة مع تقرير أصدره صندوق النقد الدولي، حذر من هشاشة وضع المصارف في تركيا، وتراجع النمو الذي كان ينافس الصين في تحطيمه أرقامًا قياسية، إلى نحو 3% فقط، فيما ارتفعت نسبة التضخم إلى 8% والبطالة إلى 12%، وتعد سابقة خلال حكم "العدالة والتنمية".

وعكست أرقام الموازنة توجّهًا سياسيًا جديدًا للحكومة، إذ انكمشت موازنة وزارات، ورئاسة الحكومة ومؤسسات القضاء، وسط تساؤل عن جدوى رئاسة الوزراء، طالما أن الرئيس رجب طيب أردوغان هو من يقود تركيا فعليًا، وفي ظل تصاعد الانتقادات لعمل مؤسسات القضاء.

وتضاعفت موازنة القصر الجمهوري، في شكل ينسجم مع دور بارز يؤديه أردوغان الذي يُرجّح أن يرأس اجتماعات الحكومة مطلع الشهر المقبل، مع تشكيله "حكومة ظلّ" تابعة له مباشرة، تحت مسمّى مستشاريات الرئاسة.

وارتفعت موازنة وزارة التعليم 10%، انسجامًا مع مشروع طرحه أردوغان لتعليم اللغة العثمانية وتضاعُف عدد المدارس الدينية، فيما تراجعت موازنة الصحة إلى أقل من نصف موازنة الأمن والدفاع، لذلك علّقت بعض الصحف التركية بعبارة "موازنة 2015: يمكن المواطن أن يموت بأمان".

ويعتبر المحلل الاقتصادي، مصطفى يشار، أنَّ "الحكومة استهلكت إيجابيات الإصلاحات الاقتصادية القاسية التي طبّقتها حكومة الائتلاف السابق عام 2001، وأهملت تنفيذ مزيد من الإصلاحات الاقتصادية، معتمدةً على مبالغ التخصيص وأموال المضاربات الدولية التي هربت من الأسواق العالمية خلال أزمة 2007، كما أهملت تعزيز الشفافية في وقت تفاقمت شبهات الفساد، ما دفع مستثمرين كثيرين إلى الرحيل".

وتفيد أرقام بتضاعف حجم الأموال التركية التي هُرِّبت للاستثمار في الخارج، إذ بلغت هذه السنة 4.4 بليون دولار، حُوِّلت إلى هولندا وألمانيا وأميركا، بعدما ضاقت بها الحال في تركيا.

ولفت يشار إلى "تشكيل سوق خاصة في تركيا لرجال الأعمال المقربين من أردوغان"، معتبرًا أنَّ الأمر "جعل المنافسة أكثر صعوبة لغيرهم".

يحصل ذلك فيما تحاصر المعارضة الحكومة بقائمة أسماء تضم مئات من أقارب وزراء ونواب، تتهمها بتوظيفهم في القطاع العام، من دون اجتيازهم اختبارًا إجباريًا يتنافس فيه كل من يسعى إلى وظيفة حكومية.

والمفارقة أنَّ نائب رئيس الوزراء، بولنت أرينش، لم ينفِ الأمر، بل أسِف لأنَّه "سمع بذلك داخل الحزب"، مشيرًا إلى أنَّ بعضهم عرض عليه تعيين أقارب له في الحكومة.