بيروت ـ ميشال حداد
انتقلت الأعمال التلفزيونية اللبنانية وتحديدًا الدرامية، خلال الأعوام الأخيرة، من مرحلة تقليدية إلى ضفة السعي للانتشار العربي، بعد أن كانت الطموحات في الماضي لا تتعدى الرواج المحلي، وهي ناحية عطلت وصول الممثل اللبناني إلى الدول العربية في فترة معينة، لكن بعدها كانت هناك خطوة نحو فكّ ذلك الحصار عبر سلسلة من الإنتاجات التي ساهمت في تعزيز وجود تلك الدراما، وضخ التطور في أجزاء بارزة منها، في فترة حملت معها الكثير من الانتعاش.
وكانت البداية في السابق مع الكاتب شكري أنيس فاخوري، الذي استطاع عبر تلفزيون لبنان الرسمي وبالإمكانات المتوافرة إنتاجيًا أن يمنح ذلك القطاع بعض الأكسجين بعد أعوام من الاختناق بالروتين، وكان مسلسل "العاصفة تهب مرتين" بوابة العبور قبل أن يكمل الكاتب مروان نجار تلك الرحلة بمجموعة من الأفكار التي لاقت أصداءً جيدة، حتى أنها ساهمت في بلورة شخصيات فنانين موهوبين باتوا الآن من نجوم الصف الأول ليس في لبنان وحسب وإنما في الدول العربية مثل فيفيان أنطونيوس، وطلال الجردي، ودارين حمزة، وطوني عيسى وآخرين.
في المقابل، انعكس التطور الدرامي العربي وتحديدًا السوري والمصري إيجابًا على الدراما اللبنانية التي لم يعد بإمكان صناعها الوقوف في مكانهم، وأصبح من المفروض عليهم القيام بمبادرة من أجل التقدم إلى الأمام كي لا تكون أعمالهم ضعيفة في أوساط المشاهدين، وهو الحكم الأصعب في مرحلة الانفتاح الفضائي.
وتدريجيًّا أخذت المسلسلات المحلية تتطور إلا أن ثمة ثغرات رافقت بعضها لجهة المواضيع التي تمت معالجتها، فجرى اعتماد الأكشن المفتعل في الكثير من الأعمال واستهلكت مواضيع المواد المخدرة والعصابات والدعارة بشكل مفرط، إضافة إلى غياب كتاب النصوص عن ذلك المجال ولجوء البعض إلى أيّة مواضيع من أجل ملىء الفراغ ليس إلا.
وتلك المسألة كانت واضحة وأثارت امتعاض كثير من النقاد والمشاهدين، لكن من ناحية أخرى كان هناك عمل على رفع مستوى الدراما اللبنانية من قِبل أشخاص يملكون رأس المال وهو المحرك الحقيقي لأي فن يريد الخروج من عباءة المحلية، وقد شهدت الأعوام القليلة الماضية حركة واضحة في مسار الإنتاجات التي أثمرت عن خروج وجوه جديدة إلى الأضواء مثل الممثلين نادين الراسي، ونادين نجيم، وباسم مغنية، وماغي بوغصن، وسيرين عبدالنور، ويورغو شلهوب، وباميلا الكيك، وندى أبوفرحات، وداليدا خليل، وآخرين.
حتى كانت تلك نافذة لمشاركة الممثل اللبناني في أعمال درامية عربية– لبنانية مشتركة لاقت الرواج الكبير مثل مسلسلات "تشيللو" و"علاقات خاصة" و"روبي" و"لعبة الموت" و"24 قيراط"، ومن الواضح أن تأرجح الدراما اللبنانية بين التطور والمراوحة في المكان الواحد مستمر؛ لأن هناك من يريد "التوفير" على مستوى التكاليف من المنتجين، وفي المقابل يوجد من يعمل على المغامرة بهدف اكتساح الأسواق العربية والمحلية، وبين الطرفين يبقى المشاهد صاحب القرار لاختيار ما يناسبه من أعمال لاسيما أن التلفزيون بات الملاذ لكثير من أفراد الشعب اللبناني في ظل ضائقة اقتصادية هائلة تفرض على البعض اللجوء إلى الترفيه عبر متابعة التلفزيون ليس إلا.
وبشأن النهوض الدرامي تواصل "العرب اليوم" مع عدد من الممثلين اللبنانين الذين عبّروا عن آراء مختلفة حول هذا الطرح، ومنهم الممثل مجدي مشموشي، الذي قال: الدراما اللبناني في مرحلة غير سهلة؛ كونها وصلت مع نجومها إلى الانتشار الذي طالما ما سعينا إليه، ومن المفترض التمعن جيدًا في مضمون الطروحات التي تخرج إلى الجمهور؛ لأن عملية ضخّ التجدد في المضمون الدرامي العام أمر مفروض حتى لا تتعرض عملية النهوض لأيّة انتكاسة.
وأوضحت فيفيان أنطونيوس: هناك أعمال جيدة وأخرى سيئة، ومن الطبيعي أن يضع المشاهد مقارنة بين الطرفين؛ لأنه ليس باستطاعة أحد فرض عمل رديء على الناس وهناك في المقابل أعمال جيدة تعرض يوميًا على المستوى العربي، لذا يجب أن تكون هناك خطوة لتقليص الطروحات السطحية وعدم إهدار الإنتاج عليها واللجوء إلى ما يلامس الشارع الشعبي العام.
وأضافت نادين نسيب نجيم بقولها: لا شك أن التطور الدرامي بات أمرًا واقعًا في لبنان، وأنا سعيدة بتلك الناحية التي تبشر بالمزيد من التقدم نحو الأمام، ويجب أن يكون هناك تكاتف من أجل الحفاظ على تلك الحركة الصحية فنيًّا.
وعلّقت الممثلة ريتا حايك بأن الدراما اللبنانية مازالت بحاجة إلى المزيد من الدعم والعمل؛ كي تصبح في مرحلة متقدمة من النهوض، مضيفة: يجب عدم الاكتفاء بالإنجازات التي قمنا بها حتى الآن، فهناك طريق طويل من المفترض عدم اختصاره لأن الاقتناع بما هو موجود أمر يسبب التراجع، وهناك شريحة كبيرة من الفنانين تريد الوصول إلى دراما رائدة في الوطن العربي.
ويبقى الرهان في الفترة المقبلة على رأس المال والإنتاج المحرك لاتجاهات الدراما اللبنانية، إضافة إلى أهمية النصوص التي يجب أن تسعى إلى صيغة غير فلكلورية محلية قادرة على التطور والتجدُّد وحتى التنافس مع الدراما العربية التي من الواضح أنها باتت قادرة على الفوز ومن خلال مواضيع في أكثرها ليست معقدة وإنما متناغمة مع المزاج الشعبي كما حدث مع الدراما المصرية وبعدها السورية.