الحجر الصحي

بكثير من الخوف والألم يعيش مرضى كورونا تجربتهم في مواجهة الفيروس القاتل المتربص بهم وتؤثر الأخبار المتداولة وحصيلة الوفيات المتزايدة على نفسيتهم بشكل كبير جدا، مما قد يقلل مناعتهم النفسية والجسمية وبالتالي تراجع قدرتهم على الشفاء من الوباء، خاصة في ظل بعض الذهنيات السلبية التي تنظر إليهم بعين الاتهام والقصور، إذا ما تسببوا في نقل العدوى الى المقربين منهم، ذنب لا يستطيع كثيرون العيش معه قيحاولون الانتحار.يقضي المصابون بكورونا حجرا صحيا قاسيا تراودهم فيه الأفكار السلبية وتزيد مخاوفهم ينتظرون خلاله أن يطرق الموت بابهم رغم أن نسبة كبيرة من المصابين تتعافى وتشفى ويحاولون خلال هذه الفترة الصعبة التي يعدون أيامها ساعة بساعة تقليل تحركاتهم قدر المستطاع والتزام حجرة واحدة لا يغادرونها إلا للضرورة القصوى، فترة تكون فيها الوحدة سيدة الموقف حتى أن كثيرا منهم يمتنع عن التواصل البعدي مع الآخرين لمعنوياته المحبطة.

طبيبة تنقل العدوى إلى والديها المسنين وتعاني تأنيب الضميروفي هذا السّياق عبّرت “أمينة.خ” التي تعمل طبيبة بمستشفى بني مسوس عن عميق أسفها وحسرتها لتسببها في نقل العدوى لوالديها المسنين، رغم التزامهما البيت، حيث قضت فترة صعبة للغاية كلها بكاء ودموع وتأنيب للضمير.وما زاد الوضع سوءا هو نقل والدها إلى مصلحة الإنعاش بعد تعقد إصابته وهو الذي تجاوز السبعين من العمر ويعاني من داء السكري.تقول أمينة: “كنت محبطة المعنويات كثيرا أرفض الاتصال بالآخرين ولا أتنقل لأن وضعي الصحي لا يسمح.. بقيت في البيت مع والدتي طوال أسبوعين كاملين تفاديا لانتقال العدوى لغيري وكان أخي يشرف على متابعة صحة والدي الذي تجاوز مرحلة الخطر بفضل جهود زملاءها ودعوات الأهل والأحباب.وتختم أمينة بالقول: “لقد مررت بتجربة قاسية جدا لا أتمنّاها لعدوّي، لذا أوصي كل زملائي في القطاع الصحي بأن لا يحتكوا بأهلهم عقب انتهاء مناوباتهم وعودتهم للبيت وأن يلتزموا بإجراءات الوقاية”.سمية حجرت نفسها أسبوعين في غرفتهاوتروي سمية. ب من العاصمة كما أرادت أن يرمز لاسمها ما عايشته على مدار أسبوعين كاملين سبقتهما أيام قلق وتوتر قبيل تأكيد الإصابة حيث كانت تعزل نفسها عن أهلها قدر المستطاع خاصة والدها المسن والمريض، وتضيف سمية أن أكثر ما كان يخيفها هو أن تنقل العدوى إلى أهلها وتكون سببا في وفاة احدهم أو دخوله المستشفى.ظلت سمية حبيسة غرفتها تترك لها والدتها الأكل قرب الباب وتستلمه هي بعد وقت وجيز وتحرص على غسل صحونها وتطهيرها بماء جافيل وعدم خلطها مع بقية الأواني.وأخيرا انقضت مدة الحجر الصحي بسلامة وهو ما ادخل السعادة والسرور على قلب السمية التي أقسمت أنها لن تتساهل أبدا في إجراءات الوقاية مستقبلا.أنس يعدي والدته ويحمّل نفسه ذنبها بعد وفاتهاوخلافا لأمينة وسمية يعيش “أنس. م” صدمة نفسية كبيرة بعد وفاة والدته إثر تعرضها للعدوى الفيروسية بعد أن ثبتت إصابته بالوباء وطالب الأطباء منه إجراء فحوصات لوالدته التي يعيش معها لوحدهما.ولأنّ أنس شاب في الثلاثينات من العمر ساعدته بنيته الجسمية على مقاومة الفيروس الأمر الذي لم يكن كذلك بالنسبة لوالدته التي وضعت تحت جهاز التنفس الاصطناعي لتفارق الحياة أياما قليلة بعدها، وتقتصر جنازتها على بضعة أفراد من العائلة لدفنها.وعبّر أنس عن ندمه الشديد، رغم أنه حاول قدر المستطاع الانتباه على تصرفاته إلا أنّ تراخيه في المدة الأخيرة في ارتداء الكمامات وتنظيف يديه باستمرار وتعقيمهما جعله يحمل نفسه مسؤولية إصابة والدته.ومنذ أكثر من 3 أشهر لم يستطع أنس استعادة حياته الطبيعية وهو ما دفعه إلى التردد على مختص نفسي لمساعدته في الخروج من محنته.رشيد يحذر في آخر منشور من معاناة كورونا قبل وفاته متأثرا بالفيروسرشيد. ح” أستاذ جامعي، فارق الحياة أمس الخميس الماضي متأثرا بتعقيدات فيروس كورونا،

وأثناء فترة استشفاءه كتب آخر منشور له على صفحته الفايسبوكية، تحدث فيه عن ما ينتظر مريض الكوفيد من أتعاب ومصاريف وآلام جسدية ومعنوية قبل أن يجد نفسه وحيدا أمام حتمية القضاء والقدر.ودعا رشيد جميع أصدقائه ومشتركي الصفحة للالتزام بالحيطة والحذر وإتباع إجراءات السلامة لتفادي السيناريوهات الكارثية التي عايشها هو وجميع مرضى الكوفيد في العالم.عزلة اجتماعية ومعاملة قاسية تعقب التعافي من كوروناوتعقب مرحلة التعافي من وباء كورونا عزلة اجتماعية لبعض المصابين كما أكّدوه لنا ومعاملة قاسية من محيطهم الذي ينظر إليهم بعين الاتهام والريبة ويبتعد عنهم ويتحاشاهم.ويؤكد من تحدثنا إليهم من المتعافين أنهم واجهوا ذهنيات متحجرة في المجتمع نفرت منهم لمجرد سماعهم خبر الإصابة.ويضيف بعض المرضى أن المرض ابتلاء وقضاء وقدر وليس شطارة منهم أنهم لم يمرضوا، داعين إلى احترامهم وتقدير مشاعرهم وعدم المساهمة في تدمير نفسيتهم وتحطيمها.كورونا تفقد المصاب التوازن النفسي والعقلي والجسمي وقد تؤدي إلى الانتحاروفي هذا الإطار يؤكد الدكتور أحمد قوراية الأستاذ الجامعي والمختص النفسي أن أغلبية وباء كورونا حل على سكان العالم وهم غير مهيؤون له.ويضيف المختص أن المصاب بكوفيد19 يعيش في بداية الإصابة صدمة نفسية سببها المخاوف المرضية التي تنعكس على التوازن النفسي والعقلي والجسمي للمصاب وتلج مباشرة إلى العمق النفسي فتضعف النفسية والمناعة لأنه يعلم انه أمام فيروس قاتل لا يرحم، وفي المقابل تضعف المقاومة النفسية لان الخوف والرعب يكثر البروتينات داخل الجسم ويضعف المناعة الجسمية لديه وبالتالي لا يستطيع المصاب مقومة الوباء.وعند بلوغ المرحلة الثانية ينتقل المصاب إلى تقبّل نفسي للصدمة ويتأكد أنه يعيش مع مجتمع أصيب الكثيرون من أفراده وبالتالي يستجمع قوته النفسية ويدرك بأن الوباء قاسم مشترك فيبدأ في البحث عن حلول وسبل للعلاج تقل بعد ذلك الاضطرابات والتوترات وتزيد المناعة.ويصف المختص الحجر الصحي بأنه حجر نفسي ينعزل فيه الفرد عن محيطه وأهله وبالتالي يشعر بعزلة ووحدة قاتلة يعيش خلالها معاناة خوفا من أن يلحق الضرر بوالديه أو المقربين منه خاصة أن كانوا من المسنين أو الأقل مناعة ومقاومة للأمراض حيث انه يخاف على الآخرين أكثر من خوفه على نفسه.وإن حدث ومات شخص أصيب بالعدوى بسببه يعيش الشخص معاناة نفسية داخلية ويقاسي ألما نفسيا لا تنطفئ جمرته حتى يدخل القبر، كما يوضحه الدكتور قوراية، لأنه يحمل نفسه المسؤولية النفسية التي تتفاوت بتفاوت درجة قرابة الأشخاص ورابطة الدم بينهم، فلا تحلو له حياة ولا يهنئ له بال، وقد يصل الأمر به إلى عالم الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والوسواس القهري وقد تصل إلى الانتحار رغبة منه في التخلص من الذنب والمعاناة التي يقاسيها يوميا والتي تسبب له اضطرابات قهرية وسواسية تفقده التوازن النفسي

قد يهمك

تركيا تفرض حجرا صحيا على 142 مواطنا قادمين من بريطانيا

الجزائر تسجل تراجعًا في حصيلة الوفيات اليومية بكورونا إلى أدنى مستوى منذ أسابيع

.