مع قدوم فصل الشتاء يصاب الإنسان بنوع من الخمول والكسل والاكتئاب الذى قد يفضي إلى الانتحار
الدار البيضاء ـ يسري مصطفى
يصاب الكثير من الناس بحالة اكتئاب بسيط كلما حل فصل الخريف والشتاء، فيميلون إلى البقاء في المنزل لنتقي البرد والمطر والرياح، ويستبدلون الألوان المزهرة بالألوان الداكنة في الملابس، ويولون اهتمامًا كبيرًا للدفء، خوفًا من نزلة برد تطرح لأيام في الفراش، غير أن درجة الاكتئاب تتفاوت من شخص
لآخر، فهناك من ينعزل عن العالم وينطوي على نفسه كليًا كلما حل فصل الشتاء، مما يخلق له مشاكل كبيرة في حياته الشخصية والمهنية، قد تصل إلى حد الانتحار في بعض الأحيان. وعن اكتئاب فصل الشتاء، مسبباته وأعراضه وآثاره، يطلعنا اختصاصي الأمراض النفسية والعصبية الدكتور العربي أحنكير على المزيد.
أصل الاكتئاب.
يقول اختصاصي الأمراض النفسية والعصبية الدكتور العربي أحنكير أن أصل الاكتئاب عند الإنسان يعود إلى تراجع نسبة مادة يفرزها الدماغ البشري اسمها "سيروتونيم"، التي يشتغل بها الدماغ وتدفعه للتفكير وإنجاز الأعمال، وعندما تقل هذه المادة الأساسية تظهر بوادر الاكتئاب من كسل وخمول وميول شديد للبقاء في المنزل طيلة اليوم، والرغبة في الوحدة والانعزال والنوم.
أسباب الاكتئاب نوعان.
يقول الدكتور أحنكير أن أسباب الاكتئاب نوعان، الأول وراثي، والثاني ينتج عن رد فعل، فأما النوع الأول الوراثي فيصيب مجموعة من الأشخاص الذين ينتمون لعائلة واحدة، إذ يكون الشخص عاديًا طيلة السنة، إلى أن تظهر عليه فجأة حالة الاكتئاب بدون سبب يذكر، وتختفي بعد مدة معينة، و يستمر هذا الاكتئاب الوراثي طيلة حياة الفرد، فيصاب مرة في السنة بهذه الحالة دون سبب وجيه. أما النوع الثاني من الاكتئاب، الذي ينتج عن رد فعل، فيكون ناتجًا عن مشكلة، إما في البيت أو العمل، و يجعل صاحبه مضطربًا وغير قادر على حلها، فيدخل في حالة اكتئاب، و ينطوي على نفسه هروبًا من واقعه الذي آلمه.
الاكتئاب الفصلي.
يقول الدكتور أحنكير أن هناك اكتئاب في علم النفس له علاقة قوية بالفصول الأربعة، فكما أن هناك اكتئاب الربيع والصيف، هناك أيضًا اكتئاب الخريف والشتاء، وهو الأكثر شيوعًا بين الناس، أما حدة الاكتئاب، فتتفاوت من شخص لآخر، إذ أن هناك أفراد يدخلون في حالة اكتئاب طويلة وشديدة كلما حل فصل الخريف أو الشتاء، ولا يخرجون منها إلا بعد انقضاء فصل الشتاء ودخول فصل الربيع، أما السواد الأعظم فيصاب باكتئاب الشتاء فترة قصيرة، و يتجاوزها بسرعة دون أن تترك عليه أية آثار، وهذا أمر عادي جدًا.
و يؤكد الدكتور العربي أحنكير أن الشخص المصاب باكتئاب فصل الشتاء يميل دومًا للانزواء والانطواء والانعزال، إذ يفضل الوحدة والسكون على الاجتماع والصخب. كما يعشق النوم، وما يرافقه من كسل وخمول، و يهمل نفسه كثيرًا ولا يبدي رغبة في التمتع بالحياة، فيبدو حزينًا ومهمومًا كأنه يحمل أحزان العالم كله فوق كتفه. كما أنه يشمئز من المطر والرياح، و يحاول قدر الإمكان التصدي للبرد القارس بجميع الوسائل المتاحة لديه، فتراه يلبس ملابس ثقيلة وقفازات وقبعات وجوارب سميكة، ويمضي أغلب وقته بالقرب من المدفئة، كما أنه يغلق النوافذ حتى يحجب عنه الأجواء المغيمة والزخات المطرية، التي تسقط من حين لآخر.
فرق كبير بين الاكتئاب والفوبيا.
وبخصوص الأشخاص الذين يخافون الرعد والبرق وأزيز الريح، يقول الدكتور العربي أحنكير أن هناك فرقًا كبيرًا بين المصابين باكتئاب فصل الشتاء والمصابين بفوبيا فصل الشتاء، لأن الخوف من الرعد والبرق والمطر لدرجة مرضية يكون راجعًا لماضي الفرد، وما عاشه من أحداث مأساوية في فصل الشتاء، مثل سقوط منزله بسبب الأمطار الغزيرة، أو حدوث فيضان مس ممتلكاته، وأحدث خرابًا كبيرًا فيها، فيصاب الشخص بهلع كبير كلما سمع صوت الرعد أو لمح البرق وأحس بهبوب الرياح وسقوط الأمطار.
آثاره قد تصل حد الانتحار.
ومن جملة الآثار والنتائج التي يسببها اكتئاب فصل الشتاء لصاحبه، يقول الاختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية أنه يجعله يكون أفكارًا سوداويًة بشأن نفسه وما يحيط به في ظرف زمني قياسي، وقد تؤدي في بعض الأحيان هذه الأفكار إلى ردود أفعال قوية، يمكن أن تخلف مأساة كبيرة مثل الانتحار. أما في أغلب الحالات، فيخلق اكتئاب فصل الشتاء لدى صاحبه مشاكل عديدة في علاقته بالآخرين، فترى الزوج يتشاجر مع زوجته لأتفه الأسباب، ويخلق صراعًا مفتعلاً مع زملائه في العمل لسبب بسيط، كما يمكن للمرأة أن تدخل في حالة بكاء هستيري دون سبب يذكر، أو تصرخ في وجه أطفالها دون وجه حق.
أطعمة وأدوية لتجاوز اكتئاب الشتاء.
يشير الدكتور العربي أحنكير إلى أن هناك أطعمة عديدة تساعد على تجاوز اكتئاب فصل الشتاء، أهمها الجوز، كونه يساعد على تحفيز إفراز مادة "سيروتونيم"، التي يشتغل بها الدماغ وتدفعه للتفكير والاشتغال الجدي، غير أنه لا يوجد دليل قاطع لحد الآن يؤكد أن المواد التي يتوفر عليها الجوز أو باقي الأطعمة الأخرى التي تحسن مزاج المكتئب في فصل الشتاء تفرز بكمية وافرة إلى الدماغ كي يستفيد منها جيدًا، وتحقق النتائج المرجوة. كما أنه في المقابل هناك أدوية طبية تشجع إفراز مادة "سيروتونيم" بكميات مهمة في الدماغ، ما يجعله ينشط ويكتسب حيوية كانت في السابق مفقودة.
النور علاج الاكتئاب الفصلي.
يؤكد الدكتور العربي أحنكير الاختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية أنه قد ظهر علاج جديد في الآونة الأخيرة يساعد على التخلص من الاكتئاب الفصلي، وهو العلاج بالنور، إذ ينصح الطبيب المختص الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب بالتوجه للمستشفيات التي تعنى بهذا النوع من المرض، حيث يخضعون لجلسات خاصة يتعرضون فيها لأضواء صناعية خفيفة، وهي عبارة عن أشعة ما فوق بنفسجية تطال جسمهم بأكمله، وتؤثر بصفة خاصة ودقيقة على مادة "سيروتونيم"، التي يفرزها الدماغ البشري، وتساهم في نشاط العقل ويقظته، فينشطها ويحفزها على التكاثر. غير أن هذا العلاج الخاص متوفر في أوروبا فقط، ولم يجر تعميمه بعد في باقي دول العالم.
نصائح لتجاوز اكتئاب فصل الشتاء.
ينصح الدكتور العربي أحنكير من يعانون من اكتئاب فصل الشتاء بضرورة النظر للنصف المملوء من الكأس، والابتعاد عن كل ما من شأنه أم يؤزم الحالة النفسية المضطربة، مثل الانعزال والوحدة، واسترجاع شريط الذكريات المؤلمة، والتفكير المتوجس في المستقبل، والميول إلى مشاهدة الأفلام الرومانسية الحزينة، والاستماع إلى الموسيقى التي تبعث الأسى والحزن في النفوس. كما يشير الاختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية إلى أهمية محاربة الأفكار السوداوية، والتخلص من الطاقة السلبية، التي تودي بصاحبها إلى الهلاك، وإذا كذب الشخص على نفسه وأقنعها أنه سعيد ومبتهج ومقبل على الحياة، فإن العقل البشري يصدق هذه الأفكار، ويؤمن بها، وبالتالي تتغير نفسيته للأفضل، حتى لو كان الشخص حزينًا ومكتئبًا.