بنوم بنه - مارك سعاده
يُعد مجمع معابد "أنغكور وات" في كمبوديا، أحد أشهر الوجهات السياحية العريقة، ليس في كمبوديا فحسب بل في العالم كذلك، فبعيدًا عن فكرة كونه يتربع على عرش أضخم المعابد الدينية في العالم، يجذب العديد من الزوار سنويًا، لما يتميز به من تصميم غاية في العبقرية يشهد على إبداعات حقبة القرن الثاني عشر ميلاديًا.
إلا أن معبد "أنغكور وات" الهندوسي، ليس الوحيد الذي يتميز بالعراقة في كمبوديا، فهناك أيضًا معبد "بانتي شهمار" الضخم الذي يربض وحيدًا في الغابة في شمالي غرب البلاد، ويبعد عن "أنغكور وات" مسافة تناهز الـ160 كم، ورغم أن تاريخه يعود إلى القرن الثاني عشر، إلا أنه أقدم من أنغكور وات"، حيث شُيد على يد الملك البوذي "جيافارمان السابع"، فيما تزعم بعض المصادر التاريخية، أن الملك شيده لتخليد ذكرى ابنه الذي لقي حتفه في إحدى المعارك، لكنّ المعبد يظل واحدًا من أكثر المعابد الأنغكورية غموضًا.
وتتمركز السياحة في كمبوديا حول وجهات معينة، أحدها كما سبق القول "أنغكور وات"، وحينما فتحت البلاد حدودها للسائحين في التسعينيات وعقب حرب أهلية دامية استمرت لأعوام عديدة، وصل عدد السائحين سنويًا ما يقرب من مئة ألف سائح، وبحلول 2016، ارتفع هذا الرقم إلى خمسة ملايين، ومن المتوقع أن يواصل ارتفاعه مرة أخرى العام الجاري، ورغم أن عدد السائحين الزائرين لمعبد "بانتي شهمار" يناهز الألفين سائح، إلا أن أعدادهم شهدت ارتفاعًا بفضل رصف الطريق الرئيسي الذي يربط بين مدينتي سيسوفون وسيم ريب عام 2015.
وعانى "بانتي شهمار" إهمالًا شديدًا لأعوام طويلة، ناهيك عن النهب الذي أفضى لدماره وانهيار أبراجه، وفي الفترة ما بين عامي 1970 و1980، انتشرت حوله ألغام كثيرة بسبب الحرب الأهلية، إلا أنها لم تعد موجودة في الوقت الراهن، كما عكف فريقًا من علماء الآثار على ترميم أطلال المعبد، وبحلول عام 2014، فتح أبوابه للسياح من جميع أنحاء العالم.
أما الآن، تنمو الأشجار والزروع على جدران البهو الرئيسي للمعبد، وتحيط أشجار الحزاز بالتماثيل مقطوعة الرأس، وتتدلى الزواحف بين ضفتي البوابة المهلهلة، وقد أعاد العلماء بناء أحد أبراج المعبد بشق الأنفس، هذا البرج الذي تستقر أعلاه صخرة عملاقة ترمق أسفلها بشكل لطيف.
ويضم المعبد مجموعة من المنحوتات الحجرية الرائعة والمتناثرة على طول جدرانه التي يمتاز تصميمها بالتعقيد، ومجموعة من النقوش المحفورة على الجدران الشرقية للمعبد، والتي تصور مشاهد من المعارك في ذلك الوقت، كما يعد المعبد من أفضل الأمثلة الشاهدة على الفن الرائع لهذا العصر.
وإذا كنت تنوى زيارة المعبد، فيمكنك حجز غرفة لدى شركة "بانتي شهمار" السياحية، والتي تقدم خدمة تناول وجبات الغذاء على أرض المعبد بنحو 98 دولار للفرد الواحد، فيما تحاوطك المشاعل من كل ناحية، وتشمل الوجبات حساءًا مطبوخًا من أسماك الثعبان والرايسن، أما إذا كنت تفضل عشاءً شخصيًا تقدم الشركة تلك الخدمة، ولكن بسعر لا يقل عن آلاف الدولارات.
وتتميز غرفة الإقامة بالديكور الخشبي المتعرج الأنيق، كما تضم طابقين، في الطابق الأرضي يمكنك الاسترخاء على إحدى الإرجوحات والتأمل في الموقد المفتوح في الزاوية، بينما يضم الطابق الثاني حوض أزهار مفتوح يجلس وسط الأثاث الخشبي الثقيل، وغرفة نوم بسيطة ولكن مريحة.
ويقع بالقرب من "بانتي شهمار" معبدًا آخر يدعى "برباه فايهير"، وهو أطول معبد بُني في عهد إمبراطورية الخمير، كما يقع على قمة جبال دانغريك الشاهقة، وهو يبعد عن "بانتي شهمار" مسافة ثلاث ساعات بالسيارة، وقبل النزاع الحدودي الذي وقع بين كمبوديا وتايلاند عام 2011، كان لا يُمكن الوصول إليه.
وفي 2013، حكمت محكمة العدل الدولية لصالح كمبوديا، ما أسفر عن تراجع الجيش التايلندي من المنطقة، وبعد عامين اعتبرت وزارة الخارجية البريطانية، والكومنولث، تلك المنطقة آمنة، ورغم التوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، إلا أن هناك قوات حفظ للسلام في المنطقة، كما أنها لا تزال تحاول تنشيط السياحة بها، حتى أن هناك فندقًا فاخرًا معروفًا باسم "برياه فيهير بوتيك" ويضم مسبح فاره ودرج ماهجوني مذهل، أما المعبد نفسه، فهو رائع للغاية.
فعلى عكس "بانتي شهمار" الذي يجلس في الغابة مثل المخبأ السري، يقف "برباه فايهير" مكشوفًا وشامخًا على قمة الجبل، ما يجعله يوفر إطلالة بانورامية خلابة، ويعود تاريخ بناء المعبد إلى القرن التاسع ميلاديًا، وكان في الأصل مخصصًا لعبادة الإله الهندوسي "شيفا"، وبعد ذلك بقرون أصبح مخبئًا لنظام الخمير الحمر الوحشي، الذي أودى بحياة ما يقرب من مليوني كمبودي.
ويضم المعبد منحوتات أثرية تعكس العراقة والجمال الخميرية، مثل منحوتة "غوبورا المجنح" في بهو المعبد، فضلًا عن عشرات التماثيل التي قُطعت رأسها على يد اللصوص، كما يضم العديد من الممرات والأروقة التي تدعوك لاستكشافها والتجوال بها.