تونس ـ حياة الغانمي
تتميز مدينة قرطاج التي تبعد حوالي 18 كم عن العاصمة تونس، بسحر تاريخي وجمالي، بسبب احتوائها على مناظر طبيعية ومناطق أثرية خلابة، تحاكي حقبة تاريخية فينيقية مميزة وتترجم منارة أسطورية احتضنت الكثير من الحضارات والثقافات المتنوعة.
وتعتبر قرطاج أحد أهم ضواحي تونس الشمالية، وتقع بين مدينتي تونس العاصمة، ومدينة المرسى، وتضم القصر الرئاسي وسواحل قرطاج الكثيرة، والممتدة منها قرطاج بيرصة، قرطاج صالامبو، قرطاج حنبعل، قرطاج اميلكار، قرطاج درمش، وأخيرا قرطاج الرئاسة.
ويعدّ تاريخ قرطاج مسجلًا منذ آلاف السنين في صفحات الكتب ومجلدات الآثار، وحسب رواية المؤرخين القدامى، فقد أسست الأميرة الفينيقية الهاربة عليسة "أليسا أو أليسار" قرطاج عام 814 قبل الميلاد. ويؤكد المؤرخون في كتبهم أن الأميرة جاءت هاربة من أخوها مع أصحابها من مدينة صور بلبنان، وسموا المدينة "قَرْتْ حَدَشْتْ"، بمعنى "المدينة الجديدة"، فأصبح الاسم "قرطاج" عن طريق النطق اللاتيني، وكانوا يعبدون خاصة "ملقرت"، واسمه يعني "ملك المدينة".
وكان لمدينة قرطاج مستقبلًا مزدهرًا، فقد كبرت ونمت وسيطرت على جزء من العالم المعروف، بشأن البحر الأبيض المتوسط، وفي أواخر القرن التاسع قبل الميلاد، قامت قرطاج بدور بارز في كامل منطقة المتوسط الغربي، وبعثت امبراطورية بحرية بشأن الساحل المتوسطي، التي كانت تسيطر عليه، سيطرة اقتصادية وسياسية وهو الساحل الخاص بشمال أفريقيا وصقلية وسردانيا ومالطة وجزر البليار الأندلسية وشبه الجزيرة الإسبانية. إلا أن الرومان حطموا العاصمة الفينيقية، وقدموها فريسة للنهش وضحية للنهب وأكلة سائغة للنار، وعاث فيها الجيش الروماني فسادًا، ودام الحريق مؤججًا فيها سبعة عشر يومًا، بلياليها حتى لم ينج منها حي.
ومنذ القدم كانت قرطاج وجهة المؤرخين والآثاريين المهتمين بالبحث والحفر، وبين الأعوام (1973-1983)، أصبحت المدينة تحت إشراف المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو"، وتم تصنيفها ضمن قائمة التراث العالمي، وبصفتها مدينة سياحية يزورها ما يقارب مليون سائح سنويًا. وتعتبر قرطاج عموماً من أكبر الحقول أو الورشات الأثرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وقام اثنا عشر فريقًا دوليًا مؤلفًا من عشرات العلماء والخبراء بالحفر والتنقيب والتحليل والدراسة للموقع القرطاجي، في كامل تنوعه وتعدد عهوده.
وتزخر المدينة بمساحة شاسعة من الآثار أشهرها المدافن الفينيقية، إضافة إلى ميناء قرطاج ومعبد "التوفاة"، الذي يعتبر من أشهر معالم قرطاج وأكبرها، ومن البيزنطيين ورثت قرطاج كاتدرائية، تعتبر من نوادر تلك الحقبة في المغرب العربي، كما توجد في هذه المدينة مدرجات رومانية أضحت على كل شفة ولسان بفضل مهرجان قرطاج الدولي. كما تم سنة 1875 إنشاء متحف قرطاج في بيرصة، ويضم هذا المتحف أهم قسم من أنفس الوثائق الأثرية المكتشفة في قرطاج من لوحات فسيفساء وقطع من المباني ونقوش وتماثيل ونصب وأدوات فخارية، وأدوات مصنوعة من معادن ثمينة، ومن حديد وبرونز ورصاص وحجارة نفيسة للمصوغ، وأدوات من عظام ومن عاج.