بغداد – نجلاء الطائي
كشف ممثل المجلس الروحاني الإيزيدي عن وضع الإيزيديين وتعرضهم خلال التاريخ إلى أكثر من 70 إبادة (جينوسايد)، بسبب معتقداتهم الدينية، ولهذا فإن تعدادهم اليوم لا يبلغ أكثر من مليون نسمة في كوردستان والعالم، فيما انفردت صحيفة الديلي تلغراف بنشر تحقيق كتبته موفدتها إلى بلدة لالش مركز الطائفة الإيزيدية في إقليم كردستان.
وأضاف شيخ شامو" أن "نحو 80 ألف طالب إيزيدي حرم من التعليم لأن نازحينا يقيمون في المدارس. وعملية التعليم متوقفة في دهوك هذا العام وطلبة المحافظة محرومون من تعليمهم، وهناك نقص في الخدمات والرعاية الطبية ورعاية الأطفال ومن المتوقع ظهور أمراض وأوبئة خطيرة".
هذا وانفردت صحيفة الديلي تلغراف بنشر تحقيق كتبته موفدتها إلى بلدة لالش مركز الطائفة الإيزيدية في إقليم كردستان. ويشدد التحقيق على أن الكرد الإيزيديين الذين تعرضوا لهجمات مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية الوحشية ومحاولة إبادتهم عرقيا يتحدون التنظيم عبر عملية إحياء جسورة لتراثهم الثقافي. وتصف المراسلة بعض طقوس الإيزيديين في مركزهم الروحي في لالش الواقعة على بعد 36 ميلا الى الجنوب من مدينة الموصل.
وتشير إلى تزايد أعداد زوار هذا المكان المقدس لدى الإيزيديين، حيث لم يكن في السابق يجذب سوى 100 شخص في عطلة الجمعة تضاعف هذا العدد نحو عشر مرات خلال الـ 18 شهرا الأخيرة ليصبح أكثر من ألف شخص كل جمعة. وتضرب المراسلة مثلا بصباح جلال مراد، البالغ من العمر 17 عاما، والذي ينهض فجر كل يوم مع اشراقة الشمس ليتوجه نحو معبد لالش مبكرا ليؤدي صلواته هناك.
وتنقل عن مراد قوله "لم أكن أفكر بديني في السابق حتى هجوم داعش علينا في آب عام 2014، وهربت مع عائلتي للاختباء في جبل سنجار، ولم يكن لدينا طعام أو ماء لنحو 10 أيام، وشعرت أنني احترق حيا تحت الشمس، فبدأت بالصلاة من دون أن أعي ما أفعل". وتقول المراسلة إنه قد مضى عامان على هجوم تنظيم الدولة الإسلامية على قضاء سنجار، حيث ارتكب مسلحوه عملية إبادة، بعد اسرهم لأكثر من 10 آلاف شخص من الطائفة الإيزيدية، وقتلوا نحو 4 آلاف منهم، نصفهم بإعدامهم بالرصاص أو الذبح أو الحرق وهم أحياء، أما البقية فتركوا يواجهون الموت من الجوع والعطش اثناء محاولتهم الاختباء في الجبال القريبة.
وقال ممثل المجلس الروحاني الايزيدي في معبد لالش كريم سليمان "ان المعبد شهد انفتاحا كبيرا خلال السنوات العشر الاخيرة باعتباره المعبد الرئيسي للايزيديين"، مضيفا ان "مئات الوفود من انحاء مختلفة من دول العالم تزور المعبد سنويا وخاصة خلال موسم الاعياد". وأوضح كريم "ان معظم الوفود التي تزور كردستان تضع ضمن برنامجها زيارة المعبد، وفي مقدمها الوفود الزائرة من دول يقطنها ايزيديون مثل ارمينيا وجورجيا وروسيا واذربيجان لأن هؤلاء كانوا محرومين من زيارة المعبد في السابق".
ولفت الكاتب الايزيدي داود ختاري "ان السبب الرئيس الذي يدعو الى الاقبال على زيارة معبد لالش بكثافة هو لأنه المعبد الوحيد للايزيديين حيث يقوموا بتعميد انفسهم والتبرك به". وأوضح خياري "ان ما ساعد على زيادة عدد الوفود الزائرة للمعبد بشكل كبير هو الانفتاح الذي يشهده اقليم كردستان العراق".
ويرى الكاتب الايزيدي حجي مغسو "على الرغم من ان المعبد مازال يحتفظ بطرازه المعماري وهيأته الا انه بحاجة ماسة الى ترميم، لكن بشرط ان لا يتم تغيير المعالم الاثرية التي يحملها المعبد لأنه يحتوي على الكثير من الرسوم والنقوش الاثرية". وكانت حكومة اقليم كردستان العراق تعاقدت عام 2012 مع شركة ألمانية لوضع التصاميم الأساسية لترميم معبد لالش وتوسيعه ومن المتوقع ان تباشر الشركة اعمال الترميم خلال الفترة القليلة المقبلة.
وتعتبر لالش من أهم المناطق الإيزيدية بل هي قدس أقداسهم. ولعل من أولى الإشارات إلى هذه المنطقة المقدسة في الأدبيات العربية ما ورد في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي، إذ يقول في حرف اللام" ليلش "، قرية في اللحف من أعمال شرقي الموصل، منها الشيخ عدي بن مسافر الشافعي شيخ الأكراد وإمامهم". والغريب في أمر ياقوت الحموي، وهو الرحّالة الجغرافي الذي زار مدناً وأمصاراً عديدة، أنه أورد الاسم بالصيغة التي أثبتناها أولاً، وثانياً عدم ذكره للإيزيدية كطائفة مستقلة ودين خاص متميّز عن بقية الأديان، بل قال عن عدي بن مسافر، وهو من يرقى إلى مرتبة الأنبياء عند الإيزيدية، أنه شيخ الأكراد وإمامهم!. ولا أدري أهو جهل من ياقوت، العالِم الكبير المطلع، أم أن الإيزيدية كدين نعرفه اليوم، لم يكن قد تبلور بعد؟ أم أن العقيدة الإيزيدية كانت سرّية جداً، بحيث غفل عنها حتى سكان المنطقة؟.
أما أولى الإشارات إلى "لالش" في الأدب الكردي، فهو ما ورد في قصيدة شهيرة للشاعر الكردي ملايى جزيري من القرن السابع عشر. وكانت المناطق الآهلة بالسكان الإيزيديين مركز جذب للرحّالة الأوربيين والمغامرين والبحّاثة. فكتب الكثيرون عن رحلاتهم إلى هناك، وبحثوا في عقائد الإيزيدية، وشرحوا طقوسهم. حتّى أن رواية "عبر كردستان المتوحّشة" للروائي الألماني الشهير كارل ماي، تتحدّث في فصول كثيرة عن إيزيدية سنجار وعاداتهم وتقاليدهم.
يقول الشاعر" إن القائد الراحل ملا مصطفى البارزاني أرسله في بداية عام 1963 إلى منطقة دهوك لأمور تخصّ البيشمركة في تلك المنطقة، وأنه من هناك ذهب بمعية قائد عسكري إلى "لالش". ويصف هجار ما تكبّده أعضاء الرحلة من مشاق كثيرة، وهم يقطعون الوديان والتلال الصخرية، وكيف أنه حين وصل قريباً من المعبد، وكان يمشي حافياً لا لتقديسه المكان، بل لأن حذاءه المهترئ أصلاً قد تقطّع، ما اضطرّه ليحمل زوج الحذاء تحت إبطه.
أخيراً، يقول الشاعر: لاح أمامهم وادٍ جميل خلاب مكسو بالخضرة، أنساه الجراح الصغيرة النازفة في قدميه. ثم يتحدّث عن دهشته العظيمة، حين رأى جمعاً من الإيزيدية يستقبلون الوفد ويهرعون إليه، هو بالذات يقبّلون يديه وكتفيه، ويدفعونه ليمشي أمامهم حتى أخذوه إلى المضافة وسط دهشة أفراد البعثة، بمن فيهم القائد العسكري. ثم يتحدث الشاعر عن أنواع التشريفات التي خصّوه بها، حتى أنه كان الوحيد الذي تناول طعام الغداء مع “بابا شيخ”، وهو الأب الروحي للإيزيدية حينذاك.
ويسهب هجار في وصف الأب الروحي وحسن استقباله إلى أن جاء المساء وكشف الفقير شمو (الفقير هو فرد ينتمي إلى طبقة معينة من الإيزيدية حيث هناك أربع طبقات دينية في الإيزيدية، والتوزع الطبقي صارم في هذه الديانة) سر الاهتمام به وحده، دون بقية أعضاء البعثة. كان السر في حسن الاستقبال الذي حظي به الشاعر هجار هو أنهم رأوه يخلع حذاءه بمجرد عبوره جسر الصراط (وهو درب مقدّس يفضي إلى المعبد) بينما بدا الآخرون مستهترين غير آبهين بهذه الشعيرة المقدسة. وينقل هجار عن الفقير شمو أن أمر “اخلع نعليك” الذي صدر من النبي موسى كان في هذا الوادي المقدس، حين جاء للالتقاء بالشيخ عدي بن مسافر.
ولا ينسى الشاعر أن ينقل إلى جانب تلك القصة، قصصاً أخرى كثيرة تدلّ على أن أتباع هذه الديانة حفظوا شعائر دينهم جيلاً إثر جيل، معتمدين على الشفاهية، دون الالتفات إلى التدوين. وهذا ما يتميّز به الإيزيديون بالرغم من أن لديهم كتابان مقدسان. بل ولعل هذا هو السبب الذي صعَّب على الباحثين مهمة تمييز الأصيل من الدخيل لديهم. وربما لهذا السبب صارت الإيزيدية ديناً سريع التأثر بالعقائد الأخرى كاليهودية والإسلام والمسيحية، وحتى مذاهب التصوف المتنوعة كالقادرية والعدوية التي هي أكثرها تأثيراً بفضل المتصوف الشهير عدي بن مسافر الذي استقر بين ظهرانيهم، فقدسوه. حتى قال فيه ابن خلكان "تبعه خلق كثير وجاوز حسن اعتقادهم فيه الحدَّ، حتى جعلوه قبلتهم التي يصلون إليها، وذخيرتهم في الآخرة التي يعوّلون عليها". وقبل سقوط الموصل بإيدي تنظيم داعش عام 2014 اعلنت المديرة العامة لليونيسكو ئيرينا بوكوفا ووفد الأمم المتحدة المرافق لها قي ذلك الوقت عن نية اليونيسكو إدراج معبد لالش ضمن قائمة التراث العالمي.