تشوك هاغل بصحبة باراك أوباما
واشنطن ـ يوسف مكي
نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالا لمايكل كوهين الكاتب المتخصص في السياسة الأميركية قال فيه أن معارضة ترشيح تشوك هاغل لمنصب وزير الدفاع يكشف عن حجم المخاطر التي يمكن أن تحيط بالسياسيين في أمريكا إذا ما حاولوا مناقشة الدعم والتأييد الأميركي غير المشروط لإسرائيل.
ويقول الكاتب أن تشوك هاغل أصبح أول مرشح لمنصب وزير الدفاع الأميركي يواجه معارضة عنيفة من جانب مجلس الشيوخ الأميركي. ولكن ما يبعث على الإحباط في هذه المسألة هو كما يقول الكاتب اسباب الاعتراض على هاغل.
ففي الوقت الذي يستخدم فيه كل من السيناتور الجمهوري جون ماكين والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام موضوع بنغازي كمبرر لإعاقة تعيين هاغل بالمنصب ، يعرب السيناتور جيم إنهوف الذي يتزعم عملية إعاقة التصديق على تعيينه ، بشأن مهاراته الوظيفية والإدارية أو آرائه في الأمور العسكرية. غير أن تقارير مجلة نانشيونال ريفيو تؤكد على أن مخاوف أنهوف تتجسد في موقفه من إسرائيل ، بل إنه يقول "أن تاريخه المعادي لإسرائيل حقيقي وواقعي" وقال أيضا "إننا لا نستطيع أن نضع شخص في البنتاعون تصدر عنه مثل هذه التصريحات".
ويشير الكاتب أيضا إلى جلسة لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي حول ترشيح هاغل ويقول ان ما دار فيها يجعل المرء يدرك بسهولة أن أعضاء اللجنة ، الديموقراطيين منهم والجمهوريين ، كان اهتمامهم بأمن إسرائيل أكثر من اهتماههم بأمن الولايات المتحدة.
ويقول ماكس فيشر المحلل بصحيفة واشنطن بوست أن كلمة إسرائيل ترددت في الجلسة 178 مرة ، وتلاها كلمة إيران التي وردت 169 مرة نتيجة تأثير برنامجها النووي على أمن إسرائيل ، بما يعنى أن مجمل تركيز الجلسة كان يدور حول إسرائيل.
ولم يبد هؤلاء نفس المخاوف بشأن آراء هاغل حول أفغانستان التي يعيش فيها الجنود الأمريكان حالة حرب في الوقت الراهن ، ولم يبد هؤلاء أيضا أي مخاوف حول باكستان البلد التي لا تزال تأوي بقايا تنظيم القاعدة والتي تشن حربا نيابة عن أميركا منذ سنوات ، ولم يبد هؤلاء كذلك أي مخاوف حول كوريا الشمالية الدولة النووية التي يتواجد على حدودها أكثر من 30 ألف جندي أميركي.
وحتى عند مناقشة موضوع القوات الأميركية وجدت اللجنة أنه من الصعب عليها إبداء المزيد من الاهتمام. ولم تشر اللجنة لموضوع التهجم الجنسي في الجيش الأميركي إلا ثلاث مرات فقط ، كما لم تشر إلى موضوع الصحة العقلية والانتحار في أوساط الجيش إلا 25 مرة على الرغم من ان هذه المسألة قد أودت بحياة 349 جندي أميركي اثناء الخدمة.
وفي الوقت الذي يواجه فيه الجيش الأميركي تحديات كبرى وخطيرة مثل الميزانية وتحول الانتدابات الاستراتيجية والوضع في أفغانستان والوضع في الشرق الأقصي ، فإن الاهتمام والتركيز الأكبر والاستثنائي كان من أجل بلد واحد لا تأتي على رأس قائمة أولويات البنتاغون.
وعلى الرغم من أن هناك العديد من الفوائد والمزايا الاستراتيجية والتاريخية وراء حفاظ الولايات المتحدة على علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل ، بالإضافة إلى الروابط الدينية والثقافية بين البلدين ، إلا انه من الصعب تفسير الاهتمام المبالغ فيه ببلد لا يرتبط مع الولايات المتحدة بمعاهدة دفاع مشترك ولا يزيد عن كونه شريك تجاري للولايات المتحدة ترتيبه الرابع والعشرين ، ولا يتواجد على اراضيه قوات أميركية.
والمدهش والغريب أن الدعم غير المشروط لإسرائيل غير قابل للمناقشة اساسا في الدوائر السياسية الأميركية . والدليل على ذلك ما حدث في عام 2011 عندما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما أن اي اتفاقية سلام نهائية بين إسرائيل والفلسطينيين ينبغي أن تستند إلى حدود ما قبل 1967 ، فقد قوبل بهجوم شديد وذلك على الرغم من أنه لم يأت بجديد وأن ذلك الموقف هو الأساس الذي تستند إليه السياسة الأميركية منذ عهد طويل. إن مجرد التلميح بأن إسرائيل ينبغي أن تقدم تنازلات من أجل السلام ، يدفع بالجمهوريين إلى الزعم بأن أوباما قرر "إلقاء إسرائيل تحت عجلات الحافلة" ، كما أن أي تلميح لا يأتي على هوى زعماء إسرائيل يكفي لتعرض صاحبه لعاصفة من الهجوم . ويقول الكاتب أنه لا يوجد في تاريخ العلاقات الثنائية التي تربط الولايات المتحدة بدول العالم مثل هذه الأمور.
والواقع أنه وعند مناقشة الدعم الأميركي لإسرائيل يشعر المرء أن اهتمام أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يهتم بمصالح إسرائيل الأمنية على حساب مصالح الأمن القومي الأميركي. ويضرب الكاتب مثالا على ذلك بموضوع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والذي تعارضه السياسة الأميركية منذ أيام الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان. ومع ذلك فإن بناء المستوطنات اليهودية يتواصل ، بل أن حكومة نيتانياهو أعلن عن نيتها بناء مستوطنات جديدة في القدس الشرقية وفي المنطقة المعروف باسم إي 1 في الضفة الغربية ، وهي خطوة تتعارض تماما مع السياسة الأميركية على أساس أن ذلك يعيق عملية السلام كما أن التوسع الاستيطاني يقضي على فرصة إقامة دولة فلسطينية وحل الدولتين الذي يمثل محور السياسة الأميركية بما يعني أن إسرائيل تقضي على أمال السلام.
ويمكن القول كما يرى الكاتب أن الدبلوماسيين الأميركيين ومسؤولي البنتاغون الذي يتعاملون مع الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط يجدون صعوبة في هذا الشأن بسبب الدعم الغير مشروط لإسرائيل والغير قابل للمناقشة . ومثل هذا التحدي سوف يتزايد تطور التجارب الديموقراطية في المنطقة بعد الثورات العربية.
ويرى ستيفن والت الآستاذ بجامعة هارفارد أن هذا أكبر دليل على النفوذ الاستثنائي الذي يمارسه اللوبي الإسرائيلي على أعضاء الكونغرس الأميركية والمسؤولين في الإدارة الأميركية.
ومع ذلك ، فإن الملاحظ أن أقوى جماعات الضغط الموالية لإسرائيل وهي منظمة آيباك قد التزمت الصمت إزاء ترشيح هاغل ، وان المعارضة جاءت من اليمين الأميركي. ويفسر ذ لك أن إسرائيل تحتفظ بمكانة مبجلة وغير عادية في قلوب المسيحيين البروستانت الإنجيليين المحافظين الذي يعتبرون بمثابة العنصر الأساسي في تركيبة الجمهوريين.
إن ما وضع هاغل في هذا المأزق هو الورطة الفلسطينية التي ينبغي على الولايات المتحدة أن توليها اهتماما ، وكذلك الضرر الذي لحق بالدبلوماسية الأميركية بسبب دعمها لإسرائيل ، بالإضافة إلى ضرورة قيام الولايات المتحدة بالتفاوض مع أعداء إسرائيل ، وضرورة تحقيق تقدم في المسار السلمي الإسرائيلي الفلسطيني ، وفوق هذا وذاك ، هو أن علاقات أميركا مع إسرائيل لا يمكن أن تكون على حساب علاقاتها مع العالم العربي . والملاحظ أنه ومنذ تعيين هاغل ، نجد أنه في ظل هذه الأجواء الساخنة اضطر إلى التراجع عن تصريحاته السابقة أو تفسيرها بصورة ما.
والواقع أن السياسة الأميركية باتت رهينة للعقيدة السياسية التقليدية التي تمنع أي مسؤول سياسي من الخروج عن الخط الحزبي في الولايات المتحدة ، وهذا في حد ذاته وبمنتهى الصراحة يمثل خطرا على الديموقراطية وعلى مصالح الأمن القومي الأميركي.
لقد سبق للولايات المتحدة أن دفعت بالإسرائيليين والفلسطينيين نحو تسويات ومصالحات ولكن بات من الصعب تخيل تكرار مثل هذه الخطوات في ظل هذه الهجمة التي تنال من أي مسؤول يحاول مناقشة الدعم الغير قابل للمناقشة لإسرائيل ، وفي وقت تتجه فيه إسرائيل نحو احتلال دائم للضفة الغربية الأمر الذي قد تجد فيه الولايات المتحدة نفسها متحالفة مع دولة تفرض سيطرتها على أغلبية فلسطينية عربية محرومة تماما من حقوقها السياسية.
وإذا كان رفض هاغل يحمل إشارة مستقبلية فإن هذه الإشارة تتمثل في أن هؤلاء الذين يضعون نصب أعينهم منع صانع القرار الأميركي من التعبير عن رأيه بان الحكومة الإسرائيلية الحالية تصم آذانها ، إنما يضمنون للولايات المتحدة مستقبلا غير ديموقراطي يتنافي مع القيم التي يزعمون أنهم يدافعون عنها.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول بأنه وعلى الرغم من تشوك هاغل قد يدفع الثمن على المدى القصير بحرمانه من تولي منصب وزير الدفاع الأميركي ، فإن إسرائيل والولايات والمتحدة والفلسطينيين هم من سيدفعون ثمن كارثي على المدى البعيد.