آثار القصف في سورية
دمشق ـ جورج الشامي
تتصدر الأزمة السورية، الإثنين، جدول أعمال قمة مجموعة الدول الثماني في عاصمة أيرلندا الشمالية بلفاست، وسط خلافات روسية غربية، حيث حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تسليح المعارضة السورية، فيما أصر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على ضرورة تنحي الرئيس بشار الأسد لوضع
حد لـ"الكابوس" في سورية.
وانعقدت قمة بشأن سورية عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، الجمعة الماضية، جمعت الرئيس الأميركي والفرنسي وزعماء بريطانيا وإيطاليا وألمانيا، وفي حين يُنتظر من قمة مجموعة الثمانية أن تخرج بموقف حاسم من الأزمة السورية، يبدو أنه سيؤجل بالنظر إلى استمرار الخلافات بين المعسكر الداعم للأسد، والمعسكر المناوئ له.
ويشهد اجتماع الدول الثماني الكبرى، الذي ستكون الأزمة السورية على رأس جدول أعماله، تفاوتًا واضحًا في مواقف هذه الدول تجاه ما يجري في سورية، الأمر الذي من المرجح أن يعيق التوصل إلى حل، فالولايات المتحدة الأميركية التي اتخذت أخيرًا قرارًا بتسليح الثوار السوريين بشكل محدود، لا تزال بعيدة عن القيام بأي تحرك عسكري، رغم إقرارها بتجاوز دمشق للخط الأحمر واستخدام السلاح الكيميائي، أما بريطانيا فهي على رأس الداعين إلى تسليح المعارضة وتقديم الدعم اللوجستي والدبلوماسي لها، وهو أمر تؤيده فرنسا، لكن بشرط أن تضمن المعارضة عدم وصول هذه الأسلحة إلى أيدي متطرفين.
وترفض ألمانيا بشكل تام إرسال أسلحة إلى المعارضة السورية، وتتمسك بالحل السياسي للأزمة، وهو موقف إيطاليا وكندا واليابان، التي تدعو الأسد إلى التنحي، وتقدم مساعدات غير عسكرية إلى المعارضة، لكنها ترفض التسليح لأنه يؤدي إلى زيادة العنف، والإشكالية الكبرى في الاجتماع ستكون روسيا، الداعمة لنظام الأسد عسكريًا وسياسيًا والتي ترفض اتخاذ أي قرار يؤدي إلى سقوطه.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، خلال محادثات انعقدت في لندن بشأن البحث في سبل وضع حد للحرب في سورية قبل توجههما إلى إيرلندا الشمالية للمشاركة في قمة دول الثماني، أن بلديهما يسعيان إلى تجاوز خلافاتهما بشأن الأزمة السورية، إلا أن التباين بدا واضحًا بين الزعيمين في ملف إرسال السلاح إلى سورية ومصير الرئيس بشار الأسد، وذلك خلال مؤتمر صحافي أعقب لقاء الزعيمين في لندن، ففي الوقت الذي حمّل فيه كاميرون الأسد المسؤولية عن "تمزيق بلاده"، وشدد على "ضرورة أن يتنحى لإنهاء المأساة في سورية، وضرورة دعم المعتدلين في سورية، وأن بلاده اتخذت قرارًا بتسليح المعارضة"، قال بوتين "إن طرفا الصراع مسؤولان عن إراقة الدماء في سورية، وأن تسليح المعارضة يتناقض مع القيم الإنسانية الأساسية، وأن إرسال موسكو أسلحة إلى الحكومة السورية لا يتناقض مع القانون الدولي".
وقال كاميرون، "ما خرجت به من مناقشتنا هو أن بمقدورنا التغلب على هذه الخلافات إذا أدركنا أننا نتفق في بعض الأهداف الأساسية، وهي وضع حد للصراع ومنع تفكك سورية، والسماح للشعب السوري أن يقرر من يحكمه ومحاربة المتطرفين وهزيمتهم"، فيما دعا بوتين مجموعة الثماني إلى التحرك بشأن سورية، "من دون انتهاك القواعد" الدولية، وتساءل لماذا يريد الغرب تسليح معارضين سوريين "يأكلون أعضاء بشرية".
وتأتي قمة دول الثماني في أعقاب إعلان إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، أنها قررت تسليح المعارضة السورية، بعد أن أعلنت أنه ثبت لها أن القوات الحكومية استخدمت أسلحة كيميائية في الحرب الأهلية المتواصلة في سورية منذ أكثر من عامين.
وحذر عمدة لندن بوريس جونسون، من تسليح المعارضين السوريين، الذين وصفهم بـ"المهووسين"، وقال إن "تسليح المعارضة السورية سيكون كارثيًا"، في ما جاءت تصريحات جونسون متوافقة مع تلك التي أدلى بها الرئيس الروسي، وأسقف يورك جون سينتامو، والقائد السابق للجيش البريطاني اللورد دانات.
وقال جونسون، لصحيفة "الديلي تليغراف" البريطانية، "إن تسليح المسلحين السوريين سيكون كارثيًا، لأن بريطانيا ستدفع بالسلاح إلى أيدي المهووسين، وعلى بريطانيا ألا تستخدم سورية كمسرح لاستعراض العضلات، وإن أي قطعة سلاح يتم إرسالها إلى المعارضة السورية قد تنتهي في أيدي عناصر (القاعدة)، والحل الوحيد يتمثل في وقف كلي لإطلاق النار، وأنه من المستحيل ألا يؤدي تسليح المعارضة بانتهاء السلاح إلى أيدي (البلطجية) المرتبطين بـ(القاعدة)"، مضيفًا "هذه هي لحظة وقف إطلاق النار بشكل كلي وإنهاء الجنون، وقد حان الوقت لأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي وتركيا وإيران والسعودية وكل اللاعبين الآخرين، أن يجتمعوا ويعقدوا مؤتمرًا في ما بينهم، لمحاولة وقف العنف، فلا يمكننا أن نستخدم سورية كمسرح لتسجيل نقاط جيوسياسية أو استعراض العضلات، ولن نحصل على وقف لإطلاق النار بوضع الأسلحة بين أيدي مهووسين".
وجاءت تصريحات جونسون، والتي تُعتبر الأكثر تأثيرًا وقد تقوض جهود كاميرون وموقفه، بعد ظهور العديد من التصريحات التي أدلت بها شخصيات رفيعة المستوى تعارض تسليح المعارضة السورية، كما تعارض وقوف كاميرون إلى جانب الرئيس الأميركي باراك أوباما في تقديم مساعدة أكبر للقوات المناوئة لبشار الأسد.
وحذر نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليغ، كاميرون من تسليح الجيش السوري الحر، وقال إنها "لو كانت فكرة جيدة لكانت بريطانيا نفذت الأمر بالفعل"، فيما قال القائد السابق للجيش البريطاني اللورد دانات، "إنه يخشى أن تؤدي مساعدة من هذا القبيل ببريطانيا إلى التورط أكثر"، في حين حث أسقف يورك جون سينتامو، رئيس الحكومة البريطانية على التمهل والتعامل بحذر مع الموضوع.