نواكشوط ـ محمد أعبيدي شريف خلدت حركة "تحرير وانعتاق الحراطين" في موريتانيا، المعروفة بــ "الحر"، الذكرى الـ35 لتأسيسها، والتي توافق 5 أذار/مارس من كل عام، في حفل كبير أقيم وسط العاصمة نواكشوط، بحضور رؤساء وممثلي الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني، إضافة إلى الشخصيات المستقلة وجمع ومناصري الحركة. وقد ركزت كلمات الحفل على "شجب وإدانة واقع الاستعباد والتهميش والتمييز الذي يعيشه الحراطين، وطالبوا القوى الحية كافة بتحمل مسؤولياتها من أجل الإسراع في القضاء على ظاهرة الرق المتعارض مع تعاليم الدين الإسلام الحنيف، ومع مقتضيات المواثيق الدولة ومع كرامة الإنسان".
وأكد رئيس الحركة الساموري ولد بي في حديث لـ"العرب اليوم"، الأربعاء، أنهم "يجددون دعوتهم ومطالبهم بضرورة إدخال مادة في الدستور الموريتاني تعترف لشريحة الحراطيين بخصوصيتها الثقافية، لإنهاء سنوات من الظلم والغبن الذي مورس عليهم من قبل الدولة والمجتمع التقليدي، وأنهم سيواصلون نضالهم السلمي حتى تتحقق العدالة وتتجسد على أرض والواقع بدلاً من الشعارات الفارغة"، مشيرًا إلى أن "وجود العدالة يضمن لجميع مكونات المجتمع التكافل والعيش المشترك بسلام".
وقال للقيادي الساموري، إنه "في 5 أذار/مارس من العام 1978، قررت شريحة الحراطين الجهر بنضالهم الهادف إلى التحرر من قيود الظلم والهيمنة والاستعباد، معلنين بذلك عن ميلاد أول حركة سياسية يتزعمها أطر من أبناء الحراطين تهتم بتغيير واقعهم السيئ، لترسم لنفسها طيلة العقود الأخيرة خطًا نضاليًا تحرريًا ونهجًا سياسيًا و اجتماعيًا سلميًا، سرعان ما مكنها من لعب أدوار ريادية في الساحة السياسية الوطنية، كما مكنها من استقطاب ضحايا الاسترقاق والغبن من مختلف أنحاء البلاد"، مضيفًا "أنهم تعرضوا للمضايقات والسجن والتعذيب خلف بين صفوفهم شهداء قضو جراء مضاعفات مختلف أنواع التنكيل والتعذيب الذي مورس عليهم يومها، كما خلف إعاقات جسدية وعقلية في البعض الآخر، فالرحمة والغفران للشهداء والشفاء العجل وطول العمر للضحايا، وأنهم اليوم قرروا عدم الرجوع إلى الوراء بعد قرون من استعباد الحراطين على غير وجه حق، وانقضاء أكثر من نصف قرن على تأسيس الدولة الوطنية والمصادقة على اتفاقات عدة والقوانين المجرمة للعبودية وكل أشكال التمييز، تبقى قضية الحراطين تراوح مكانها من دون أن تلوح في الأفق بوادر حلول جذرية قادرة على وضع حد لمعاناة عطلت قدرات أكثر من نصف المجتمع الموريتاني، وحالت من دون مساهمتهم الفعالة في الدفع بعجلة التنمية والازدهار".
وأضاف ولد بي أن "السنوات الأخيرة أثبتت حجم تهميش وإقصاء الحراطين وحرمانهم الذي لم يعد بالإمكان السكوت عليه، حرمان غيبهم عن لعب دورهم المناسب في المجتمع، ليبقو بذلك مواطنين من الدرجة الثانية، لا دور لهم في مراكز القرار ولا في تسيير البلد ولا تدبير شؤونه، ولا حظ لهم في الاستفادة من ثرواته التي جرت العادة على اقتصار الاستفادة منها على أبناء البيظان من دون غيرهم، وحرمان يشكل التمادي في ممارسته مبررًا طبيعيًا لاستمرار حركة (الحر)، التي تدخل محاربة الاسترقاق وشتى أنواع الظلم والحرمان والتمييز ضمن أهدافها الإستراتيجية"، مشددًا على "ضرورة تغيير تلك النظرية الدونية تجاه الحراطيين والتمادي في إقصائهم من قبل النظامين الرسمي والتقليدي، لأنه تهديد حقيقي لوحدة وتماسك النسيج الوطني، وأكبر عائق في وجه التقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي والثقافي لبلدنا الذي يعيش ضمن محيط عربي وأفريقي ملتهب تشهد معظم بلدانه تحولات سياسية واجتماعية عسيرة لم تخلوا من عنف و دماء، ولنا أن نستخلص العبرة مما تعيشه اليوم دولة مالي المجاورة من خراب ودمار، كان التمييز والإقصاء والتهميش سببًا رئيسًا في ما هي عليه اليوم."
هذا وقد تخلل حفل حركة "الحر" العديد من الفقرات الفنية والأدبية، التي تعكس جوانب مهمة من تراث شريحة الحراطين.
ويرى المحللون أن التجسيد الفعلي لمجتمع الحرية والانعتاق والعدل والمساواة الذي تعكف حركة "الحر" على بنائه، يبقى مرهونًا بمدى استعداد الجميع لتغيير الصورة النمطية، تلك الصورة التي حدت بجل علماء وفقهاء البلد التزام الصمت حيال تفسيرات وممارسات خاطئة باسم الدين الحنيف الذي هو منها براء، ممارسات استبيحت بموجبها أعراض وانتهكت حرمات وسلبت حريات من دون وجه حق.