رام الله ـ نهاد الطويل عادت عجلة المفاوضات بين الفلسطينين والإسرائيلين فجر الثلاثاء للمرة الأولى  بعد توقفها منذ ثلاث سنوات، وذلك برعاية أمريكية في واشنطن، فيما خصصت الجلسة التمهيدية من المفاوضات للحديث حول الاطر العامة لقضايا الوضع النهائي بعيدا عن المسائل العالقة كالمستوطنات والحدود واللاجئين والقدس .
ويرتقب الفلسطينيون أولا بأول ما ستسفر عنه المفاوضات رغم الجدل الذي يخيم على الشارع، فيما تسيطر حالة من التشاؤم ويتصدر الإحباط السياسي المشهد، وذلك بسبب التجارب التفاوضية على مدار 20 عاما، وهذا يحمل الفلسطينيين على وصفها مسبقاً بـ"الفاشلة". وهم لا يرون في لقاءات التفاوض بواشنطن أي تفاؤل يقودهم إلى سلام عادل مع الإسرائيليين.
وفي هذا الصدد يؤكد القيادي الفتحاوي نبيل عمرو في تعليق له الثلاثاء على استئناف المفاوضات بالقول:"لقد كنت واحدا ممن تحفظوا في الاساس على وقف المفاوضات لأنني كنت متأكدا من اننا سنعود اليها، ولكن بعد ان نفقد الكثير من مصداقيتنا، وندفع الكثير من ارصدتنا المتواضعة اصلا. الا انني وانا اتفهم دوافع العودة الى المفاوضات اواصل التحذير من الاداء، فالفاشلون في مرحلة ما لا يمكن ان يوفروا النجاح للمرحلة الاصعب، وبالامكان تدارك الامر".!
بدوره يؤكد عبد الرحمن ابوحاكمة وهو صحفي أردني من أصول فلسطينية "ان الجولة الجديدة من المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية،التي بدأت علنا في واشنطن بعد قرار القيادة الفلسطينية الفردي والذي لم ياخذ بعين الاعتبار أي توافق وطني، ستستغلها اسرائيل لتحسين صورتها القبيحة امام العالم، وستنفذ خلالها على اقامة المزيد من المستوطنات ونهب الارض وتهويدها واستباحة المقدسات مقابل بعض التنازلات الشكلية الحياتية والمعيشية ورفع حواجز، اضافة الى اطلاق سراح قدامى الاسرى وهو استحقاق قديم لـ"اوسلو" تاخر سنوات طويلة ".
وأضاف أبوحاكمة لـ"العرب اليوم":" كان الأجدر بقيادة السلطة ان تبحث عما يعيد للقضية الفلسطينية حضورها، والعمل على استعادة ملف الوحدة والمصالحة، وان تسعى جديا لوضع حد للانقسام التدميري" وأضاف :" كان عليها البناء على خيار الأمم المتحدة وانتصار فلسطين قبل عام تقريبا لتصبح دولة عضوأً مراقباً في الأمم المتحدة، والإنتقال الى مرحلة تاريخية لتعزيز فلسطين، والعمل على تحويل قرار الأمم المتحدة لحقائق سياسية تعيد لفلسطين بعضا مما لها،وأن تعلن عن دولة فلسطين في الضفة والقطاع كدولة تحت الاحتلال، بكل ما يترتب على ذلك من مسؤوليات بالاعلان، وانهاء العمل بالمرحلة الانتقالية وما أنتجته الاتفاقات الموقعة سابقا والانضمام لمؤسسات الأمم المتحدة الفرعية لتصبح عضوا كامل العضوية، وتعلن انضمامها الى معاهدة روما لتفتح الطريق نحو عضوية المحكمة الجنائية الدولية، لملاحقة اسرائيل كمجرمة حرب.
وأضاف :"كان عليها ان تتسلح بكل ذلك وغيره مثل رفع منسوب المقاومة باشكالها كافة خاصة الشعبية لتكون لديها اوراق ضغط تستخدمها عند قرارها بالعودة للمفاوضات مفضلة "الخيار الأمريكي" على "الخيار الوطني.
من جهته يرى الدكتور نهاد الأخرس "أن جولات المفاوضات التي بدأت في واشنطن الثلاثاء لن تحدث فرقاً"، مشيراً الى "عدد من المؤشرات وتتمثل في رفض اسرائيل للإقرار الخطي بقبول مرجعيات دوليه الى جانب الولايات المتحده وعدم التعهد بوقف الاستيظان وعدم الاعتراف بحدود 67."
واعتبرالأخرس "أن هذا يعني اتاحة المجال للمماطلة والتسويف الى جانب ان تكون هذه القضايا المحوريه سيف مسلط على المفاوض الفلسطيني".
وأضاف الأخرس لـ " العرب اليوم": إن" المفاوض الفلسطيني او بمعنى ادق القيادة السياسيه الفلسطينيه اكتفت بضمانات امريكيه شفويه غير ملزمه لجر الفلسطيني الى التفاوض، فيما لا ترقى تلك الضمانات إلى مستوى المتطلبات الموضوعية لإنجاح العملية التفاوضية كما أجمعت عليها الحالة الفلسطينية" .
واستدرك الأخرس معلقا: "مقابل الضمانات الأمريكية للجانب الفلسطيني، هناك ضمانات أمريكية للجانب الإسرائيلي، تلغي الضمانات للجانب الفلسطيني. والتجربة أكدت أن واشنطن لم تتعود أن تخل بالتزاماتها وضماناتها نحو إسرائيل، بل أكدت التجربة باعتراف المفاوض الفلسطيني نفسه. أن واشنطن لا تقدم اقتراحاً للمفاوضات إلا بعد عرضه على إسرائيل ونيل موافقتها عليه".
وفي هذا الصدد يتساءل وائل الأحمد:" ولكن هل عودتنا الى المفاوضات ترجمة على أرض الواقع لموازين قوى ظهرت من جديد، أم لقوى متواجدة في الأصل على أرض الواقع؟ وقال " لغاية اللحظة لم ولن ندرك ما هو الهدف من عملية التفاوض".
وأضاف الأحمد:" نحن بحاجة لنتفاوض مع أنفسنا في البداية كشعب وتنظيمات واضعين أسس لمعيشة سلمية بين بعضنا البعض للخروج من القوقعه والشرذمة التي نعيشها بغض النظر عن القوى الخارجية ، لأن تلك معادلة وحسبة أخرى ، أكثر من مرة نذهب للمفاوضات واكثر من مرة تجمد، وفي الأخر ماذا سنكسب وإلى متى سنظل متقطعي الأوصال؟".
ويرى المواطن الفلسطيني محمد علوش "أن المشكلة الاكبر التي تواجهنا الان هي بالفريق الذي يفاوض،وعموما انا غير متفائل مثل الكثيرين بنتائج المفاوضات والتي ستكون للصور التذكارية فقط".
الناشط كفاح صالح يرى :"أن المفاوضات حتى اللحظة منذ بدئها مع الإسرائيليين لم تحقق الا المزيد من الإستيطان ومصادرة الأراضي والخاسر الأكبر هو الشعب الفقير".
ويتابع :" وبالنسبة للإستئناف الحالي وما الذي سنحققه، أوسلو منذ 20 عام لم نستفد منها شيء فما بالك بمفاوضات اليوم وخصوصا ما أثار غضبي حقا أن قوات دولية من المقرر أن تحمي حدود الدولتين في حال التوصل لإتفاق ما بين الطرفين".
ويعارض محمد جمال الرأي مع من سبقوه معلقا:" في حال توصل الوفد الفلسطيني المفاوض إلى أي إتفاق مع حكومة الإحتلال سيتم عرضه في إستفتاء عام للشعب الفلسطيني في كل مكان، وبالتالي فإن الحفاظ على الثوابت الوطنية أساس أي عملية للتفاوض، وكلنا ثقة بقيادتنا ممثلة بالرئيس محمود عباس، وسوف نمضي معاً لنحقق حلم الوطن بالحرية والإستقلال والإفراج عن الأسرى وتبيض السجون".
عصام مناصرة علق قائلا " ان المفاوض الفلسطيني الذي لا يمتلك من القوة شيئاً لا يمكن ان يحقق لشعبه اي شيء".
وتبدو سندس علي أكثر تشاؤما وذلك من خلال معايشتها للواقع،مستندة الى "عدم رغبة الإحتلال في التفاوض الجدي ورفضة للحقوق الفلسطينية،وهو ما قد يحكم على المفاوضات بالفشل".
الناشط اليساري ظاهر الشمالي يؤكد "أن الجولة الجديدة للمفاوضات يعول عليها الفلسطينيون من باب الوهم، في حين ان حكومة الاحتلال ترى في تلك الجولة فقط كسراً للجمود،ومن ثم قيامه بتجميل تلك المهمة بإطلاق عدد من الاسرى لتخدير وعي الفلسطينين وامتصاص الغضب. على حد قوله.
ويعتبر الشمالي:" أن الجولة الجديدة التي تحدث في واشنطن وهي غير محايدة في الصراع الدائر، تعد الاخطر نظرا لمخطط "برافر" والتهويد ، فيما السلطة وحركة فتح باتتا تعيان بانهما تفاوضان من اجل التفاوض فقط، وهما تكابران امام مناصريهما وامام الشعب على ان تكشف الحقيقة".
ويرى الإعلامي نزار الغول أن المفاوضات لَيْسَتْ اخْتراعاً فلَسْـطينيّاً، هيَ ابْتُدعَتْ أصْلاً كَوسيلَة حوار بَيْنَ الأَعداءِ لا الأصدقــــاء.
وأضاف الغول في معرض تعليقه:"من حَق أي طَرَف فـلـــــسطيني أَنْ يَرْفَضَ المفاوضات وَ أَنْ يَطرَحَ البَدائل التي يعتقد بها، ويبقى الســــؤالُ، من يمنع المُعارضينَ للمفاوضات أنْ يستخدموا البدائل التي يمتلكونها؟"
ونشر المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية - برام الله - استطلاعا للرأي في يونيو حزيران بينما كان جون كيري وزير الخارجية الاميركية لا يزال يقوم بحملته الدبلوماسية لإعادة الطرفين إلى مائدة التفاوض، وأظهر الاستطلاع آراء مشابهة بين الفلسطينيين.
وأيد 53 في المئة حل الدولتين رغم أن 58 في المئة يعتقدون أنه لم يعد عمليا بسبب المستوطنات الإسرائيلية، بينما يعتقد 69 في المئة أن فرص إقامة دولة فلسطينية في السنوات الخمس المقبلة تكاد تكون معدومة.
يذكرا أن محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين كانت قد توقفت في نهاية 2010 بسبب الممارسات الإسرائيلية وبناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
وفيما يعيش نحو 350 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة التي يقيم بها نحو مليونين ونصف المليون فلسطيني بينما تشكل تنغص تلك المستوطنات حياتهم وتحرمهم من فرص اقامة دولة قابلة للحياة.