الرئيس اللبناني ميشال سليمان والبطريرك بشارة الراعي
بيروت ـ جورج شاهين
قرر اللقاء الماروني الذي دعا إليه البطريرك بشارة الراعي، في بكركي، اعتماد القانون الأرثوذكسي، ما لم يوفر تيار "المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" بديلاً يؤمن التمثيل المسيحي الحقيقي، وأن جميع من شارك في اللقاء لن يتوجه إلى مجلس النواب عند البت بشأن القانون الجديد قبل أن يعودوا إلى
الاجتماع مرة أخرى.
وجاء هذا التفاهم الماروني النادر بعد ساعتين على لقاء مطول بين الكردينال الراعي والرئيس اللبناني ميشال سليمان، وليواكب حركة الاتصالات الجارية حاليًا، حيث جرت الأربعاء اتصالات مكثفة بين أقطاب قوى "14 آذار"، فتحدث رئيس حزب "الكتائب" أمين الجميل مطولاً مع رئيس كتلة "نواب المستقبل" فؤاد السنيورة، ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وقيادات سياسية وحزبية مختلفة، كما تحدث رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري والنائب بطرس حرب في الموضوع ذاته، فيما قالت مصادر مطلعة على حركة الاتصالات إن "ما ستنجزه مهمًا، وستظهره الساعات القليلة المقبلة، وتحديدًا قبل الإثنين المقبل".
وعلم "العرب اليوم"، أن الجميل سيستكمل الاتصالات التي بدأها منذ جلسة اللجان النيابية المشتركة، والتي توسعت إلى مدار أوسع من إصطفاف 8 و14 آذار وسيلتقي رئيس الجمهورية ميشال سليمان في بعبدا، الجمعة، للغاية عينها، وأن "تيار المستقبل" ومعه الحزب "التقدمي الاشتراكي" توصلا إلى مشروع قانون مختلط قد يوفر الإجماع الذي يريده معظم الأقطاب، قبل المضي في معركة لإقصائهما، وما يمثلان في حال استمر المضي بالقانون الأرثوذكسي للوصول به إلى الجلسة التشريعية في مجلس النواب، بعدما تبين أن مضي الجميع به أمر بات شبه محسوم، وفي المعلومات المتداولة أن النائب السنيورة وضع كلا من الجميل وجعجع في العناوين الأساسية للطرح الجديد في شكله ومضمونه، مما دفع بأحد المطلعين إلى القول "لو قدما هذا الطرح في ساحة النجمة من قبل لاختصرنا الكثير من المسافات".
وانعقد مساء الخميس، في بكركي وبدعوة من غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، اللقاء التشاوري الذي ضم الأقطاب الموارنة النواب أمين الجميل، ميشال عون، سليمان فرنجية، جورج عدوان نائب رئيس حزب "القوات اللبنانية" ممثلاً رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع، الذي اعتذر عن عدم الحضور لأسباب أمنية، وأعضاء اللجنة المكلفة البحث في قانون الانتخاب من قبل الأحزاب المسيحية وبكركي التي ضمت النواب: بطرس حرب، ألان عون، سامي الجميل، والوزيرين السابقين زياد بارود ويوسف سعادة، والمطران بولس صياح، والمطران سمير مظلوم، حيث أكد المجتمعون في بيان مختصر صدر بعد الاجتماع، على "مواقفهم وأجروا عملية تقييم للمرحلة الراهنة في ما يتعلق بقانون الانتخابات الجديد ونتيجة اجتماعات اللجان النيابية، وأبدوا انفتاحهم على أي طرح يؤمن صحّة التمثيل لجميع المكونات الوطنية اللبنانية وفقًا لمندرجات الدستور".
وقالت مصادر مطلعة، إن "اللقاء الذي استغرق ساعتين تقريبًا، استهله البطريرك الراعي بالحديث عن مجموعة أفكار ومشاريع بديلة، طرحت ولا تزال قيد التداول ومنها "القانون المختلط"، لكنه لم يحمل أية مبادرة محددة، على حد قول أحد المجتمعين، ولم يحمل أي طرح من رئيس الجمهورية كما تردد في الساعات الفاصلة بين زيارته إلى قصر بعبدا ولقاء بكركي، وأن الراعي قدم عرضًا لما يمكن أن يؤدي الصدام حول القانون واللجؤ إلى المجلس الدستوري في ضوء معارضة رئيس الجمهورية للمشروع إلى النهاية، التي تحدث عنها من قبل ولم تعد سرًا، حيث قال إن العمل لمنع الوصول إلى هذه المرحلة مهم للغاية، وبعدها رد معظم القادة الأقطاب الموارنة على طرح البطريرك الراعي، مؤكدين أهمية هذه المخاوف لكن عدم طرح أي بديل عن القانون الأرثوذكسي سيؤدي إلى المضي بهذا القانون إلى النهاية.
وتحدث الجميل في الاجتماع فشكر الراعي على هذه الدعوة، مشددًا على أهمية أن نلتقي للتشاور في مرحلة هي الأخطر في تاريخ لبنان، بالنظر إلى حجم المخاطر المحيطة بنا من داخل ومن خارج، مضيفًا "اتفقنا هنا في بكركي على قانون اللقاء الأرثوذكسي، ولا نزال على مواقفنا بعد إجماعنا على هذا المشروع للأسباب التي باتت معروفة للجميع، ولأكون واضحًا نحن لم نوافق على ما جرى في اجتماع اللجان للتمايز عن حلفائنا أو عن أحد آخر، فهذا قرار واضح لا يخضع للجدل، وهذا القانون يُعيد إلينا حقوقا نستحقها، وطالما أنه ليس هناك أي قانون آخر مطروح يُلبي الغاية منه، وتحديدًا التمثيل المسيحي الحقيقي، وطالما أنه ليس هناك من قانون يضمن هذا التمثيل بالشكل المضمون نحن على موقفنا".
وقال النائب سليمان فرنجية أثناء اللقاء، إن "ما تحقق إنجاز كبير، ولا يجوز أن نتخلى عنه في مثل الظروف التي نعيشها، فالقانون يؤمن انتخاب 64 نائبًا مسيحيًا بأصوات المسيحيين أمر لطالما حلمنا به وقد تحقق للمرة الأولى، وعلى من يعترض على هذه الصيغة أن يؤمن صيغة بديلة توفر المعطيات ذاتها"، مختتمًا بالقول إنه "على استعداد للنقاش في أي اقتراح آخر يوفر ما يوفره هذا القانون"، فيما قدم ميشال عون عرضًا شاملاً ومفصلاً، إستأثر فيه بالكثير من الوقت، وغاص في التفاصيل لكنه بقي تقريبًا على الموجة ذاتها التي تحدث فيها الجميع، داعيًا إلى رؤية البديل، وكان واضحًا عندما قال "ليس من مسؤوليتنا أن نتقدم بالبدائل، فمن يعترض عليه أن يوفر البديل، ومتى توفر البديل الذي يمكن التأسيس عليه ويوفر ما يوفره الأرثوذكسي لن نتأخر في الحوار"، ثم تناول عرض نتائج اتصالاته ولقائه برئيس مجلس النواب نبيه بري أخيرًا، وما وفره "الحلفاء" من دعم للقانون.
وتحدث النائب جورج عدوان فاعتذر عن عدم حضور الدكتور جعجع، وعاد بالذاكرة إلى الأجواء التي رافقت التفاهم على هذا القانون، وبعدما لفت إلى حجم المعارضة رأى أنه بالإمكان التوافق على قانون مختلط يوفر توافقًا لبنانيًا أوسع مما تحقق إلى اليوم، ومع وصول النائب بطرس حرب متأخرًا بعض الوقت كانت المناقشات قد توغلت في الكثير من التفاصيل والإحتمالات الممكنة والمتوقع منها في حال بقيت المواقف على حالها، وبعدها تحدث النائب حرب فقدم عرضًا مفصلاً جدد فيه مواقفه المعلنة والمعروفة ومعه الفريق الذي يشارك في سلسلة الاجتماعات التي تنعقد في منزله، إلى أن أشار فيه إلى ما يمكن تسميته "بإذكاء الروح الطائفية والمذهبية"، فيما أعلن أحد المشاركين أن هذا الكلام استفز بعض المشاركين، فانتقدوا هذا الرأي بالإجماع تقريبًا، وقال بعضهم "إننا بهذا القانون لم نخترع جوًا طائفيًا أو مذهبيًا"، فقانون الانتخاب في لبنان يحدد المقاعد وهوياتها الطائفية والمذهبية، وفق معادلة ليس من السهل تجاوزها على الإطلاق، ولذلك وإن عكس القانون الأرثوذكسي حسن التمثيل فلا يتهمه أحد بأنه سبب الجو الطائفي والمذهبي في البلد.
وتم التفاهم في نهاية الاجتماع على آلية للمرحلة المقبلة، وبناء لاقتراحات عدة تم التوصل إلى أمرين أساسيين، أولهما أن الباب ليس مغلقًا على مخرج يوفر توافقًَا أكبر طالما أن "المستقبل" و"الاشتراكي" سيتقدمان بمشروع بديل، وثانيهما أن من هم حول هذه الطاولة لن يذهبوا إلى مجلس النواب عند البت بالقانون قبل العودة إلى مثل اجتماع الأربعاء في بكركي.