صنعاء ـ علي ربيع أبدى مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، جمال بنعمر، قبيل مغادرته صنعاء، الجمعة، عائدًا إلى نيويورك، تفاؤله بنجاح مؤتمر الحوار الوطني الدائر في اليمن، معتبرًا إياه "فرصة تاريخية" لحل المشكلات العالقة، وتحديد مستقبل الدولة الجديدة، في حين تتواصل أعمال المؤتمر، السبت، لإعلان توزيع المشاركين على تسع فرق إيذانًا ببدء النقاشات غير المعلنة بشأن تفاصيل الملفات المطروحة على طاولة المتحاورين.
وقال المبعوث الأممي في تصريح إلى وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، الجمعة، "أنا متفائل جدًا من الحوار الوطني، والذي سيكون فرصة تاريخية لحل مشاكل اليمنيين وبناء مستقبلهم، فالقرار قرار اليمنيين، وقد توفرت لهم الفرصة ليجتمعوا كلهم من جميع المناطق وجميع الأطراف، حتى التي لم تكن في العملية السياسية".
وفي حين أكد أن الحوار بدأ بالنقاش المسؤول والبنّاء، تمنى بنعمر أن تكون مخرجات الحوار "في مستوى تطلعات الشعب اليمني في الأمن والاستقرار والعيش الكريم والتغيير".
ووصف انطلاق فعالياته بمشاركة كل الأطراف السياسية الممثلة، بأنه "مشهد حضاري"، وقال "إن اجتماعهم بمسؤولية وشفافية أكد الرغبة في تجاوز الوضع الصعب، والنظر إلى المشاكل بنظرة مستقبلية".
واعتبر مستشار الأمين العام للأمم المتحدة، ارتفاع أصوات الجنوبيين المعارضين (الحراك الجنوبي) في الأيام الأولى لمؤتمر الحوار، "ظاهرة صحية"، وقال "ما حصل خلال الأيام الأولى لفعاليات الحوار والمتمثل في رفع ممثلي "الحراك" لشعارات تعبر عن السقف الأعلى لمطالبهم يعد ظاهرة صحية في اليمن، كون بقية المشاركين في الحوار تعاملوا مع ذلك بمسؤولية وبشكل حضاري، أكدوا من خلاله على احترام الرأي والرأي الآخر".
وأكد المبعوث الأممي الذي زار اليمن نحو 19 مرة خلال العامين الأخيرين، أن قرارات مؤتمر الحوار ستكون ملزمة للجميع. وقال "هذا ما تم الاتفاق عليه من البداية"، مشيرًا "إلى أن فكرة التحضير للمؤتمر كانت موجودة في الآلية التنفيذية" لاتفاق التسوية السياسية.
وأوضح بالقول "الغرض ليس مهرجانًا سياسيًا، وإنما ضمان مشاركة جميع الأطراف في العملية السياسية، والاتفاق على حلول القضايا المستعصية كالقضية الجنوبية، وقضية صعدة، وكذلك الاتفاق على أساسيات بناء الدولة، وصياغة الدستور الجديد".
وأجرى بنعمر خلال الأيام الأخيرة لقاءات مكثفة مع ممثلي الأطراف اليمنية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، في سياق مساعيه لتقريب وجهات النظر، والاستماع إلى مختلف الآراء، ومن المقرر أن يقوم المبعوث الأممي بإعداد تقرير مفصل يعرضه على اجتماع مجلس الأمن الدولي الشهر المقبل، ويضمنه آخر التطورات بشأن العملية الانتقالية في اليمن، بما في ذلك ما يتعلق بالحوار الوطني الدائر.
ويترقب اليمنيون، السبت، إعلان تشكيل تسع فرق من المتحاورين، تبدأ مناقشة منفردة لتسعة ملفات مطروحة على طاولة الحوار، وبداية الجلسات غير العلنية، وسط مخاوف يطلقها مراقبون سياسيون من تعقيدات قد تعصف بالحوار اليمني برمته، في ظل وجود مراكز قوى تحمل رؤى ثأرية مرتدة نحو الماضي، وتخشى أن تؤدي مخرجات الحوار إلى نتائج تسلبها امتيازاتها في السلطة والثروة والنفوذ.
وبدأ مؤتمر الحوار في اليمن أعماله في الـ18 من آذار/ مارس الجاري في العاصمة صنعاء، تحت تشديدات أمنية غير مسبوقة شارك فيها نحو 60 ألف ضابط وجندي، وبرعاية المجتمع الدولي والإقليمي وإشراف الأمم المتحدة، وتنفيذًا لمتطلبات الانتقال السياسي في البلاد، وفق ما أقرته خطة التسوية الخليجية بشأن إنهاء الأزمة العنيفة التي كانت اندلعت في اليمن في مطلع العام 2011، إثر موجة الاحتجاجات العارمة التي خرجت ضد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
ويقاطع فصيل من المعارضة اليمنية الجنوبية الحوار الدائر في صنعاء، حيث يقوده من منفاه الاختياري في الخارج نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض، ومعه قيادات جنوبية أخرى رفضت المشاركة في الحوار، وأعلنت تمسكها بمطلب انفصال جنوب اليمن عن شماله، واستعادة الدولة التي كانت قائمة فيه قبل توحده اندماجيًا مع الشمال في أيار/ مايو من العام 1990.
وتقرر أن تستمر نقاشات المتحاورين البالغ عددهم 565 عضوًا يمثلون الأطراف السياسية كافة، ستة أشهر، من أجل التوافق بشأن الوصول إلى تصور جديد لشكل الدولة ونظام الحكم وكتابة الدستور الجديد، بالإضافة إلى إيجاد حلول للنزعة الانفصالية في جنوب اليمن والتمرد الشيعي في شماله، إلى جانب قضايا الحكم الرشيد والعدالة الانتقالية، وصولاً إلى انتخابات عامة في شباط/ فبراير 2014، ينتهي بموجبها العامان الانتقاليان، اللذان تولى الرئاسة خلالهما عبدربه منصور هادي، بعد انتخابه كمرشح توافقي وحيد خلفًا لسلفه صالح.
ورغم كل المحاولات الإقليمية والدولية لإقناع البيض ورفاقه بالمشاركة في الحوار الوطني، لا تزال المساعي مستمرة لجهة إقناعهم بالانضمام إليه.
وأعلن الرئيس هادي خلال افتتاحه الجلسة الأولى للمؤتمر أن الباب سيظل مفتوحًا أمام كل الذين رفضوا المشاركة. في غضون ذلك تتردد تسريبات غير مؤكدة عن عودة مرتقبة لرئيس وزراء اليمن الأسبق حيدر العطاس وآخرين إلى صنعاء.
وفي حين لا يزال الشارع في جنوب اليمن مهيأً للتصعيد، يُتهم البيض بتلقي دعم إيراني لتقويض العملية الانتقالية في اليمن، خدمة لأجندة طهران في المنطقة، وورد اسمه مع الرئيس اليمني السابق صالح، ضمن آخر بيان رئاسي صادر عن مجلس الأمن الدولي، باعتبارهما مُعرقلَيْنِ للعملية الانتقالية.