رئيس الحكومة الاسبانية ماريانو راخوي إلى جانب عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة المغربية
الرباط ـ رضوان مبشور
أكد رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، أن تقرير المصير هو الحل الوحيد لنزاع الصحراء الغربية، القائم بين المغرب وجبهة "البوليساريو" المطالبة بالانفصال منذ 38 عامًا، فيما أبدت الدبلوماسية المغربية انزعاجها من هذا التصريح، وبخاصة بعد سعيها إلى تحسين علاقاتها مع جارتها الشمالية إسبانيا أخيرًا
. وأوضح راخوي، أن تقرير المصير سيكون عن طريق إجراء استفتاء شعبي في المناطق المتنازع عليها في الصحراء، يحدد من خلاله شعب الصحراء الغربية مصيره، إما بالانفصال عن المغرب أو الانضمام إليه، أو اختيار مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحته الرباط منذ العام 2007، والذي لقى استحسانًا دوليًا واسعًا وبخاصة من مجموعة "أصدقاء الصحراء"، والتي تضم كل من فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، إسبانيا، وبريطانيا.
وقال مصدر دبلوماسي مغربي، إن حكومة عبدالإله بنكيران انزعجت من هذا التصريح، بعدما أرسلت خلال السنوات الأخيرة إشارات إيجابية تجاه جارتها الشمالية إسبانيا، وبخاصة في المجال الاقتصادي، بعد الأزمة الخانقة التي تعيشها إسبانيا منذ العام 2008، مما مكّن اسبانيا من أن تصبح الشريك التجاري الأول للمغرب، متقدمة على فرنسا "الحليف التاريخي للمغرب" في المجال التجاري والاقتصادي، كما أن الحكومة المغربية تجنبت كثيرًا، مناقشة ملف المدينتين المغربيتين سبتة ومليلية المحتلتين من طرف إسبانيا منذ أكثر من 5 قرون، حفاظًا على حسن وتطور العلاقات المغربية الإسبانية، التي تحسنت بشكل كبير منذ الحرب الباردة التي هيمنت على دبلوماسية البلدين، بعد التنزيل العسكري الإسباني على جزيرة "ليلى" المغربية في 2004.
وأضاف المصدر ذاته، أن حكومة بنكيران، ومنذ تحملها المسؤولية في المغرب في كانون الثاني/يناير 2012، أرسلت إشارات ايجابية لجارتها الشمالية، يبقى أبرزها تصريح وزير الاقتصاد والمال نزار بركة، بعزم المغرب مساعدة إسبانيا اقتصاديًا للخروج من عزلتها، وهو الخطاب نفسه الذي كرره في أكثر من مرة، رئيس البرلمان المغربي كريم غلاب، موضحًا أن "سلطات الرباط التزمت الصمت المطلق في ملف سبتة ومليلية المحتلتين، خلال الندوة الصحافية التي عقدها الوزير المغربي المنتدب في الخارجية يوسف العمراني، والتي انعقدت في العاصمة الإسبانية مدريد، الأسبوع الماضي، حيث قال: إن الحوار سيحل جميع المشاكل بين البلدين، وأجابه وزير الخارجية الإسباني غارسيا مارغايو: نعم، ولكن شريطة عدم النبش في ملف سبتة ومليلية، فيما هزّ العمراني رأسه موافقَا على كلام مارغايو، في تصرف أثار دهشة واستهجان الشارع السياسي المغربي.
وأفادت مصادر مطلعة لـ"العرب اليوم"، أنه "في مقابل كل تلك الإشارات الإيجابية التي بعثتها الرباط إلى حكومة مدريد، يصدر مسؤولون إسبان ردود أفعال غير متوازنة من الناحية الدبلوماسية، وتثير الكثير من الأسئلة، ففي الوقت الذي يكرر فيه المسؤولون المغاربة رغبتهم الكبيرة في مساعدة الاقتصاد الإسباني على الرجوع إلى سابق عهده، عادةً ما يعرب بعض المسؤولين في مدريد من تذمرهم الممزوج بالسخرية من هذه العروض، حيث قال أحدهم في وقت سابق، "كيف يعقل أن يقول المغاربة أنهم يريدون مساعدتنا وإنقاذنا من الأزمة الاقتصادية، في وقت لا نزال نخصص لهم أكثر من 20 مليون يورو من المساعدات السنوية، على الأقل يضعون حدًا للهجرة السرية".
وأثارت تصريحات رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، أكثر من تساؤل في الأوساط الدبلوماسية المغربية، حيث تساءل البعض عن التناقض الكبير في تصريحات راخوي، وهو من قال الخميس الماضي، "إن اسبانيا ستستمر في تأييد حل عادل ودائم ومقبول من المغرب وجبهة (البوليساريو)"، ثم صرح بعد ذلك بدقائق في ندوة صحافية، برفقة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وقال: إسبانيا تدعم الأمم المتحدة في الصحراء، وستستمر إسبانيا كعضو في مجموعة "أصدقاء الصحراء"، وسندافع عن تقدير المصير في إطار قرارات الأمم المتحدة، لكنه في مقابل ذلك تفادى الحديث عن المقترح المغربي، والمتمثل في منح الصحراويين حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت السيادة المغربية، ثم عاد هو بنفسه الإثنين، ليقول "إن تقرير المصير الذي تطالب به جبهة (البوليساريو) هو الحل الوحيد لنزاع الصحراء الغربية"، في تناقض صريح في تصريحات المسؤول السياسي الأول في إسبانيا.
وسبق لوزير الخارجية المغربي، سعد الدين العثماني، أن صرح قبل أيام، لجريدة "إل إمبارسيال" الإلكترونية الإسبانية، أن "العلاقات المغربية الإسبانية جيدة، وتقوم على الحوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وأن العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين البلدين تتحسن أكثر فأكثر، مما مكّن إسبانيا من أن تصبح المصدر الأول للمغرب، وأول شريك اقتصادي للمملكة".
جدير بالذكر أن حسابات الربح والخسارة عادة ما تهيمن على العلاقات المغربية الإسبانية، وكذلك تصريحات مسؤولي البلدين، وقد تكون الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى المغرب، في بداية نيسان/أبريل الجاري، حيث هيمن الجانب الاقتصادي على مشاورات مسؤولي البلدين، قد ولدت إحباطًا لدى الإسبان، الذي أحسوا بأن مصالحهم ومكتسباتهم الاقتصادية والإستراتيجية في المغرب قد تم التطاول عليها من طرف فرنسا، بعدما استغلت إسبانيا توتر العلاقات بين الرباط وساكن قصر الإليزيه فرانسوا هولاند، بعدما دعمت سلطات الرباط منافسه نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مما أغضب هولاند، وهو الوضع الذي استغلته مدريد ومكنها من أن تنسج علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع الرباط، و تصبح الشريك التجاري والاقتصادي الأول للمغرب، حيث تعول إسبانيا كثيرَا على السوق المغربي للتغلب على أزمتها الاقتصادية الخانقة التي تعيشها، والتخفيف من وطأتها.