أحد أفراد القوات البريطانية يفتش رجل عراقي في البصرة العام 2003
أحد أفراد القوات البريطانية يفتش رجل عراقي في البصرة العام 2003
لندن ـ سليم كرم
تعرض رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير وحكومته إلى هجوم قاسٍ من جانب أحد كبار الدبلوماسيين القدامى وعدد من القيادات العسكرية البريطانية بشأن أسلوب تعامله مع الحرب على العراق التي تعتبر أهم معالم فترة رئاسته للحكومة البريطانية. وتتمثل الاتهامات الموجهة إلى توني بلير، بعد
مرور عشرة أعوام على غزو العراق، في أنه تعامل مع العالم وعالج مسألة إسقاط نظام صدام حسين بأسلوب وطابع "إنجيليكاني" يميل إلى إقناع العالم بأفكاره، وأنه ارتكب أخطاء أدت إلى اشتراك القوات البريطانية التي لم تكن معدة إعدادًا جيدًا للمشاركة في غزو العراق وسقوطها في شرك أعمال العنف، وأنه عقد العزم على دعم الرئيس جورج بوش من دون أن يفرض عليه شروطًا مسبقة لمشاركة بريطانيا في الحرب إلى جانب الولايات المتحدة.
وأكد عدد من كبار المسؤولين في إدارة بوش ولأول مرة في تصريحات أدلوا بها إلى صحيفة "صنداي تليغراف البريطانية"، أن "بلير أكد لبوش أنه سيكون مع أي غزو أميركي للعراق، وذلك قبل وقت طويل من تعهده علنًا بمشاركة بريطانيا في الحرب".
وأكد المسؤولون أن "بلير أوضح بصورة جازمة لا تتزعزع عن دعمه وتأييده للسياسة الأميركية قبل عام تقريبًا من غزو العراق، وكان ذلك أثناء زيارته للرئيس بوش في مزرعته في كراوفورد في تكساس".
ومن الواضح أن هذه التأكيدات تتناقض مع تأكيد الحكومة البريطانية آنذاك في أن بريطانيا لن تتدخل عسكريًا ضد صدام حسين، إلا بعد استنفاد السبل والوسائل كافة بما في ذلك التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل وعقوبات الأمم المتحدة.
وقد كشف النقاب عن هذه الأسرار من خلال سلسلة من المقابلات الحصرية التي أجرتها صحيفة "صنداي تلغراف البريطانية" والمقالات التي أعدتها بمناسبة الذكرى العاشرة للحرب على العراق والغارات الجوية المعروفة باسم الصدمة والرعب التي بدأت في 20 آذار/ مارس تمهيدًا للغزو البري الذي شارك فيه 45 ألف جندي بريطاني.
ويقول السفير البريطاني لدى واشنطن خلال تلك الفترة، السير كريستوفر ماير في مقال له في الصحيفة الأحد أن "أخطاء بلير في العراق، جاءت من منظور الأبيض والأسود للعالم، وهي النظرة التي كانت تفوق في طابعها الأنجليكاني الديني، النهج اليميني المسيحي الأميركاني".
وأضاف أن "دعم بلير غير المشروط للرئيس بوش قد أضر بالنفوذ البريطاني الصحي والمفيد على صناع القرار في أميركا، وذلك بعد أن أصبح بلير عضو شرف في دائرة صناع القرار الأميركي التي كانت تتكون من صقور المحافظين الجدد والعسكريين الذين كانوا يضعون أجندة أولويات المتحدة آنذاك".
ويشير السفير البريطاني أيضًا إلى "الفشل في رسم خطة دقيقة وواضحة المعالم لمرحلة ما بعد الإطاحة بنظام صدام حسين "الأمر الذي أسفر عن عشر سنوات من الفوضى والعنف والمهانة القصوى للقوات البريطانية".
فيما تطرق قائد القوات المسلحة البريطانية آنذاك الجنرال السير مايك جاكسون إلى "حالة الاضطراب والعصبية السياسية للحكومة البريطانية التي عطلت تهيئة القوات البريطانية للحرب".
وقال في مقال نشرته الصحيفة إن "حكومة بلير كانت تريد تجنب إعطاء الانطباع بأن الحرب ضد العرق أمرًا حتميًا، ونتيجة لذلك، فإن القرار الرسمي قد صدر متأخرًا إلى حد ما، مما انعكس بصورة سلبية على استعدادات القوات البريطانية وعلى نحو تعذر اجتنابه".
فيما كشف الجنرال، غراهام بينس الذي قاد خط الجبهة الأمامي في العراق، عن أن "القيود المالية قد أدت إلى قصور في تدريبات القوات البريطانية وقصور في المعدات الرئيسية". وأضاف أن "القوات البريطانية لم تكن مهيأة على المستوى الذهني والبدني لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب".
ويقول نائب مستشار الأمن القومي للرئيس بوش آنذاك، ستيفين هادلي، إن " بلير وبوش عقدا اجتماعًا خاصًا قبل عام تقريبًا من الغزو وبالتحديد في نيسان/ أبريل العام 2002 في مزرعة كراوفورد في تكساس، وأن بلير قال خلال هذا الاجتماع " إنه "سيكون معنا إذا ما تحركنا عسكريًا ضد صدام حسين". وأضاف "أنا معك في هذا الأمر حتى النهاية".
فيما قال رئيس موظفي البيت الأبيض، أندرو كارد إنه "لا يتذكر مناقشة أي شروط خلال ذلك الاجتماع"، وأكد أن "ما كان واضحًا في الاجتماع أن الجميع اتفقوا على قيم واحدة وأن المواقف بينهما كانت منسجمة".
ويقول مارك إيتينبرغ الذي كان مسؤولا في وزارة الخارجية البريطانية عن محافظة عراقية بكاملها على مدى ستة أشهر بعد الغزو، إنه "لم تكن هناك قوات مؤهلة للحفاظ على الأمن، لأن الجيش العراقي والشرطة العراقية كانا قد تم حلهما". وأضاف أن "الجهود البريطانية كانت "تفتقد على نحو خطير لإستراتيجية ملزمة تحت قيادة موحدة".
وقد جاء ما كشفت عنه الصنداي تلغراف في أعقاب سنوات من النقاش والاتهامات المضادة بشأن التعهد البريطاني للمشاركة في الغزو ومدى قانونية ذلك، وبشأن الفشل في العثور على أسلحة دمار شامل التي كانت المبرر لشن الحرب على العراق.
وهناك من يتهم بلير بأنه "مجرم حرب" بسبب الدور الذي لعبه في الصراع، والذي راح ضحيته 100 ألف من المدنيين العراقيين و179 جنديًا بريطانيًا".
وخلال الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية البريطاني الأسبق، ديفيد ميليباند، إن "انتخاب جورج دبليو بوش رئيسًا للولايات المتحدة كان "أسوأ شيء يحدث على الإطلاق لتوني بلير" بسبب التوجه الذي سلكه في قيادة العالم".
إن قرار شن الحرب على العراق في مارس 2003 ، وبعد أن غادر مفتشو الأمم المتحدة العراق ومن دون قرار جديد من الأمم المتحدة، يفوض بريطانيا والولايات المتحدة في الحرب، قد أدى إلى انقسام في الرأي في بريطانيا وأسفر عن استقالة عدد من الوزراء في الحكومة البريطانية. وفي نهاية المطاف أيد حزب المحافظين قرار الحرب، بينما عارضه حزب الديموقراطيين الأحرار.
وفي حزيران/ يونيو العام 2009 صدر قرار بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة السير جون شيلكوت الذي حقق في الظروف والملابسات كافة، واستمع إلى المئات من الشهود وفحص الآلاف من المستندات والوثائق بما فيها المراسلات المتبادلة السرية بين بلير وبوش، ولكنه لم يصدر بعد تقريره ونتائج التحقيق التي من المنتظر أن يكشف النقاب عنها بعد بضعة أشهر.
والواضح أن تأكيد المسؤولين في البيت الأبيض بأن بلير لم يضع شروطًا لمشاركة بريطانيا الولايات المتحدة في غزو العراق، يتناقض مع تأكيدات الحكومة البريطانية في هذا السياق. فقد زعم بلير أنه "دفع بالولايات المتحدة إلى وضع ثقلها من أجل الوصول إلى تسوية سلمية بين إسرائيل وفلسطين، وأنه شجع الولايات المتحدة على أن تسلك مسار الأمم المتحدة".
ويعتقد على نطاق واسع أنه وبعد هجمات القاعدة في 11من أيلول/سبتمبر على الولايات المتحدة، قرر المحافظون الجدد داخل إدارة بوش، بقيادة نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني أن النظام العراقي يشكل تهديدًا مشابهًا لتهديد القاعدة، وأنه لابد من التعامل مع هذا النظام عسكريًا.
وقد أوضح السير كريستوفر سلسلة من أخطاء القيادات البريطانية والأميركية، ولكنه كتب يقول إن "الخطأ الأكبر، كان في الجمع بين أسامة بن لادن وصدام حسين، وكأنهما من فصيل عنف واحد.
وعلى الرغم من الدعم الدبلوماسي الكبير الذي قدمه بلير لواشنطن وهو ما قدمته بقية الدول الأوروبية بتردد، لكن مخاوف بلير بشأن سياساته الداخلية، قد أعاقت التهيئة العسكرية للغزو، وذلك على الرغم من القيادات العسكرية البريطانية كانت تدرك منذ وقت طويل أن خوض الحرب كان أمرًا حتميًا.
ويقول الجنرال غراهام بينس، إن "القيود المالية قد أدت إلى قصور في تدريبات القوات البريطانية"، وأضاف أن " تدريباتنا ذات المستوى العالي التي كانت من المفترض أن تبدأ في بولندا، قد تعطلت بسبب القيود المالية"، وأوضح أنه "اصطحب ضباطه بعيدًا للقيام بتدريبات تخيلية من خلال نموذج افتراضي، ولكن لم يكن مطابقًا للأرض". وقال إنه "اكتشف وهو في شمال الكويت أن بريطانيا بعثت بنوعية غير مناسبة من الجنود".
ويقول الجنرال قائد المارينز الأميركي، جيمس كونواي، والمسؤول عن قوة قوامها 90 ألفًا كان من بينهم 25 ألف بريطاني، إنه "سأل الجنرال روبين بريمز قائد الكتيبة البريطانية الأولى المدرعة عن قدراته وإمكاناته، فقال إن لديه دبابات عظيمة، ولكنه يفتقد إلى الخدمات اللوجيتسية اللازمة لها".
وينتقد الكثير من القيادات العسكرية البريطانية والأميركية، قرار بول بريمر قائد الاحتلال الأميركي بحل الجيش العراقي وحزب البعث العراقي وتسريح المسؤولين في عهد صدام، وذلك بعد فترة قصيرة من إسقاط صدام.
وفي أعقاب ذلك، بدأت عمليات المقاومة العراقية التي أسفرت عن ضحايا يزيد عددهم عما وقع أثناء الغزو.
ويقول الجنرال جاكسون إن "قرار حل قوات الأمن العراقية وتسريح أعضاء حزب البعث، كان قرارًا غير مبرر، على نحو أصابه بالإحباط لما أسفر عنه من نتائج". كما أعرب عن "صدمته وانزعاجه من عدم العثور على أسلحة دمار شامل بعد أن بحثوا عنها في كل مكان".
فيما قال آري فليشر المتحدث باسم البيت الأبيض آنذاك إنه "لا يعتقد بأن بوش كان سيقوم بالحرب لو أنه كان على يقين بأن صدام حسين لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل".