وزير الخارجية الأميركي جون كيري يؤكد أنه لا يوجد حل عسكري للنزاع السوري
واشنطن ـ يوسف مكي
أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أنه لا يوجد حل عسكري للنزاع السوري، وأن بلاده تسعى إلى عقد مؤتمر "جنيف – 2" بأسرع ما يمكن، لإرساء تسوية سياسية بين الأطراف المتنازعة، فيما طالب رئيس الائتلاف السوري "المعارض" أحمد الجربا، بأن تسلم الولايات المتحدة "سريعًا" مقاتلي المعارضة
أسلحة تمكنها من مواجهة "ترسانة" الرئيس بشار الأسد.
وجاءت تصريحات كيري، لدى اجتماعه مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في نيويورك، الخميس، لمناقشة ثلاثة من أكثر الأزمات تعقيدًا في العالم، وهي الاضطرابات في منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا، والحرب السورية، و الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأشاد وزير الخارجية الأميركي، بتعامل الأمم المتحدة مع أزمة اللاجئين السوريين، التي أرسلت مئات الآلاف من الناس إلى الأردن ولبنان وتركيا والعراق، فيما تحدث كيري، الذي زار مخيم الزعتري في الأردن الأسبوع الماضي، عن مدى معاناة المدنيين في سورية، وقال إنه لا يوجد "حل عسكري" لهذا الصراع، الذي دخل الآن عامه الثالث، مؤكدًا التزامه المشترك مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بعقد مؤتمر للسلام بشأن سورية في جنيف.
وأفاد بان كي مون، أن الحرب السورية الدائرة منذ 28 شهرًا أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من مائة ألف شخص، وأن ملايين الناس إما نزحوا وإما صاروا لاجئين في الدول المجاورة"، مضيفًا "علينا أن نضع حدًا لهذا، يجب وقف الأعمال العسكرية والعنيفة من الطرفين"، مؤكدًا أن الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في سورية الأخضر الابرهيمي "لن يدخر جهدًا لعقد مؤتمر في أسرع ما يمكن"، وفقًا لاتفاق كيري مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وفي سياق متصل، استقبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا، في قصر الإليزيه، قبل زيارته لمقر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث أجرى مباحثات مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لدراسة سبل دعم المعارضة السورية، فيما قال مراقبون، إن الجربا حظى باستقبال برتوكولي يشابه استقبال رؤساء الدول من جانب الرئيس هولاند، الذي استقبله عند بوابة قصر الإليزيه، الأربعاء، وكذلك الحال في الوداع عند بوابة السيارة الرسمية التي أقلته، ومن ثم التصريحات المشتركة للرجلين في ساحة القصر، وينتظر أن يحظى الجربا الذي ينتمي إلى قبيلة شمر، وهي الأكبر في الجزيرة العربية والعراق وسورية، بالاستقبال نفسه حين يزور مقر الأمم المتحدة خلال اليومين المقبلين، حيث يجري مباحثات مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، كما سيلتقي أعضاء مجلس الأمن الدولي.
وطالب رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا، إثر لقائه في نيويورك وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بأن تسلم الولايات المتحدة "سريعًا" مقاتلي المعارضة أسلحة تمكنها من مواجهة "ترسانة" الرئيس بشار الأسد، فيما تقوم الولايات المتحدة في هدوء، باختبار قدرة المعارضة السورية على توزيع الحصص الغذائية والمجموعات الطبية والأموال على المناطق التي تسيطر عليها.
وقال الجربا، في بيان إثر لقائه كيري، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إن الرئيس السوري "يسعى إلى الانتصار عسكريًا من خلال ترسانة تضم الأسلحة الكيميائية والقنابل الانشطارية، وطالما أن دمشق لم توافق على حل سياسي، فنحن بحاجة إلى أن ندافع عن أنفسنا، وإن حرماننا من حقنا المشروع في الدفاع عن أنفسنا يهدد باستمرار حكومة الأسد، وآلاف الأشخاص سيقتلون، والقمع سيتواصل من دون أي أمل في أن تكون هناك نهاية له"، مؤكدًا أن "الائتلاف يعي تمامًا المخاوف الاميركية في ما يخص التطرف وإمكان الاستيلاء على المساعدة العسكرية، وأن المعارضة السورية مصممة 100% على إرساء نظام ديمقراطي منفتح على جميع السوريين، بغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي".".
ودعا رئيس الائتلاف الولايات المتحدة غلى الوفاء بوعدها بزيادة مساعدتها العسكرية إلى مقاتلي المعارضة، بعدما اتهمت حكومة الأسد باللجوء إلى السلاح الكيميائي ضد معارضيه، في حزيران / يونيو الماضي.
من جهته، وصف كيري اللقاء مع الجربا بـ"الإيجابي"، ولكن من دون أن يتطرق إلى موضوع تسليح المعارضة، وقال "إن "المعارضة السورية أكدت أن مؤتمر (جنيف-2) مهم جدًا، وقد وافقت على أن تعمل خلال الأسابيع المقبلة للتوصل إلى توافق في ما بينها، على الشروط والبنود التي تعتبرها كفيلة بإنجاح المؤتمر".
وأعرب وزير الخارجية الأميركي عن تفاؤله بإمكان انعقاد مؤتمر السلام، الذي تسعى واشنطن وموسكو جاهدتين إلى عقده، على أمل التوصل إلى حل سلمي للنزاع الدائر في سورية منذ اكثر من عامين، وقال "أنا متفائل جدًا، هناك هذا الشعور القوي بأن مؤتمر جنيف مهم، وسنسعى إلى إنجاحه".
وقال محللون، إن الولايات المتحدة تقوم في هدوء، باختبار قدرة المعارضة السورية على توزيع الحصص الغذائية والمجموعات الطبية والأموال على المناطق التي تسيطر عليها، مع استعداد واشنطن لإرسال أسلحة إلى هؤلاء المقاتلين، حيث يجتمع مسؤولون أميركيون أسبوعيًا في تركيا مع زعماء المعارضة السورية، للاتفاق على أفضل السبل لـ"إبقاء خطوط الإمداد مفتوحة إلى مقاتلي المعارضة والبلدات والمناطق التي عصفت بها الحرب".
وتحضر سهير الأتاسي، إحدى أشهر زعيمات المعارضة السورية الاجتماعات، بوصفها منسقة للمساعدات "غير الفتاكة"، التي تتضمن معدات للمقاتلين والمجالس المحلية مقارنة بالمساعدات الإنسانية للمهجرين، ويتم تسليم الإمدادات إلى ضباط في الجيش السوري الحر في أماكن سرية لا يمكن الكشف عنها لأسباب أمنية، ويأخذ المقاتلون المعونات إلى وحداتهم ويوزعون بعضها على المدارس والمستشفيات والمجالس المحلية.
وتعهدت الولايات المتحدة بـ"تقديم مساعدات غير فتاكة" بقيمة 250 مليون دولار إلى المعارضة السورية، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية التي تبلغ قيمتها 815 مليون دولار مساندة للمقاتلين الذين يحاربون القوات السورية الحكومية، وفي الآونة الأخيرة، قامت الولايات المتحدة بتوسيع مساعداتها لتتضمن معدات أكبر، مثل الشاحنات وأجهزة اللاسلكي والمولدات الكبيرة ومعدات الاتصالات المتطورة، وبعض هذه المعدات لا يهدف إلى مساعدة المقاتلين فحسب، ولكن أيضًا إلى مساندة السلطات المدنية في البلدات التي ترفض حكم الأسد.
وقال مسؤول أميركي في وزارة الخارجية، "بدأنا للتو الآن إرسال معدات كبيرة عبر الحدود إلى المجالس المحلية والبلدات في المناطق المحررة، وبالنظر إلى غياب وجود دبلوماسي أميركي على الأرض، فإن سورية تنطوي على تحد جسيم لمنسقي المعونات".
وأفاد مسؤولون أميركيون، أنهم يعتمدون على شبكة من نحو 75 شابًا سوريًا، يجمعون المعلومات في المناطق، التي يسيطر عليها المعارضون وينقلونها غلى وحدة الأتاسي، وغالبًا ما يتم التحقق من تلك المعلومات من مجموعات للأمم المتحدة.
وقد مهد الكونغرس الأميركي الطريق، في وقت سابق من هذا الشهر، لكي ترسل واشنطن إلى المعارضة بالإضافة إلى المساعدات غير الفتاكة والإنسانية أسلحة، ووافق المشرعون على تمويل محدود لعملية نقل الاسلحة، وهم يخشون أن ينتهي الأمر بالأسلحة والذخائر في أيدي جماعات إسلامية متشددة.
وقال داتش روبرزبرجر، وهو أرفع ديمقراطي في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، "إحدى القضايا الأساسية هي الحرص على ألا يصل شيئًا إلى أيدي تنظيم (القاعدة)، ولمتابعة سير المعونات "غير الفتاكة"، التي تدخل سورية يطلب المسؤلون الأميركيون من المعارضة إرسال أدلة مصورة لشحنات الإمدادات، كإثبات أن تلك السلع وصلت إلى الأيدي الصحيحة"، مضيفًا "إذا كنا نرسل كميات صغيرة من النقد إلى مجلس محلي لدفع الرواتب، فإننا نصر على التوقيعات والصور، وأحد السبل لتقليل الخطر هي أننا نحتفظ بكميات نقد صغيرة، وندفع شيئًا مثل إعانة مالية صغيرة أكثر من كونه راتبًا، ومع أنه ليس من السهل دائمًا ضمان أن تصل الإمدادات إلى الجهات المقصودة، أو ألا تجد طريقها في نهاية المطاف إلى السوق السوداء، فإن منسقي المعارضة السورية بدأوا يكتسبون ثقة المسؤولين الأميركيين، ولقد اجتازوا الاختبار حتى الآن"، فيما ترسل فرنسا أيضًا إمدادات إلى مقاتلي المعارضة، منها مظاريف تحوي نقودًا يتم تسليمها على الحدود التركية.
وكان الجربا قد حظى باستقبال رفيع من جانب القيادة السعودية حين زار الرياض، واستقبله حينها ولي العهد ووزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، الذي أكد دعم المملكة للمعارضة السورية، والأمر ذاته في القاهرة، الأحد الماضي، حيث كانت محادثاته مع وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، هي الأكثر صراحة بين القاهرة والمعارضة السورية، فقد صرح فهمي أن "بلاده مع الثورة السورية وتدعم الشعب السوري في تطلعاته إلى أن نجد دولة سورية ديمقراطية تلبي أماني شعوبها".
وعن وجود سوريين منخرطين في أعمال وأحداث مع "الإخوان المسلمين" في مصر، قال وزير الخارجية، إنه تحدث مع أحمد الجربا ورحب به بعد انتخابه، وأن المباحثات تناولت الأوضاع في سورية، وكذلك في مصر، وأن أي أحداث من جانب طرف أو آخر لا تمثل الشعب السوري بأكمله أو حتى الائتلاف، مضيفًا "إننا في مصر نترك الأمر الآن للتفكير العميق في الشأن السوري، وسنضيف ما يخدم الشعب السوري في المضمون وبشكل ملائم، تحقيقًا للحل السياسي لأزمة حقيقية للأخوة في سورية، ولابد من معالجتها، فلا يمكن مطلقًا قبول سفك الدماء الذي نشهده الآن، وأن مصر لا تزال تؤيد الحل السياسي، وتأمل بأن يتحقق ذلك من خلال اجتماع (جنيف ٢)، أو أي وسيلة سياسية أخرى، ولكن هذا هو المتاح حاليًا".
ومن جانبه، أوضح الجربا عقب المباحثات، "إننا في بلدنا الثاني مصر، أرض الكنانة حاضنة السوريين، ونعتبر الإجراء الذي حدث بالنسبة لموضوع التأشيرات على السوريين هو إجراء موقت كما فهمت، وأعتقد أن وزير الخارجية المصري يؤكد هذا، وأن هذا الموضوع سينتهي قريبًا، وأن هذا الأمر حدث بالنسبة للسوريين ولدول عدة أخرى، وأن السوريين ليسوا مستهدفين من هذا الاجراء".
وأضاف رئيس الائتلاف، "لكنّ السوريين في أزمة، ولسنا كغيرنا من الدول، فدول أخرى ليست عندها مشكلة إذا حصل مواطنوها على تأشيرة في مصر، فمصر حاضنة للسوريين وهناك عشرات الآلاف من السوريين في مصر يعيشون في أمان، ونعتبر أنفسنا بين أهلنا".