فيروس كورونا

ارتفع عدد الإصابات بفيروس "كورونا المستجد" في لبنان إلى 93 حالة مثبتة مخبريًا، وسط شلل في البلاد طال المؤسسات الرسمية والقطاعات الإنتاجية والسياحية، فيما تضاعف الهلع الذي ظهر في الإقبال الكثيف على المواد الغذائية لزوم إجراءات الحجر الطوعي التي اتخذها الناس

وقالت وزارة الصحة في التقرير اليومي عن فيروس "كورونا المستجد" في لبنان، إن مجموع الحالات المثبتة مخبريا بلغ 93 حالة بما فيها الحالات التي تم تشخيصها في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي وتلك المبلَّغ بها من المستشفيات الجامعية الأخرى.

وقالت الوزارة إنها تتابع أخذ العينات من جميع المشتبه بإصابتهم وتراقب جميع المخالطين والقادمين من البلدان التي تشهد انتشارًا محليًا للفيروس. وباستثناء بعض الحالات القليلة التي شُخّصت أخيرًا، والتي هي قيد التقصي الوبائي، أكدت الوزارة أن جميع الحالات الباقية مرتبطة بعدوى من خارج لبنان. وناشدت جميع المواطنين التقيد بالتدابير الصارمة الصادرة عن المراجع الرسمية والتزام المنزل إلا عند الضرورة القصوى.

ومساءً، أصدر وزير الصحة العامة حمد حسن قرارًا يتعلق بتفعيل دور المستشفيات الخاصة في خطة مكافحة وباء "كورونا"؛ وطلب حسن من هذه المستشفيات استقبال كل الحالات التي تزورها كالمعتاد وفحصها وفق الأصول المهنية لتشخيصها، على أن يحال على مستشفى الحريري الجامعي (وفي مرحلة لاحقة على المستشفيات الحكومية التي يجري تجهيزها لذلك) مَن يُشتبه بإصابتهم بـ"كورونا"، وفق التعريف المعتمد. وشدد القرار على ضرورة تطبيق كل المستشفيات الخاصة التعميم المتعلق بتفعيل خطة الطوارئ واتخاذ جميع الإجراءات لاستكمال الجهوزية اللازمة لاستقبال الحالات وإبلاغ وزارة الصحة خلال فترة أسبوع بالخطة المعتمدة والتدابير التي اتخذتها. وجاء في القرار أنه عندما تتخطى أعداد الحالات المصابة قدرات المستشفيات الحكومية، فستعتمد المستشفيات الخاصة المصنفة "T1" لاستقبال ومعالجة الإصابات بمرض "كورونا".

 

وفي مواجهة حالة الهلع المتنامية، اجتمع وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة، مع الموردين وأصحاب السوبرماركت ومحال بيع المواد الغذائية والاستهلاكية، وطلب منهم زيادة ساعات العمل موقتًا، مع أخذ الحيطة والحذر، لتمكين المواطنين من شراء حاجاتهم والتخفيف من التجمعات الحاشدة للحد من انتشار فيروس "كورونا".

 

واطمأن نعمة من المجتمعين على أن المواد الغذائية والاستهلاكية موجودة بوفرة ولن تنقطع من السوق، ولا داعي للتهافت على شراء البضائع أكثر من الحاجة. كما شدّد على المجتمعين ضرورة التحلّي بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية، وعدم استغلال الظروف الاستثنائية لرفع الأسعار بشكل غير مبرر.

 

ويضاعف انتشار الفيروس الخناق على المؤسسات العامة وقطاعات الإنتاج الخاصة، فقد أعلنت وزارة المهجّرين في بيان، أنها وبسبب الأوضاع الراهنة التي تَحول دون قدرتها وقدرة الصندوق المركزي للمهجرين على متابعة أعمال الكشف واستقبال مراجعات المواطنين، ستعلق متابعة تنفيذ برنامج الدفع الذي كانت قد أعلنت عنه، لحين عودة العمل المؤسساتي إلى وضعه الطبيعي.

كذلك، تضاعفت الإجراءات في البلديات لمنع التجمعات في المقاهي والمطاعم، للحد من انتشاء الفيروس. وفيما أعلنت السفارة الأميركية في لبنان وقف جميع طلبات التأشيرة (الفيزا) واستقبال المواطنين في مبنى السفارة في عوكر حتى إشعار آخر، أعلنت الإمارات وقفًا مؤقتًا لإصدار كل التأشيرات ابتداءً من الثلاثاء المقبل، باستثناء حَمَلَة الجوازات الدبلوماسية.

وأوضحت "الهيئة الاتادية للهوية والجنسية" في الإمارات في بيان، أن ذلك يأتي "في إطار الإجراءات الوقائية والاحترازية التي تتخذها الدولة تجاوبًا مع رفع مستوى فيروس (كورونا المستجد) من منظمة الصحة العالمية واعتباره وباءً، ما يجعل من السفر في هذه المرحلة على درجة عالية من الخطورة".

لم أكن أتوقع وأنا أقرأ في مراهقتي روايتي غابريل غارسيا ماركيز عن العزلة التي بلغت "مائة عام من العزلة"، أو عن "الحب في زمن الكوليرا"، وهو يتحدث عن قرى نائية، وعن جنرالات متقاعدين، وعن عمال تلغراف يعشقون صبايا جميلات وثريات، لم أكن أتوقع أنْ يُعاد إنتاج هذه العزلة يومًا ما، في بغداد.

 

بغداد تلك المدينة الجارحة الحانية في الوقت نفسه، تلك التي تشعرك بالألفة والغربة معًا، سارقة كحل الصبايا وقلوب الشباب، بغداد تلك التي من تحت جسرها تخفق القلوب وتتغنَّى الأرواح:

بغداد عاصمة العباسيين، وقطعة الحلوى التي تُغري بتذوقها كلَّ الألسن، وبغداد ذلك الكتاب الذي "لا وغد في التاريخ إلا تصفحه"، كما يقول أجود مجبل، ها هي الآن نتصفح شوارعها الفارغة إلا من سيارات إسعافها البطيئة، ومقاهيها المكتظة بالمجانين تُغلق أبوابها بوجه الشعراء والعشاق والصعاليك، فأي طعمٍ لهذه المدينة الخالية من جدل المثقفين، وتصورهم الأبدي أنَّ العالم بيدهم، وأنَّ مقالاتهم تغيِّر وجه العالم.

أسير في شوارع الكرادة، وهي مكاني الأثير، وقلب بغداد الحاضن للجميع، فلا أرى أحدًا من أصدقائي، ها هم أصدقائي للمرة الأولى يعشقون بيوتهم، وسمعت أنَّ زوجاتهم يشكرن فيروس "كورونا" لأنهن يحظين الآن بأطول فترة ممكنة من جلوس أزواجهن في البيوت، أو بالحبس كما يحب بعض الأصدقاء تسمية فترة إقامته الإجبارية في بيته. ها هم ينسلَّون من شوارع بغداد، تلك التي لم تُدر وجهها يومًا بوجه أحد، حتى لو كان غازيًا. فالحروب، والميليشيات، والتفجيرات الإرهابية، والمظاهرات، والاعتصامات، والمفخخات، والخطف والقتل، والدبابات الأميركية، وحظر التجوال، كل ذلك لم يستطع أنْ يمنع عاشقًا من موعد مع حبيبته، أو يمنع شاعرًا من الصعلكة بين شارع المتنبي، ومقهى الشابندر، و"كهوة وكتاب"، ورضا علوان، أو مقهى أبو زهراء الشعبي.

 

كل تلك الحياة الصعبة التي أُغلق فيها عددٌ كبيرٌ من الشوارع لم تستطع أنْ تقيّد أقدام عشَّاق بغداد من السير في أزقتها، والتنقل في مطاعمها الشعبية، إلَّا هذه اللحظات، حيث يحلُّ "فيروس كورونا" ضيفًا ثقيلًا على بغداد، بغداد التي فتحت كل شوارعها، حتى المنطقة الخضراء، ولكن ما الفائدة؟ الشوارع مفتوحة، إلا أن الأقدام مغلقة، والمقاهي مطفأة، والمطاعم نائمة، وعشاق السهر ذابلين يترقبون ضيفهم الثقيل متى يرحل عنهم.

 

إذن، كلُّ الحروب لم تستطع أنْ تكبّل بغداد، لكن فيروس "كورونا" الذي لم تره العين بعد، ها هم جنوده غير المرئيين يُغلقون قلب المدينة، حيث يقفون بين شرايينها، وجسورها، وحدائقها، وزورائها. للأسف، بغداد التي لم تُعلَّقْ نشاطاتها الثقافية يومًا ما، رغم كل فيروسات التطرف التي هيمنت عليها، لكنها بقيت فاعلة ونشطة، وفي كل يومٍ يكاد يكون هناك نشاطٌ، بين جلسة شعرية ومعرض تشكيلي، وأمسية موسيقية، أو ندوة فكرية، متنوعة بين الاتحادات، والمنظمات الأهلية، والمؤسسات الحكومية، إلا أن "كورونا" وحده من أوقف هذه النشاطات، فالجامعات مغلقة أبوابها، واتحاد الأدباء ونقابة الفنانين علَّقا نشاطاتهما في بغداد، وفي كل المحافظات، والنشاطات التي كنَّا ننتظرها في هذا الشهر كلها أُلغيت، خصوصًا أنَّ شهر مارس (آذار) نعدُّه موسم حج الشعراء والمثقفين، حيث يخضرُّ الجو، وتخضرُّ البساتين، وتخضرُّ الأرواح، ففيه "يوم الشعر العالمي" الذي يرافق يوم ولادة نزار قباني، وفيه يوم ولادة محمود درويش الذي مر سريعًا علينا، واحتفلنا به في مواقع التواصل الاجتماعي فقط. وأيام شهر مارس (آذار) هي الأقرب للروح، حيث تتخفف الروح من تعبها الشتوي، كما نتخفف من ملابسنا الثقيلة. ولكن "كورونا" بالمرصاد لكل هذه الحركة التي توقفت تمامًا، وحتى تلك المظاهرات العظيمة التي أدمن الشباب الحضور فيها يوميًا، ولم تمنعهم كل أسباب القوة والبطش والدخانيات من الوجود كل يوم في ساحات التظاهر، ولم تمنعهم كلُّ توسلات الساسة، أو جرَّات الأذن التي حاول بعض القيادات العراقية ممارستها عليهم. لكن "كورونا" وكأنَّها عميلٌ لدى الطبقة السياسية يغزو تلك الساحات مهددًا أرواح الشباب، فتذبل تلك الصيحات، وتقلُّ خيم المعتصمين، وتتصاعد صيحات الناشطين بالانسحاب من الساحات، حفاظًا على أرواح من تبقى من الشباب، فأي فيروس هذا الذي كسر عزيمة الواثبين والصامدين، وكأنَّه جندي من جنود الفساد لا يرى ولا يناقش ولا يسمع أحدًا.

كلنا عشاق بغداد نشبه "فلورينتينو" الشاب الذي كان يعمل في التلغراف، والذي عشق فتاة ثرية تدعى "فيرمينا"، كانت ثرية جميلة في الوقت نفسه، ولكنها تركته وتزوجت طبيبًا ثريًا، غير أنه أصرَّ على أنْ يكون لها في يوم من الأيام، فانتظرها خمسين عامًا، لتكون له فيما بعد، تلك كانت من أيام "الحب في زمن الكوليرا"، وها نحن ننتظر بغداد أنْ تتعافى كاملة، من فيروساتها الأشد فتكًا بكل شيء، من الفساد إلى العمالة، إلى المؤامرات، إلى التطرف، إلى الإرهاب، وحتى لحظة تعافيها، فإننا بانتظارها دائمًا، وسنبحر معها حتى لو بعد خمسين عاما لأنَّها تستحق الانتظار.

قد يهمك ايضا :

"الصحة العالمية" تعلن حالة الطوارئ بعد تفشي الإيبولا بالكونغو الديمقراطية

الصين تبني مستشفى في 10 أيام لمواجهة فيروس "كورونا" الغامض