القدس - الجزائر اليوم
خلفت مواجهات بالرصاص بين عائلتين في مخيم بلاطة في نابلس شمال الضفة الغربية قتيلاً وعدداً من الجرحى، لكنها وجهت ضربة كذلك لجهود السلطة الفلسطينية في ضبط «الحالة الأمنية» في الضفة ومحاربة «فوضى السلاح».
وأعلن مسؤولون في محافظة نابلس، أمس، وفاة حاتم أبو رزق من مخيم بلاطة متأثراً بإصابته في الاشتباكات التي جرت في المخيم، وذلك نتيجة إصابة ذاتية أثناء محاولة أبو رزق إلقاء عبوة متفجرة أثناء الشجار.
وإلقاء قنابل يدوية كان جزءاً من «الحرب المصغرة» التي استخدمت فيها الأسلحة الأوتوماتيكية بين عائلتين يحلو لمجموعات تنظيمية على «واتساب» تسمية إحداها بـ«الشرعية» والثانية بـ«المتجنحة»، في إشارة إلى أن عائلة تتبع حركة «فتح»، والأخرى تتبع تياراً معارضاً مفصولاً من الحركة، وهي مزاعم لم تؤكدها الجهات الرسمية.
لكن المؤكد أن شجاراً قديماً في مخيم بلاطة تطوّر مرة أخرى يوم الجمعة، وتحول إلى حرب داخلية، وخلّف قتيلاً وقرابة خمسة جرحى، في وقت وجدت فيه السلطة صعوبة كبيرة في ضبط الشجار الذي استمر حتى أمس.
ووقع الشجار بين مجموعتين من المسلحين داخل المخيم الذي تحول منذ الانتفاضة الثانية مثل مخيمات أخرى ومدن إلى مراكز لنشاط المسلحين الذين عادة يتبعون فصائل فلسطينية.
وجاءت الاشتباكات في وقت يشن فيه رجال أمن من أجهزة فلسطينية مختلفة (شرطة وأمن وطني وأمن وقائي ومخابرات واستخبارات) غارات على تجّار أسلحة ومخدرات في الضفة الغربية. ويتهم مسؤولون فلسطينيون أطرافاً خارجية وداخلية بمحاولة نشر الفوضى، لأهداف سياسية.
بدأت السلطة هذه الحملة بداية الشهر الماضي بعد مراسيم من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عدّل بموجبها قانون الأسلحة النارية والذخائر رقم 2 لعام 1998، حيث غلّظ العقوبات السالبة للحرية والغرامات المالية المفروضة على الجرائم المتعلقة بحيازة واستعمال الأسلحة النارية والاتجار بها، وتصنيعها، وتهريبها بصورة مخالفة للقانون.
وحملت هذه القرارات أهمية استثنائية، لأنها جاءت في وقت يبدو فيه رسم سيناريو للمرحلة المقبلة في الأراضي الفلسطينية مسألة معقدة إلى حد كبير، في ظل غياب أفق سياسي في المدى المنظور، ومشكلات أمنية واقتصادية ومالية متفاقمة، وتغييرات إقليمية كبيرة، قد تقود إلى تدهور أمني محتمل.
وتسعى السلطة إلى فرض هيبتها بعدما اهتزت صورتها بسبب تسجيل مزيد من أحداث إطلاق نار في مدن الضفة الغربية، على صيغة استعراض قوى أو احتفالات في الأعراس والمناسبات وفي بعض الجنازات، أو بسبب خلافات شخصية أو مع السلطة الفلسطينية نفسها.وهذه الفوضى تترافق مع تخوفات واتهامات لجهات خارجية وداخلية بمحاولة نشر الفوضى لإضعاف السلطة واستبدال القيادة الفلسطينية.
ولا يخفي المسؤولون الفلسطينيون تخوفهم من وجود «خطة أميركية - إسرائيلية» تساندها جهات فلسطينية لاستبدال القيادة الحالية عبر نشر الفوضى أولاً. وتقول السلطة إن السلاح المنفلت في الضفة يشكل الأداة الأساسية لمثل هذه الخطط، إضافة إلى نشر الإشاعات والتقارير المضللة.
ويوجد في السوق الفلسطينية سلاح السلطة نفسه وكذلك سلاح التنظيمات والعائلات والمعارضة أيضاً. والاشتباكات في بلاطة كانت جزءاً من سلسلة مواجهات حدثت في مخيم الأمعري واشتباكات أخرى في مدينة الخليل، كبرى مدن الضفة، وفي رام الله، حيث قتل أحد ناشطي حركة «فتح»، وفي بيت لحم ومناطق أخرى، إذ سجل ارتفاع ملحوظ في حوادث إطلاق النار والقتل في غضون فترة قصيرة.
لكن على الرغم من ذلك لا تنوي السلطة التسليم بالفوضى هذه. وأكد محافظ نابلس إبراهيم رمضان، أمس، أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية انتشرت في المخيم وطوقته لمنع تفاقم الاشتباكات.
وجاء في بيان صادر عن المحافظة: «تقوم الأجهزة الأمنية في هذه الأثناء بتطويق المخيم ومحيط المستشفى لمنع تفاقم الأحداث، أو تسجيل مزيد من الإصابات إثر حالة الاحتقان والاشتباك الأخيرة، كما تشيد محافظة نابلس بالجهود التي تبذلها فصائل العمل الوطني ولجنة الخدمات داخل المخيم لمساندة الأمن، ومن أجل بذل ما يلزم لاحتواء الأحداث المقلقة، التي أسفرت عن بث مشاعر الخوف والرعب في صفوف المواطنين، خصوصاً الأطفال والنساء والشيوخ».
وتعهدت المحافظة بـ«تكثيف العمل من أجل التحقيق في ملابسات هذه الأحداث بهدف ملاحقة مطلقي النار ومستخدمي السلاح غير الشرعي في ترهيب المواطنين، ومن ثم تقديمهم للقضاء بما يتماشى مع القانون وقرارات فخامة الرئيس (عباس) المشددة والقاضية بملاحقة هذا السلاح، وتغليظ العقوبات المفروضة على الجرائم المتعلقة بحيازة واستعمال الأسلحة النارية والاتجار بها، وتصنيعها، وتهريبها بصورة مخالفة للقانون».
ومثل هذا الوضع لا يثير قلق الفلسطينيين وحسب، بل أيضاً قلق الإسرائيليين من «ثمن أكبر» يترتب على أي انهيار أمني للأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وعبّرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مراراً عن قلقها بشأن انهيار مرتقب للسلطة الفلسطينية في ظل أن الوضع الداخلي حالياً هو الأسوأ، حيث تواجه السلطة صعوبة في فرض النظام والقانون، كما أن هناك ارتفاعاً كبيراً في حجم بيع صفقات المخدرات والسلاح، بالإضافة إلى وضع اقتصادي متدهور، وانتشار واسع لفيروس «كورونا»، ما يجعل الصورة أكثر تعقيداً وإحباطاً.
وبذلت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مجهوداً لاستئناف التنسيق الأمني بين الجانبين، والتقى مسؤولون إسرائيليون بمسؤولين فلسطينيين، بعضهم مقرب من الرئيس محمود عباس، في محاولة لاستئناف العلاقات - أو على الأقل التنسيق الأمني. لكن ذلك لم ينجح حتى الآن.
وتخشى إسرائيل من أن ضعف السلطة سيعني فوضى في المنطقة ستؤذيها بشكل أو بآخر، وهو هاجس إقليمي في كل الأحوال.
قد يهمك ايضا:
الحكومة الإسرائيلية تؤكّد أنّ دول عربية جديدة ستنضم لمسيرة السلام قريبًا