الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت
الخرطوم - عبد القيوم عاشميق
اختتم رئيسا السودان عمر البشير، ودولة الجنوب سلفاكير ميارديت، قمتهما الخامسة، الجمعة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، من دون الوصول إلى نتائج، وكشفت مصادر مقربة من القمة لـ"العرب اليوم" أن كلا الرئيسين سيجتمع مع وفد بلاده ثم يستأنفا لقاء القمة بينهما مرة أخرى، فيما اتهم البشير، دولة الجنوب
بـ"التنصل من تنفيذ بنود الاتفاق الذي وقعته الدولتان أخيرًا"، إضافة إلى ترسيم الحدود وبقية بنود الملف الأمني".
وشدد الرئيس السوداني في كلمته أمام قمة مجلس السلم والأمن الأفريقي، مساء الجمعة، على "ضرورة تنفيذ الاتفاق حزمة واحدة وبطريقة منسقة وباشتراك الطرفين، وأن بلاده متمسكة بمانص عليه اتفاق كانون الثاني/يناير الماضي مع رئيس جنوب السودان، وأن جوبا وضعت شرطًا يتمثل في سحب قضية التحكيم التي رفعتها شركة سودابت (شركة نفط سودانية صادرت ممتلكاتها حكومة الجنوب بقرار رئاسي) مقابل اشتراكها في الجهود للاتفاق مع المجتمع الدولي للحصول على المساعدات وإعفاء الديون"، مشيرًا إلى أنه "على الرغم من أن القضية سيتم الستماع إليها في محكمة البنك الدولي، لكن بلاده مستعدة لمواصلة المناقشات مع دولة الجنوب للتوصل إلى حل ودي للمسألة"، مشيدًا بـ "جهود فريق الوساطة الأفريقية برئاسة ثابو امبيكي والتي سهلت بدعم من رئيس (الإيقاد) رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام دياسالين، عقد قمة مع سلفاكير في الرابع والخامس من كانون الثاني/ يناير الجاري والتي خرجت بقرارات تضمنت الاتفاق على المسائل الحدودية وشكلت بحسب الرئيس السوداني، خارطة طريق واضحة المعالم لتنفيذ الاتفاقات الموقعة وحل ما تبقي من قضايا".
وقال البشير إن "الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن عضوية المجلس التشريعي لأبيي، لأن جنوب السودان متمسك بأن تكون له الغالبية في عضوية المجلس، إضافة إلى فشل الطرفين في تشكيل شرطة أبيي المشتركة، لأن جنوب السودان فشل في إحضار ممثليه للاجتماعات الخاصة بالاتفاق على تكوين الشرطة"، مشيرًا إلى أن "الوفد المفاوض باسم دولة الجنوب، ظل يدخل جولات التفاوض الخاصة بتنفيذ الاتفاق بمواقف وحجج تعرقل التنفيذ"، مؤكدًا أن بلاده حريصة على السلام مع الجنوب وملتزمة في الوقت ذاته بتنفيذ اتفاقاتها معه.
وعلى الصعيد نفسه، نقلت الإذاعة السودانية الرسمية عن وزير الخارجية السوداني علي كرتي، قوله إن "بلاده متمسكة بمواقفها ومطلوبات تنفيذ اتفاقاتها مع جنوب السودان، وأن ادعاء الجنوب في أحقيته في مناطق سودانية لم تكن محل خلاف في السابق، أمر مرفوض بالنسبة لبلاده، ولامجال للحوار أو الأخذ والرد بشأنه مع الجنوب"، مؤكدًا "ضرورة إبقاء ملف ابيي داخل البيت الأفريقي"، متهمًا "بعض الأطراف في جنوب السودان بالسعي إلى تدويل ملف ابيي، وبناء مجد سياسي فيه"، فيما أعلن كبير مفاوضي حكومة جنوب السودان باقان أموم، في وقت متأخر من مساء الجمعة في أديس أبابا، أن "قمة البشير وسلفاكير ميارديت فشلت في التوصل إلى أي حلول بسبب مواقف الجانب السوداني الذي تراجع عن اتفاقاته السابقة"، وهو اتهام تردده أيضًا الخرطوم.
وكشفت مصادر في أديس أبابا عن "محاولات مكثفة لإنقاذ الموقف وإقناع الأطراف بالتحلي بالمرونة"، في موازاة ذلك تجري مفاوضات بين الطرفين تبحث ملفات القضايا العالقة، حيث نقل عن رئيس مفوضية السلم رمضان العمامرة، قوله إن "لقاءات البشير وسلفاكير بالتوصل إلى حلول سلمية للقضايا العالقة بين الدولتين"، مشددًا على "ضرورة تأسيس علاقات تكامل وحسن جوار تصب في مصلحة شعبي البلدين".
وأكد مصدر في جوبا لـ"العرب اليوم"، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن "توافر الثقة كفيل بإبعاد حالة الشك التي تسيطر على مواقف كل طرف حاليًا، وأن المواقف من القضايا المصيرية بالنسبة لهما متباعدة"، مشيرًا إلى أن "الأزمة إذا استمرت على حالها، فإن الكرة قد تتحول من الملعب الأفريقي إلى الدولي، وعلى الرغم من تعهد الأفارقة بتقديم الدعم للسودان والجنوب لتجاوز خلافتها الحالية، لكن اتفاقًا حاسمًا لايبدو حاليًا في الأفق"، فيما تحفظ نقيب الصحافيين السودانيين الدكتور محي الدين تيتاوي على وصف القمة بـ "الفاشلة"، مضيفا في تصريح مقتضب لـ"العرب اليوم" من أديس أبابا أن "لقاء آخر سيجمع البشير وسلفاكير بعد مشاورات مع أعضاء وفديهما في المفاوضات".
فيما قالت رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي دلاميني زوما، في الجلسة الافتتاحية لمجلس السلم والأمن الأفريقي على مستوى الرؤساء في أديس أبابا، والذي خصص للوضع بين السودان ودولة الجنوب، أن "الوضع بين دولتي السودان وجنوب السودان يمثل تحديًا كبيرًا للقارة لتحقيق فض النزاعات الأفريقية في إطار البيت الأفريقي، وأن الوضع لايزال معقدًا بسبب النزاعات في جنوب كردفان والنيل الأزرق"، مشيرة إلى أن "الوساطة الأفريقية تسعى الآن إلى تطبيق خارطة الطريقة التي اعتمدها مجلس السلم والأمن الأفريقي في نيسان/أبريل الماضي، والتي تقوم على الحوار حول القضايا العالقة".
من جانبه، أكد الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي لجنوب السودان العقيد فيليب أقوير، في تصريحات سابقة لـ"العرب اليوم"، أن "الجيش الشعبي ملتزم بتنفيذ كل الاتفاقات التي توقع بين البلدين"، فيما علّق الباحث في مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية اللواء يونس محمود بالقول، إن "القمة التي اختتمت بين البشير وسلفاكير هي الخامسة بينهما، وهذا يعني أن الخلاف بين بلديهما شائك ومعقد، حيث لم يتم التوصل إلى نتائج ملموسة على الأرض حتى الآن، كما لازم الفشل تطبيق نتائج ما تم الاتفاق عليه بينهما سابقًا".
وأضاف يونس محمود لـ"العرب اليوم"، أن "رئيس دولة جنوب السودان لا يستطيع أن يفرض إرادة سياسية لمكونات الحل مع السودان، لأن الدولة الوليدة تعيش صراع الفئات بين جنرالات الجيش الشعبي والأمن والاستخبارات والقطاعات السياسية، وهذه التيارات متنافرة وغير متضامنة لتنفيذ إرادة دولة الجنوب في تنفيذ اتفاقها مع السودان"، مستدلاً بأن "القمة الأخيرة اتفقت على تسوية نزاع البلدين الحدودي، لكن حاكم ولاية شمال بحر الغزال الجنوبية، أعلن رفضه لمبدأ التسوية بعد ساعات من إعلان الاتفاق، مضيفًا أن "قمة أديس أبابا لن تحدث جديدًا رغم جهود الوسطاء"، مختتمًا حديثه بالإشارة إلى أن "القضية المحورية هي تسوية النزاع الحدودي، فإذا تم الفراغ من هذا الملف، فإن بقية الملفات يمكن إنجازها".