القاهرة ـ أكرم علي أطاح الجيش المصري، الأربعاء، بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب، وأمر بتعليق الدستور، وتسليم السلطة لحكومة مؤقتة، وأصر على أنه استجاب للملايين من المصريين الذين عارضوا الأجندة الإسلامية لمرسي وحلفائه في جماعة "الإخوان المسلمين". ويمثل التدخل العسكري، الذي رفضه مرسي ووصفه بأنه "انقلاب عسكري كامل"، مرحلة جديدة صاخبة في سياسة مصر الحديثة، حيث أطيح بالرئيس الاستبدادي السابق، حسني مبارك، في ثورة 2011.
وأثار هذا التدخل تساؤلات بشأن ما إذا كانت تلك الثورة سوف تفي بوعدها لبناء ديمقراطية جديدة في قلب العالم العربي.
واستدعى تحدي مرسي وحلفائه من الإخوان شبح السنوات الدموية للتسعينات عندما استخدمت الجماعات الإسلامية المتطرفة العنف في محاولة للإطاحة بالحكومة العسكرية.
وقال وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي، في إعلان بثه التلفزيون الرسمي: إن الجيش اتخذ خطوات استثنائية لا للاستيلاء على السلطة لنفسه، ولكن لضمان أن يتم تأمين "الثقة والاستقرار للشعب".
وتمركز المحتجون المناهضون لمرسي في ميدان التحرير في القاهرة، رمز ثورات الربيع العربي، واحتشدوا في الأيام الأخيرة للدعوة إلى استقالته، واستقبل المتظاهرون إعلان الجيش بالتهليل، والألعاب النارية والأبواق".
وفي مكان أخر، تجمع أنصار مرسي، وكان هناك غضب. ذكرت وكالات الأنباء أنه في مدينة الإسكندرية اشتبك خصوم وأنصار مرسي بالحجارة والطوب، وتم سماع إطلاق نار.
وأعلنت الولايات المتحدة عن شعورها بالقلق المتزايد إزاء عدم الاستقرار في مصر، وأغلقت السفارة الأميركية في القاهرة أبوابها لليوم الثالث على التوالي، ورفعت مستوى تحذيراتها لرعاياها بشكل كبير من مستوى التحذير من السفر إلى مطالبة المواطنين الذين يعيشون في مصر بالرحيل في هذا الوقت، بسبب الاضطرابات السياسية والاجتماعية المستمرة".
وقال الفريق السيسي بموجب خطة "خارطة الطريق" لحكومة ما بعد مرسي التي وضعتها اجتماعات الزعماء السياسيين والدينيين والمدنيين "إنه سيتم تعليق الدستور، وسيصبح رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا بالوكالة، وسيتم إجراء انتخابات جديدة خلال عمل الحكومة المؤقتة".
وقال الفريق السيسي، الذي كان قد أصدر إنذارًا مدته 48 ساعة لمرسي، الإثنين، للرد على ما أسماه الغضب الشائع بسبب الآثار المضطربة لإدارة البلاد لمدة سنة واحدة، وكان رد الرئيس متحديًا في كلمة بثها التلفزيون، الثلاثاء، قد فشل في "تلبية مطالب جماهير الشعب".
وجاء إعلان السيسي بعدما نشرت القوات المسلحة الدبابات والقوات في القاهرة وغيرها من المدن، حيث تتواجد الحشود المؤيدة لمرسي، وعقد اجتماع طارئ لكبار القادة المدنيين والدينيين لوضع التفاصيل لكيفية إدارة الفترة الانتقالية من قبل الحكومة، وإجراء انتخابات جديدة، والمضي قدمًا في مرحلة جديدة.
وقال الفريق أول عبد الفتاح السيسي في إعلانه "لقد وافقت القوى الوطنية في الاجتماع على خارطة الطريق التي تتضمن الخطوات الأولية لبناء مجتمع مصري قوي ومتماسك، لا يستثني أيًا من أبنائه أو التيارات الأخرى، وإنهاء حالة الصراع والانقسام".
وقال موقع "الأهرام أون لاين"، الموقع الإلكتروني الرسمي للحكومة باللغة الإنكليزية "إن الجيش أبلغ مرسي أنه لم يعد رئيس الدولة. ولم ترد أنباء عن مكان مرسي".
ولكن في بيان أُرسل بالبريد الإلكتروني عن مكتبه، رفض مرسي تدخل الجيش.
وقال الموقع "يؤكد رئيس جمهورية مصر العربية، د. محمد مرسي، أن التدابير التي اتخذتها القيادة العامة للقوات المسلحة تمثل انقلابًا عسكريًا كامل الأركان، وهو الأمر الذي يرفضه كل إنسان حر في البلد الذي ناضل حتى تتحول مصر إلى المسار الديمقراطي المدني".
وأضاف "رئيس جمهورية مصر العربية والقائد الأعلى للقوات المسلحة يؤكد أن جميع المواطنين والمدنيين والعسكريين والقادة والجنود يجب أن يلتزموا بالدستور والقانون، وعدم الاستجابة للانقلاب الذي يعيد مصر مرة أخرى إلى أوقات الاضطرابات، وتجنب التورط في سفك دماء أبناء الوطن".
وأردف "الجميع يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم أمام الله ثم أمام الشعب والتاريخ".
وأشار الجيش، في وقت مبكر من الأربعاء، أنه يعتزم عزل مرسي. في حوالي الساعة 6:30 م، بدأت القوات العسكرية تتحرك في جميع أنحاء القاهرة. توجهت الدبابات والقوات إلى القصر الرئاسي - على الرغم من أنه لم يتضح ما إذا كان مرسي داخله أم لا - في حين قام الجنود الآخرون بتطويق الساحة القريبة، حيث يحتشد عشرات الآلاف من أنصار الرئيس.
وكان العديد من الإسلاميين مسلحين بالدروع المصنوعة من المعدن والخوذات البلاستيكية، وكانت هناك مشاجرات صغيرة مع الجنود المسلحة بشكل أفضل. أطلق بعض الجنود أسلحتهم في الهواء، إلا أن القوات العسكرية تداركت الوضع.
وأصدر كبير مستشاري السياسة الخارجية لمرسي، عصام الحداد، رسالة مفتوحة على صفحته الخاصة على الإنترنت للبكاء على ما أسماه "انقلابًا عسكريًا".
وقال مسؤولون أمنيون: إن المخابرات العسكرية منعت سفر مرسي وكبار مساعديه من الإسلاميين، بما في ذلك المرشد الأعلى للإخوان المسلمين، محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر.
وتعهد جهاد الحداد، المتحدث باسم جماعة الإخوان، أن الجماعة لن تنحني في تحديها للجيش، "الخطة الوحيدة"، وقال في بيان نشر على الإنترنت، "هو الوقوف أمام الدبابات."
وكررت إدارة أوباما، التي كانت تراقب الأزمة بقلق متزايد أنها لم تقف مع أي الجانبين، وأعربت عن أملها في التوصل إلى نتيجة سلمية. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، جنيفر بساكي للصحافيين الأربعاء: "إننا، بطبيعة الحال، لا نزال نشعر بقلق بالغ إزاء ما نراه على أرض الواقع، ونحن ندرك، بطبيعة الحال، أنه وضع متوتر للغاية وسريع الحركة في مصر".
واستمر تصاعد التوتر بين أنصار مرسي من الإسلاميين وخصومهم لتحفيز العنف في الشوارع طوال ليل الخميس.
وقال مسؤولون مصريون إن 18 شخصًا على الأقل لقوا حتفهم وأصيب أكثر من 300 في القتال قرب تجمع إسلامي لدعم مرسي بالقرب من جامعة القاهرة.
وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن بين القتلى ضحايا من كلا الجانبين، وأن معظمهم لقوا حتفهم بأعيرة نارية.
وحتى قبل انتهاء المهلة التي أعطاها العسكر لمرسي، كانت هناك دلائل على وجود حملة جديدة على حلفاء مرسي في جماعة "الإخوان المسلمين"، وقال مسؤولون، الأربعاء، إن الشرطة اعتقلت ستة من حراسة الزعيم الروحي لجماعة "الإخوان المسلمين"، محمد بديع.
وذكرت الشرطة في البداية أن أكثر من 40 اسلاميًا كانوا قد أصيبوا بالخرطوش، وقال شهود عيان إن الاسلاميين قالوا إن الشرطة بدأت في إطلاق النار عليهم. ولكن بعد الهجوم الأوليّ، بدأ الإسلاميون بشن هجوم عنيف، وضرب الأشخاص المشتبه في أنهم مهاجمون. وقال معارضو الإسلاميين، أيضًا، إنهم من كانوا يطلقون النار مع استمرار القتال خلال ليلة الأربعاء.
ومع حلول الصباح، امتلأت المنطقة المحيطة بجامعة القاهرة بالسيارات المحترقة، يتصاعد منها الدخان بجانب أكوام من القمامة، ومتاريس من الكتب المدرسية الممزقة باللغة الإنكليزية والفرنسية والألمانية. ملصقات الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية التاريخية في العام الماضي لا تزال معلقة على الجدران.
واعتصم بضع مئات من الإسلاميين وحشد أصغر من خصومهم في المخيمات، وكلا الجانبين مسلحان بالهراوات والعصي. هناك لافتة معلقة من قبل أنصار مرسي مكتوب عليها: "لأنصار الانقلاب، سوف تطاردكم دماؤنا، وسوف تدفعون ثمنًا باهظًا مقابل كل قطرة دم تراق منا".
وقال بعض الإسلاميين الذين تجمعوا هناك وينتمون إلى فصائل أكثر تحفظًا من جماعة "الإخوان المسلمين" إن الجهود المبذولة للإطاحة بمرسي أثبتت أن الديمقراطية نفسها لا يمكن الوثوق فيها. وقال محمود طه، 40 عامًا، وهو تاجر: "أليست هذه هي الديمقراطية التي نريدها؟ نحن لا نؤمن بالديمقراطيإ، انها ليست جزءًا من أيديولوجيتنا. ولكننا قبلنا ذلك، واتبعناهم، ومن ثم هذا هو ما يفعلونه، إنهم يحتجون ضد الديمقراطية المنتخبة".
قال صديقه الذي عرف نفسه باسم أبو حمزة (41 عامًا): "هذه مؤامرة ضد الدين. إنهم لا يريدون جماعة إسلامية تحكم مصر".
وقال الجميع إنهم يستعدون للعودة إلى القمع الذي عانى منه الإسلاميون في ظل حكومة مبارك".
وأضاف أحمد سامي، 22 عامًا، وهو بائع "بالطبع ، ماذا هم فاعلون؟".
اما في جانب خصومهم، فقال محمد صالح (52 عاما) وهو عامل مسلح برمح طويل من الخشب مكتوب عليه "شهيد": "إن شاء الله، لن يكون هناك إخوان مسلمين في البلاد اليوم. يمكنهم العودة  للدخول في المنفى أو العثور على صخور للاختباء تحتها كما اعتادوا أن يفعلوا، أو الذهاب إلى السجون، لا يهم. أهم شيء هو عدم وجود حزب إسلامي بعد اليوم".
وتنعكس المواجهة في الشوارع على الاشتباكات المريرة على قدم المساواة في أعلى مستويات بين الدولة والقوة العسكرية.
وقالت القوات المسلحة على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك" في وقت مبكر من الأربعاء، نشر تحت عنوان "الساعات الأخيرة "نقسم بالله بأننا سوف نضحي بدمائنا فدا مصر وشعبها، للدفاع عنهم ضد أي تهديدات إرهابية، أو راديكالية".
ونشر بعد وقت قصير من إلقاء مرسي خطابًا غاضبًا وحماسيًا، حيث أعلن دفاعه عن شرعية الانتخابات التي أتت به إلى السلطة في العام الماضي.
وقد نقل بيان الجيش عن السيسي قوله: "إنه لشرف لنا أن نموت على أن يتعرض شعب مصر للإرهاب أو التهديد".
وكشف قادة الإخوان عن نفور متزايد وهم مصممون على القتال. كما وأعلن القيادي البارز في جماعة "الإخوان" محمد البلتاجي، في بيان نشر على الإنترنت، الثلاثاء، أن "الجميع تخلوا عنا، من دون استثناء. يبدو أن الشرطة وكأنه تم تعيينها لحماية مجموعة واحدة من المحتجين وليس غيرها، وربما بدلاً من إلقاء اللوم على البلطجية سوف يقومون بإلقاء اللوم على أنصارنا بالاعتداء على أنفسهم، بالإضافة إلى الاعتداء المزعوم على المعارضة".
وقال المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين أحمد عارف، أمام حشد من أنصار مرسي بعد خطابه: "إنهم يريدون أن نرحل لمنع إراقة الدماء, لقد حاولنا ذلك من قبل في الخمسينات وأريقت دماء الناس في السجون ومراكز الاحتجاز وعلى يد زوار الفجر لمدة 20 عامًا. هل تريد لهذا أن يحدث مرة أخرى؟". ردت الحشود ""لا!".