لندن ـ عبدالرحيم جرار إتهمت منظمة العفو الدولية التي تتخذ من لندن مقرا رئيسيا لها حكومات العالم بالإهتمام بحدودها الوطنية أكثر من إهتمامها بحقوق مواطنيها أو حقوق الأفراد، الذين قالت إنهم ينشدون اللجوء أو يبحثون عن الفرص داخل حدود بلدانهم. وقالت المنظمة في تقريرها السنوي لحالة حقوق الإنسان في 159 بلداً واقليماً في العالم اليوم الخميس إن التقاعس العالمي تجاه حقوق الإنسان يجعل العالم مكاناً خطِراً على اللاجئين والمهاجرين على نحو متزايد " مشيرة إلى أنه جرى إنتهاك حقوق ملايين البشر الذين فروا من أتون النزاعات والإضطهاد أو هاجروا بحثاً عن حياة أفضل لأنفسهم ولعائلاتهم"
وقال الأمين العام لمنظمة العفو الدولية سليل شتي "إن عدم التصدي لأوضاع النزاعات بشكل فعال يخلق طبقة دنيا عالمية، وإن حقوق الذين يفرون من أتون النزاعات لا تحظى بالحماية، بل تنتهك حكومات عديدة حقوق الإنسان باسم الحد من الهجرة ، متجاوزةً بذلك تدابير مراقبة الحدود المشروعة."
وأضاف شتي "أن هذه التدابير لا تلحق الضرر بالأشخاص الذين يفرون من النزاعات فحسب، بل تؤدي إلى دفع ملايين المهاجرين إلى السقوط في أوضاع سيئة، من قبيل العمل القسري وإساءة المعاملة الجنسية، بسبب السياسات المناهضة للهجرة، وهذا يعني إمكانية إستغلالهم والإفلات من العقاب على ذلك، ويسهم الخطاب الشعبوي المناهض للاجئين والمهاجرين في تأجيج تلك الأوضاع المسيئة بسبب الصعوبات المحلية التي تواجه الحكومات."
وأوضح أنه في عام 2012 شهد المجتمع الدولي طائفة من حالات الطوارئ في أوضاع حقوق الإنسان، أرغمت أعداداً كبيرة من الناس على نشدان السلامة والأمان، سواء داخل حدود الدول أو عبرها، فمن كوريا الشمالية إلى مالي، ومن السودان إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، فرَّ العديد من السكان من ديارهم أملاً في العثور على ملاذ آمن.
وأضاف أن الشعب السوري خسر عاما آخر من عمره، حيث لم يتغير شيء يُذكر، باستثناء تزايد أعداد الأرواح المزهَقة أو المحطَّمة، مع نزوح ملايين السكان بسبب النزاع. وقد وقف العالم متفرجاً بينما إستمرت قوات الجيش والأمن السورية في شن هجمات عشوائية ضد المدنيين، وإخضاع الأشخاص الذين يعارضون الحكومة للإخفاء القسري والإعتقال التعسفي والتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء، في الوقت الذي تستمر الجماعات المسلحة في احتجاز الرهائن وارتكاب عمليات القتل الميداني والتعذيب، لكن على نطاق أضيق.
وأوضحت العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم لقد "اُستُخدم إعتبار حقوق الإنسان "شأناً داخلياً" كذريعة للحؤول دون إتخاذ إجراءات دولية للتصدي لحالات طارئة، من قبيل الحالة السورية، ولا يزال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة - الموكولة إليه مهمة صون الأمن العالمي والقيادة العالمية - عاجزاً عن ضمان اتخاذ قرارات سياسية منسقة وموحدة.
ومضى سليل شتي يقول "لا يجوز إستخدام مبدأ إحترام سيادة الدول مبرراً لتقاعسها، ويتعين على مجلس الأمن التصدي بثبات للانتهاكات التي تدمر حياة الناس، وترغمهم على الفرار من ديارهم، وهذا يعني رفض المعتقدات البالية والمجردة من الأخلاق التي تعتبر أن القتل الجماعي والتعذيب والجوع ليست من شأن الآخرين."
وتابع قائلا لقد "واجه الأشخاص الذين يحاولون الفرار من أتون النزاعات والاضطهاد ، بشكل منتظم، عقبات هائلة في محاولات عبور الحدود الدولية، وغالباً عبور اللاجئين للحدود أصعب من عبور الأسلحة التي سهَّلت ارتكاب العنف الذي أرغم أولئك الأشخاص على الفرار من منازلهم، بيد أن إعتماد معاهدة تجارة الأسلحة من قبل الأمم المتحدة، في مارس/آذار 2013 ، يعطي الأمل في وقف شحنات الأسلحة التي يمكن أن تُستخدم لارتكاب فظائع.
وقال سليل شتي "إن اللاجئين والنازحين لا يمكن أن يظلوا ’بعيدين عن العين وبعيدين عن الذهن‘وإن حمايتهم واجب علينا جميعا،ً إذ أن عالم الاتصالات الحديثة الذي لا حدود له يجعل من الصعب، على نحو متزايد، إخفاء الانتهاكات خلف الحدود الوطنية، ويتيح لكل شخص فرصاً غير مسبوقة للدفاع عن حقوق ملايين البشر المقتَلعين من جذورهم."
كما أن اللاجئين، الذين تمكنوا من الوصول إلى بلدان أخرى طلباً للجوء، غالباً ما يجدون أنفسهم في قارب واحد- بالمعنيين الحرفي والمجازي-كمهاجرين غادروا بلدانهم بحثاً عن حياة أفضل لأنفسهم ولعائلاتهم، ويُرغم العديد منهم على العيش على هوامش المجتمعات، وتخذلهم القوانين والسياسات غير الفعالة، ويُسمح باستهدافهم بالخطاب الشعبوي والقومي الذي يؤجج مشاعر كراهية الأجانب ويزيد من أخطار العنف ضدهم.
وأشارت العفو الدولية إلى أن الاتحاد الأوروبي يطبق تدابير مراقبة حدودية من شأنها تعريض حياة المهاجرين وطالبي اللجوء للخطر، ويعجز عن ضمان سلامة الذين يفرون من أتون النزاعات والاضطهاد. وفي شتى أنحاء العالم يُحتجز المهجرون وطالبو اللجوء، بشكل منتظم، في مراكز اعتقال أو في أقفاص معدنية أو حتى في حاويات شحن البضائع.
ولم تتم حماية حقوق أعداد هائلة من مهاجري العالم، البالغ عددهم 214 مليون شخص، لا في بلدانهم ولا في الدول المضيفة، فقد عمل ملايين المهاجرين في ظروف تصل إلى حد العمل القسري، أو في ظروف أشبه بالعبودية في بعض الحالات، لأن الحكومات تعاملهم كمجرمين، ولأن الشركات تهتم بأرباحها أكثر مما تهتم بحقوق العمال. وتعرَّض المهاجرون غير الشرعيين بشكل خاص لخطر الاستغلال وانتهاك حقوقهم الإنسانية.
وخلص سليل شتي ألى القول "إن الذين يعيشون خارج بلدانهم بلا ثروة أو صفة قانونية، يُعتبرون أشد الناس إستضعافاً في العالم، وغالباً ما يعيشون حياة بائس في هامش المجتمع، وإن تأمين مستقبل أكثر عدلاً لهم أمر ممكن إذا إحترمت الحكومات الحقوق الإنسانية لجميع الناس بغض النظر عن جنسياتهم إذ لا يجوز أن يفرض العالم مناطق حظر لحقوق الإنسان، حيث أن مبدأ حماية حقوق الإنسان يجب أن ينطبق على جميع البشر أينما وُجدوا.