رئيس الجمهورية الدكتور محمد المنصف المرزوقي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي
تونس ـ أزهار الجربوعي
أكّد رئيس حزب "النهضة" الإسلامي الحاكم في تونس الشيخ راشد الغنّوشي، الخميس، تمسكه بعلي العريض رئيسًا لحكومة وحدة وطنيّة منفتحة على قيادات جديدة، وكفيلة بتجاوز الوضع الصعب الذي تمر به البلاد، مناديًا بضرورة التصدّي إلى دعاة الفوضى والإرهاب، وجاء ذلك خلال لقاء جمعه، مساء الخميس، مع
رئيس الجمهورية الدكتور محمد المنصف المرزوقي، الذي بدأ سلسلة مشاورات مع قيادات القوى الحزبية والمدنية الكبرى في البلاد، لبحث مخرج للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ اغتيال المعارض محمد البراهمي ومقتل 8 عسكريين في كمين إرهابيّ على الحدود مع الجزائر.
وأكد رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي في أعقاب اللقاء الذي جمعه مع رئيس الجمهورية تمسُّك حزبه بالشرعية الانتخابية وبالمجلس الوطني التأسيسي، مُعبّرًا عن استعداده للانفتاح على توافقات جديدة تدعم الوحدة الوطنية، وتتمسك بما تم الاتفاق عليه سابقًا بين القوى السياسية، في ما تَبَقّى من المرحلة الانتقالية.
وشدّد الغنوشي على تمسك حركة "النهضة" بحكومة يترأسها رئيس الحكومة الحالي علي العريض، باعتباره ممثل الحزب الفائز في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، واعتبارًا لما تنصّ عليه أحكام القانون المُنظّم للسلطات العمومية (الدستور المؤقت للبلاد) الذي نصّ على أن رئيس الحكومة يجب أن ينتمي للحزب الفائز بغالبية المقاعد في "التأسيسي" التونسي، والتي تمتلكها "النهضة".
وأعرب رئيس الحزب الحاكم في تونس عن استعداد "النهضة" لتوسيع الحكومة، واستقطاب قيادات جديدة تضمن تجاوز الوضع الصعب الذي تمر به البلاد، مشيرًا إلى ضرورة التصدّي للإرهاب ولدعاة الفوضى.
كما توجَّه راشد الغنوشي برسالة إلى النواب المنسحبين والمستقيلين من المجلس الوطني التأسيسي، دعاهم فيها إلى العودة إلى عملهم، واستكمال الأمتار الأخيرة التي تَبَقّت من عمر المرحلة الانتقالية.
وكان أكثر من 40 نائبًا من المعارضة التونسية أعلنوا، منذ أسبوع، تجميد عضويتهم في المجلس الوطني التأسيسي، احتجاجًا على اغتيال زميلهم محمد البراهمي رميًا بالرصاص، الخميس الماضي، مطالبين بحل "التأسيسي" وتشكيل حكومة إنقاذ وطنيّ، وتكوين لجنة خبراء تتعهّد بإتمام الدستور وعرضه على استفتاء شعبي.
ومواصلةً لسلسلة مشاوراته مع الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية لاحتواء الأزمة التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن وإيجاد الحلول المثلى لتجاوزها، التقى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي الناطق الرسمي باسم تيار "المحبة" سعيد الخرشوفي، والأمين العام لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" عماد الدائمي.
وأكد سعيد الخرشوفي الناطق الرسمي باسم تيار "المحبة"، الذي يقوده المعارض التونسي المقيم في لندن الهاشمي الحامدي، رفضه الانقلاب على الشرعية، مع ضرورة التمسك بما أفزرته انتخابات 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، من هياكل ومؤسسات منبثقة عن المجلس الوطني التأسيسي.
وأوضح القياديّ في تيار "المحبة" سعيد الخرشوفي موقف حزبه الرافض لتغيير الحكومة في الوقت الراهن لاقتراب موعد الانتخابات، مبينًا أن الأجدر التركيز على هيئة عليا المستقلة للانتخابات، وسنّ قانون انتخابيّ جديد، والتحضير للانتخابات، مُبيّنًا أن هذا الموقف لا يخالف استعداد تيار "المحبة" للقبول بإجراء تغيير على الحكومة إذا ما كان الأمر سيوصل البلاد إلى بر الامان، شريطة أن تحظى الحكومة الجديدة بمصادقة المجلس الوطني التأسيسي عليها، باعتباره سلطة شرعيّة في البلاد منبثقة من إرادة الشعب.
يُذكر أن رئيس تيار "المحبة" المعارض التونسي الهاشمي الحامدي أعلن عن إطلاق حملة "بالانتخاب لا بالانقلاب"، لجمع مليوني توقيع مساندة للشرعية ولحكومة ائتلاف الترويكا (النهضة، التكتل، المؤتمر من أجل الجمهورية)، ردًا على الدعوات التي أطلقتها حركة "تمرّد" وعدد من قوى المعارضة على غرار "الجبهة الشعبية" التي تطالب بحل المجلس التأسيسي، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تقود البلاد نحو انتخابات في أقرب الآجال.
من جانبه، أعرب الأمين العامّ لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، عماد الدائمي، لدى لقائه لرئيس التونسي المنصف المرزوقي، الخميس، عن حرص حزبه على المشاركة في أيّ حوار وطنيّ جادّ يسعى للبحث عن المخارج السياسية المُثلَى من الوضع الراهن، ولصَدّ المحاولات الانقلابية على الشرعية التي انطلقت منذ مدّة بشكل مفتعل، ومحاولة الوصول إلى الحكم من دون المرور بصناديق الاقتراع، على حد قوله.
وشدّد الدائمي على تمسك حزب "المؤتمر" بتواصل المؤسسات الشرعية المنبثقة من انتخابات 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وأن المجلس الوطني التأسيسي بصلاحياته كافّة يُعَد "خطًا أحمر لا يمكن التفاوض بشأنه مطلقًا، ولا يمكن المساس به، لما يُمثّله هذا المكسب الوطني من ضمانة للشرعية وللمسار الديمقراطي في البلاد".
وترك الدائمي الباب مفتوحًا أمام إمكان مناقشة حزبه لمسألة تكوين حكومة وحدة وطنية بين الترويكا "وبين بقية الأحزاب الأخرى التي تلتقي على المشروع الوطنيّ نفسه، وعلى استحقاقات الثورة، ومن أجل ادارة المرحلة الانتقالية المقبلة، معتبرًا أن الحكومة الحالية هي حكومة وحدة وطنية يمكن تطعيمها بانضمام قوى سياسية وطنية جديدة تقود البلاد نحو انتخابات حرة ونزيهة وشفافة قبل نهاية العام الجاري.
ومن فريق أحزاب المعارضة المطالبة بحل "التأسيسي" وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، استقبل الرئيس التونسي في ّقصر قرطاج الأمينة العامة لـ "الحزب الجمهوري" مية الجريبيّ التي عبّرت عن موقف حزبها الداعي إلى حاجة البلاد إلى صيغة جديدة للحكم، وليس إلى صيغة لتوسيعها أو تغيير أعضاء الحكومة.
وشدّدت الجريبي على أن إنقاذ تونس يمر ضرورة عبر حكومة انقاذ وطني تترأسها شخصية مستقلة متفق عليها يلتزم أعضاؤها بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، وتسهر على تنفيذ برنامج متفق عليه يقوم في عدد من جوانبه على مقاومة الإرهاب والعنف السياسيّ، وحلّ روابط حماية الثورة، واستكمال صياغة الدستور وتهيئة البلاد إلى انتخابات حُرّة ونزيهة في أقرب وقت.
في حين، دعا الأمين "العام للتحالف الديمقراطي" محمد الحامدي، إلى استقالة الحكومة الحالية التي يترأسها عليّ العريض وتشكيل حكومة كفاءات وطنية تعمل إلى جانب الحكومة تؤمّن فعلاً المرور إلى انتخابات يكون لها إسناد سياسيّ عبر هيئة للتوافق الوطني تتشكل من رؤساء الأحزاب والمنظمات، وتسهر على إدارة الحوار وضبط التوافقات وتكون لقراراتها طابعًا إلزاميًا، لافتًا إلى أن حزبه لا يدعم حلّ المجلس الوطني التأسيسي الذي يُمثّل وفق رأيه إطارًا للتمرين على الديمقراطية، وفق قوله.
ويرى مراقبون أن جهود الرئيس التونسيّ وإن بدت حثيثة وجادّة في تخطي الأزمة الحالية فإنها غير كافية، ما لم تَحظَ بموافقة ودعم حزب "النهضة" الإسلاميّ الحاكم، صاحب الغالبية في المجلس التأسيسي الذي يرفض التنازل عن التأسيسي ويَعتبره خطًا أحمر، كما يرفض تشكيل حكومة تكنوقراط سياسية غير متحزّبة متمسّكًا بعلي العريض رئيسًا للحكومة، وهو ما يُبشّر بالوصول إلى طريق مسدود أمام إصرار المعارضة المنقسمة بين مُتشبّث بحلّ "التأسيسي"، وآخر داعٍ إلى عزل "النهضة" سياسيًا، وثالثٍ مُطالب بحكومة كفاءات وطنية مُضيّقة لا تنتمي إلى أي فصيل سياسي، ويلتزم أعضاؤها بعدم الترشح للانتخابات المقبلة.