بيروت ـ جورج شاهين أثار خطاب ، لمناسبة "عيد الجيش"، الكثير من المواقف المتناقضة بين اللبنانيين، ولا سيما على مستوى قوى "8 و14 آذار"، بعدما دان تورط لبنانيين ومنهم "حزب الله" في أحداث سورية، وأكد أن للجيش اللبناني وحده الدور الأمني وللدفاع عن لبنان. وانتقدت قوى "8 آذار" خطاب سليمان في شكله ومضمونه وتوقيته، ومن المنبر الذي أطلق منه بنبرة عالية وقاسية، قد تكون استخدمت للمرة الأولى، وتلقت الموقف بصورة قاتمة، فيما رحبت به قوى "14 آذار"، على أنه "خطاب وطني بامتياز، لا يبغي سوى مصلحة لبنان، ولا يريد غير المصلحة العليا"، وفي الوقت الذي انبرى فيه معظم المسؤولين والقادة السياسيين في فريق "14 آذار" إلى الترحيب بخطاب سليمان الذي وصفه البعض بـ"التاريخي" اكتفى آخرون، من بينهم منسق الأمانة العامة فارس سعيد، بالقول "الله يحميه".
وعلى خلفية الإستياء الذي عبرت عنه اوساط
ووصفت مصادر بارزة في أوساط "حزب الله"، وحركة "أمل" ورئيس البرلمان نبيه بري شخصيًا، الخطاب بـ"السلبي التصعيدي"، الصادر في توقيت غير مناسب، تتعرض فيه المقاومة وسلاحها ودورها إلى حملة استهداف خارجية شرسة ترجمت بالقرار الأوروبي، في حين كان يفترض أن يُجمع لبنان على رفض المساس بالمقاومة، وأعربت عن أسفها للخطاب الذي "لا يعبر عن توجهات من يفترض أن يكون حاضنًا لكل اللبنانيين، وحكمًا يسعى إلى التهدئة، وراعيًا للحوار لا أن يكون طرفًا، مؤكدة أن أبعاد كلام سليمان ستشكل محور بحث معمق ومتابعة عبر القنوات المسؤولة في قوى "8 آذار"، كاشفة أن اجتماع هيئة تنسيق الأحزاب الذي انعقد بعد ظهر الخميس، وضع الخطاب على مشرحة النقد للبناء على الرسائل التي وجهها.
وقالت مصادر قصر بعبدا، لـ"العرب اليوم"، إن الرئيس سليمان لم يأتِ بجديد في خطاب "عيد الجيش"، فهو لم يسجل أي موقف جديد لم يسبق له أن أكد عليه في مناسبات عدة، وأنه قد يكون الخطاب هذه المرة جامعًا ومنسقًا بصيغة أشمل وأعمّ، وقد يكون صيغ بلغة مباشرة وواضحة أكثر من السابق، لكن المناسبة تستحق هذا الخطاب، واللبنانيون يستحقون هذه الحقائق، وأن اللبنانيين أصغوا إليه بانتباه وعناية من منبر الجيش في عيده، ولو فعلوا ذلك من قبل واقتنعوا بما توقعه رئيس الجمهورية لكان الوضع بالتأكيد في لبنان أفضل مما هو عليه اليوم، وأنه على مستوى احترام آحادية الجيش اللبناني في ممارسة الدور الأمني في لبنان أو لجهة وقف كل أشكال التدخل في سورية، والعمليات العسكرية في الخارج التي تحرج لبنان أكثر مما تفيده أو على مستوى اعتبار الجيش اللبناني المرجع الوطني وحده، وهو المكلف بحماية البلاد وحدودها كاملة في الداخل كما بالنسبة إلى الخارج.
وأضافت المصادر ذاتها، أن "سليمان أطلق مواقف بنبرة أعلى في عرسال، عندما تفقد الجيش اللبناني إثر الهجوم الذي تعرضت له قواته في المنطقة، وفي أعقاب التوغل السوري برًا وجوًا في المنطقة، كما أنه لفت رئيس كتلة (نواب المقاومة) عندما زاره بعد القصير، وقد كان كلامًا معلنًا ولم يحتفظ به على أنه سر من الأسرار، كما أنه أعلن مواقف ممائلة بعد أحداث عبرا، ولم يتراجع عنها حتى اليوم، فمواقفه لا تتبدل حسب المناطق والأهواء، وقد رسمت خطًا بيانيًا واضحًا لم يخرج عنه في أي مرة حتى اليوم، وأن الرئيس سليمان طالب بصراحة بضرورة وقف تدخل (حزب الله) في سورية، ودعاهم إلى العودة إلى لبنان في أكثر من مناسبة، ولا سيما بعد عملية القصير، وأجواء التوتر التي تسببت فيها على الساحة اللبنانية، ومشاريع الفتنة المذهبية التي كانت تُحضَّر للبنان في أعقابها، وأن كلام رئيس الجمهورية عن الحكومة الحيادية في حال فشلت مساعي التأليف أكثر مما انتظرت إى اليوم، كلام مسؤول ومهم، وعلى من يجب أن يفهمه، وإن ازعج البعض، فهذا يعني أن الرسالة وصلت".
وتساءلت المصادر، "هل المطلوب من رئيس الجمهورية أن يتفرج على المخالفات المرتكبة؟ وأن يرعى الخروج على الأصول الدستورية؟ ويتفرج على من يمارس عكس ما يعلن ويفعل عكس ما يتعهد به؟ فهل يريدون رئيس الجمهورية غطاءً لمخالفاتهم، وراعيًا لخروجهم على الأصول، وراضيًا عن الخرق اليومي لـ(إعلان بعبدا)؟ أم هنالك من الممارسات التي تتناقض والمصلحة الوطنية العليا".
وختمت مصادر قصر بعبدا، "قال الرئيس سليمان كلمته بوضوح وصراحة، وعلى جميع الأطراف تلقفها، فإذا صدقت النيات وفهم الجميع مقصده، فسيكون سعيدًا، وإن تجاوبوا سيكون أسعد مما يتصورون".
وردًا على ما تسرب من عتب لدى "حزب الله" وأوساط مؤيدة، قالت المصادر، إن "الرئيس سليمان قصد في موقفه حماية المقاومة وعدم استجرارها إلى مواقع ليست لها، ولا دور لها فيها كمقاومة لبنانية، وكان يريد أن يقول (أنا والدولة من يحمي الجميع، والمسؤولية مسؤوليتنا والجيش أداتنا، وما على اللبنانيين سوى التفريق بين العمل من أجل المصلحة الوطنية، وما بين الساعين إلى استدراج لبنان إلى أتون الصراعات الإقليمية والدولية)، وإن مواقف سليمان ستدفع العالمين العربي والغربي وأوروبا والولايات المتحدة إلى تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، والتخفيف من عقوباتهم التي يمكن أن تطال اللبنانيين جميعًا، طالما أننا نعيش في وطن واحد".  
ورحب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بكلمة سليمان، وأعلن "إننا في أمسّ الحاجة إليها ليتضامن الشعب ويحترم الجيش وكل القوى المسلحة الشرعية، لأننا إذا بقينا في شريعة الغاب، فإن لبنان لن يقوم، وعلينا احترام المواطن والوطن والمؤسسات"، آملاً بأن "يدرك رجال السياسة في لبنان أن البلد لا يمكن أن يستمر في شريعة الغاب مقسمًا فهذه ليست دولة".
وكان الرئيس ميشال سليمان قد أكد في خطابه، أنه "ليس بالأمن وحده يحيا الوطن، لكن لا وطن من دون أمن، ولا أمن وسيادة وكرامة من دون الجيش، الذي يحتاج إلى بيئة وطنيّة نقيّة، وإلى دولة حاضنة راعية يحميها الجيش، تحفظ الحقوق والكرامات، وتحمي وتدير التنوّع، بعيدًا عن صراع الهويات والعقائد والمذاهب والمحاور، وأنه لا يجوز نقل الجيش من موقع الدفاع عن المواطن، إلى موقع الدفاع عن نفسه، لا سيما في حالات الاعتداء عليه والغدر بضبّاطه وجنوده، ولا يجوز تحميل الجيش خطايا غيره الجسيمة ثمّ محاسبته على أخطائه القليلة المتلازمة في غالبية الأحيان مع دقة الأوضاع وحساسيتها، وتداخل المكونات والعوامل المشكلة لها، وعلى أنه ليس بالإضاءة على الأخطاء نمحو خطايا السياسة والارتهان للمصالح والارتباطات على أنواعها، كذلك لا يجوز موازنة الأخطاء التي تخضع لآليّات محاسبة محدّدة، بالدور الوطني الكبير الذي يقع على عاتق الجيش في حماية السيادة ومواجهة العدوانيّة الإسرائيليّة، وحفظ الأمن ومحاربة الإرهاب، وأن المطلوب في هذه الظروف الدقيقة حملة مع الجيش لا حملة عليه".
وشدد سليمان على "أننا لن نقبع في دوّامة الانتظار طويلاً، قبل الشروع في تشكيل حكومة الوزن الوطني والمصلحة الوطنية، لا حكومة الحصص والتوازنات السياسيّة، وإذا تعذّر، فلابد من حكومة حيادية ترعى الفئات جميعها والشؤون كافة، وذلك وفق الأصول والمسؤوليات الدستورية الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وأنه أصبح ملحّاً درس الإستراتيجيّة الوطنيّة للدفاع، وإقرارها في ضوء تطوّرات المنطقة، والتعديل الطارئ على الوظيفة الأساسيّة لسلاح المقاومة الذي تخطّى الحدود اللبنانيّة، واستنادًا إلى التصوّر الذي وضعته في هذا الصدد أمام الشعب وهيئة الحوار الوطني، وإنطلاقًا من تمييزنا الواضح والدقيق والمستمر بين المقاومة والإرهاب، ولتحصين مقدرتنا على المقاومة والدفاع حصرًا عن لبنان، فقد حان الوقت لتكون الدولة بجيشها وقيادته السياسية العليا الناظمة الأساسية والمقررة لاستعمال هذه المقدرات، فإن الشهادة الحقيقية هي فقط في سبيل الوطن وفي سبيل الدفاع عن وحدته وأرضه وعزته، وأن ما يريده الشعب اللبناني هو التضحية من أجل لبنان، وما لا يريده الشعب اللبناني هو ألا تروي دماء أبنائه ترابًا غير تراب الوطن المقدس".