شاب سوري داخل معتقلات النظام
دمشق - جورج الشامي
كشف شاب سوري تجربته المريرة لـ"العرب اليوم" في معتقلات النظام وقال أن الزنزانة التي أودع فيها "لا يدخلها الهواء ولا الضوء ورائحة الدماء في كل المكان وتجعل التنفس فيها صعباً ومقززا للغاية في جو من التعذيب الممنهج والإرهاب المنظم، الخالي من أي دوافع إنسانية، أو اي اعتبارات لعامل الشيخوخة. واضاف
" اما المياه فهي قليلة وملوثة دائماً، والكهرباء لا تستخدم إلا عند قدوم المحققين والعناصر الحكومية وما عدا ذلك الكل يعيش في الظلام الدامس ويستخدم المعتقلون وسائل عدة لمنح الزنزانة القليل من الضوء منها الشموع التي لا تصل كثيراً اليهم، او حرق بعض الأوراق أو غيرها من الوسائل".
وتابع قائلا "الظروف الصحية خطرة جدا، ويعاني الموجودون من أمراض متنوعة، صدرية وقلبية وجلدية ودموية، من جروح والتهابات وسوء تغذية ونقص في الأوكسجين، اذ نقل إلي أحد الشبان في الداخل أن منذ اعتقاله قبل 20 يوماً، توفي ما يزيد عن 60 معتقلا نتيجة الأمراض وغياب الرعاية الصحية، بمعدل 3 أشخاص في اليوم الواحد، معظمهم توفي نتيجة الالتهابات المزمنة أو سوء التغذية وقلة الطعام.
وقال الشاب السوري "م.أ" الذي اخلي سبيل بمعجزة "خلال وجودي في الساعات ال 48 التى احتجزت فيها شهدت وفاة 7 أشخاص من الأمراض، أحدهم توفي نتيجة صعوبة في التنفس، وآخر توفي نتيجة التهاب في قدمه المبتورة".
ووصف (م.ا) الزنزانة التي أودع فيها بان مساحتها لا تتجاوز 36 مترا مربعا، وفيها ما يزيد عن 170 معتقلا وهذا ما يجعل التنفس أكثر صعوبة، ويعاني المعتقلون من المساحة الخانقة، فمن الصعب أن يجلس الجميع، أو ينام الجميع في وقت واحد، وهذا دفعهم لتنظيم دور للنوم ودور آخر للجلوس، وفي بعض الأحيان عند اكتظاظ الزنزانة ووصول معتقلين اخرين "يحدث ذلك بشكل يومي" يضطر المعتقلون للوقوف على رجل واحدة لإفساح المجال لوجود الجميع ، أما النوم فمقسم إلى ست دورات، كل منها 4 ساعات، يتناوب عليها الجميع ليحظون بفترة من الراحة".
أما التغذية فيقول (م.ا): "يوزع على المعتقلين وجبة واحدة يومياً، وفي بعض الأحيان لا يوزع أي وجبة كما أخبرني المعتقلون، غالباً ما تكون هذه الوجبة أحد أنواع الشوربات الباردة بطبيعة الحال، مع بعض كسرات الخبز، إضافة إلى بيضة لكل ثلاث أشخاص.
واوضح أن قلة الطعام الذي يوزع على المعتقلين تتحول إلى صراع بقاء فيما بينهم، إذ "يحاول بعض المعتقلين سرقة الطعام من زملائهم، في محاولة لزيادة التغذية للبقاء على قيد الحياة، وفي بعض الأحيان يتحول الأمر إلى عراك بالأيدي، وينتهي غالباً بإخراج المعتقلين المشتركين في العراك من قبل العناصر المشرفة وإعادتهم بعد تعرضهم للتعذيب".
وحول التعذيب يقول (م.ا): "يتعرض المعتقلون إلى تعذيب ممنهج وإرهاب منظم، من دون أي إنسانية، أو اعتبارات لعامل العمر، أو الحال الصحية، الهدف الأساسي الإساءة وترك أثر، وإرهاب المواطنين، فيومياً يستدعى بين عشرة إلى عشرين شاباً للتحقيق، ويعودون محملين ويرمون على باب الزنزانة ليدخلهم باقي المعتقلين ويحاولون معالجتهم، ويعاني هؤلاء من آثار الضرب المبرح، حروق عدة أبرزها بأعقاب السجائر، ومن كسور في الأضلع والأطراف، وغالباً ما يموت بعض من هؤلاء نتيجة التعذيب، فنقل لي أحد المعتقلين أن من بين من يعودون من التحقيق بعد التعذيب يموت يومياً ما بين 5 إلى عشرة أشخاص، وبوجودي القصير قتل أربعة أشخاص عادوا من التعذيب، متأثرين بجروحهم وكسورهم، كما نقل لي عدد ممن تعرضوا للتعذيب ومازالوا على قيد الحياة أن التعذيب ليس له هدف، ولا يسعى من خلاله السجانون للحصول على اعترافات بل هو فسحة للتسلية، والترفيه، فيقومون بالضحك واللهو واللعب خلال العملية.
واكد ان وسائل التعذيب الضرب بمختلف الأنواع الصلب، على السلم، بساط الريح، الدولاب، وأحياناً كرسي الكهرباء، والكرسي الألماني، وقلع الأظافر، أو نتف الشعر، وغيرها من الممارسات، وفي بعض الحالات يتعرض المعتقلون للاغتصاب، أو يجبرون على اغتصاب بعضهم، فضلاً عن الألفاظ الكثيرة التي تستخدم في الشتائم والإهانات والتي أصبحت معتادة لدى المعتقلين، إضافة إلى طلب تأليه الرئيس السوري بشار الأسد والذي أصبح أساساً في كل عملية تعذيب، فيطلب من المعتقل أن يقول مثلاً (لا إله إلا بشار)، وغيرها من التعابير المشابهة".
واعرب الشاب السوري عن الاعتقاد ان "عدد من المعتقلين فقدوا عقولهم وجنوا، فلم يعودوا يتحملون الوضع الذين هم فيه، وأصبحوا هائمين في عقولهم، ويتحدثون عن أشياء غير واقعية، أو يتحدثون وكأنهم في مكان آخر".
يشار إلى أن منظمات حقوقية عدة ذكرت أن أكثر من مليون سوري دخلوا المعتقلات السورية منذ بدأ الثورة في آذار 2011، وحالياً هناك في المعتقلات السورية ما يزيد عن 200 ألف معتقل.
وتعد سجون المخابرات الجوية، من أخطر المعتقلات، وأكثرها انتهاكاً لحقوق الإنسان، وتشهد حملات تعذيب ضخمة، وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرا عما وصفته بالتعذيب الممنهج الذي تمارسه قوات النظام السوري في المعتقلات.
وقالت الشبكة إن 1215 مواطنا سوريا قضوا تحت التعذيب منذ بداية الثورة، بينهم 17 امرأة و34 طفلا و23 مسناً تجاوزت أعمارهم الستين.
وأكدت أن عدد المعتقلين بلغ قرابة 194 ألفا، بينهم 4500 امرأة وتسعة آلاف معتقل دون سن الثامنة عشرة. وقد وثقت الشبكة عشرات الأساليب والوضعيات التي استخدمها النظام السوري في تعذيب مواطنيه، ومن أكثرها استخداما وضعية الشبح التي تربط فيها يدا المعتقل من خلف ظهره، ثم يعلق منهما بالسقف بحيث يلامس الأرض برؤوس أصابع قدميه، وفي بعض الحالات يعلق من إحدى قدميه للأعلى، وقد تتورم أطرافه ما يتسبب في قطعها. وهناك أيضا وضعية الصلب، حيث يصلب المعتقل ليتلقى الضربات على جسده وبخاصة على الأعضاء التناسلية. وكذلك وضعيات عدة على الكرسي الكهربائي و"الكرسي الألماني" الذي يتسبب بآلام شديدة في الرقبة والعمود الفقري.
ومن أكثر ألوان التعذيب استخداما الضرب على مختلف أنحاء الجسم وبأدوات مختلفة كالعصي وكبلات الكهرباء، واقتلاع الأظافر ونتف الشعر وانتزاع اللحم بملاقط معدنية، وتقطيع الأعضاء والطعن وحرق الجلد بالأحماض.
ويؤكد العديد من المعتقلين السابقين أن من أشد أصناف التعذيب إيلاما تعرضهم للاغتصاب أو إجبارهم على اغتصاب زملائهم في الاعتقال.
كما يتعمد السجانون تعريض المعتقل للبرد القارس وحرمانه من الرعاية الطبية ومن استخدام المرحاض وتجويعه، فضلا عن حشد أعداد كبيرة من المعتقلين في زنازين ضيقة جدا. أما أساليب التعذيب النفسي فتتنوع بين أشكال عدة، من أكثرها ممارسة إجبار المعتقل على مشاهدة زميله وهو يتعرض للاغتصاب والتعذيب والقتل، وتهديده باغتصابه أو باغتصاب إحدى محارمه مع إجباره على رؤية معتقلات عاريات. وتوثق العديد من الشهادات التهديد المستمر بالقتل والذبح، والإساءة المستمرة لعائلة المعتقل وعقيدته مع أمره بالاعتقاد بعقيدة السجان والسجود لصورة الرئيس بشار الأسد.
وإلى جانب إجباره على الاعتراف بأمور لم يرتكبها، يمارس البعض سياسة إيهام المعتقل بالإفراج عنه ثم يعاد للتعذيب مرة أخرى، وقد يؤخذ إلى طبيب في السجن للعلاج فيضربه الطبيب في موضع الألم ويهينه. وتوزع ضحايا التعذيب بين عدد من محافظات البلاد، ومنها حمص (313) ودرعا (221) وإدلب (182) وريف دمشق (122) وحماة (115) وحلب (83) ودمشق (73) وغيرها. وبالنسبة للمعتقلين تأتي حلب في مقدم لائحة المحافظات السورية، حيث يبلغ عددهم نحو 40 ألفا، ثم تأتي حمص برقم يزيد على 35 ألفا، تليها محافظة ريف دمشق بنحو 30 ألفا، ثم حماة وإدلب بأرقام تزيد عن 20 ألفا، ودمشق برقم يناهز 18 ألفا.