رام الله – نهاد الطويل ما إن تم الإعلان عن استئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية، وإسرائيل في واشنطن، حتى سارعت أوساط سياسية، وشعبية فلسطينية للحديث عن مخاوف تتعلق بتطبيق مبدأ "تبادل الأراضي"مع الاحتلال الإسرائيلي, وانعكاسات ذلك على مستقبل الدولة الفلسطينية المنشودة على حدود 1967. فإسرائيل لا زالت متمسكة في الإحتفاظ بالكتل الإستيطانية الكبرى في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، ناهيك عن الترتيبات القانونية المترتبة على أي اتفاقيات مستقبلية يمكن إبرامها على أساس "تبادل الأراضي" بين القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
في إسرائيل يبدو هذا السيناريو الاستراتيجي معقولاً ومرحباً به، حيث صرحت وزيرة القضاء "تسيبي ليفني"، المسؤولة عن ملف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، إن الدول العربية أدركت أن الحدود يجب أن تتغير.
وتابعت ليفني في تصريحات نقلتها الصحافة الإسرائيلية قبيل استئناف المفاوضات: "رغم كل العواصف من حولنا، فإننا لا زلنا معنيين بالدفع بعملية السلام بين إٍسرائيل والفلسطينيين". وتابعت "أن إسرائيل تكرر وتلتزم بأن التوصل إلى اتفاق يعني التطبيع".
وأضافت ليفني التي تتفاوض الجانب الفلسطيني في واشنطن إن الدول العربية تدرك أن هناك تغييراً للواقع بما يلزم بتغييرات في خط الحدود, وتابعت أن تسوية كهذه يجب أن تكون منصفة، ومقبولة على الطرفين .
وبحسب ليفني فإن الإعلان يقول إنه يجب البدء بالمفاوضات، وأن الدول العربية تدعم ذلك، وتلتزم بالتطبيع .
وأعلن في واشنطن قبل أشهر استعداد الدول العربية على إقامة دولة فلسطينية بجوار إسرائيل, وأن العرب مستعدون لتبادل الأراضي معها, الأمر الذي قوبل برفض فلسطيني كبير، وذلك من خلال التصريحات الصحافية السريعة، أو من خلال الموائد المستديرة التي تعقد لمناقشة المبادرة وبالتزامن مع اللقاءات التفاوضية التي تجري في واشنطن على قدم وساق .
وفي هذا الصدد يقدم شعوان جبارين، مدير "مؤسسة الحق" في الضفة الغربية المحتلة  شرحاً عن الأبعاد القانونية ذات العلاقة بمبدأ "تبادل الأراضي"، ويؤكد  جبارين أنّه وبعد نجاح الأطراف الدولية, بحث الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على استئناف المفاوضات على أساس حدود 1967 مع "تبادل للأراضي" متفق عليه، وظهرت الخلافات بين الجانبين حول مساحة الأراضي التي يتم تبادلها ومناطق وجودها, وقدم الفلسطينيون في وقت سابق اقتراحاً وافقوا فيه على تبادل ما نسبته 1.9% من أراضي الضفة الغربية مع إسرائيل .
وكشف جبارين :" تتمحور المقترحات المتداولة حول احتفاظ إسرائيل بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مثل مستوطنات "بيتار عليت" و"موديعين عيليت" و"كيدوميم" و"أرئيل" و"معاليه أدوميم"؛ مقابل أراضٍ زراعية تكاد تخلو من السكان تقع بالقرب من قطاع غزة وصحراء سيناء، وجزءاً من أراضي الضفة الغربية وأراضٍ واقعة في صحراء النقب".
ويضيف جبارين أن التنازل عن الأراضي يطرح ضمن البند المتعلق بالأراضي في "اتفاقية السلام" التي سيجري التوصل إليها بين الطرفين في واشنطن، وقال إنه لا يوجد لاتفاقيات السلام أساس قانوني مستقل أو خاص في القانون الدولي، وإن إبرام الاتفاقيات بين الجانبين لن يفضي إلى إنهاء الاحتلال، لأن القوة القائمة بالاحتلال تنهي سيطرتها الفعلية على الإقليم الخاضع لاحتلالها بالانسحاب منه، مع عدم مقدرتها على تملك القدرة على ممارسة سلطتها في الإقليم، منوهاً إلى أنه طالما بقيت إسرائيل تمارس سيطرتها الفعلية على الأرض الفلسطينية المحتلة, فإن قانون الاحتلال الحربي يوفر حماية لصالح السكان الفلسطينيين الخاضعين لاحتلالها.
جاء ذلك خلال حلقة نقاش ضمن حلقات التفكير الاستراتيجي، نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) في مقره في مدينة البيرة في رام الله .
ففي ظل الحديث عن تبادل الأراضي يثار في الشارع الفلسطيني جملة من التساؤلات لعل أبرزها حول الأراضي التي يدور الحديث عنها، في المقابل يبدو مصير القدس المحتلة والمقدسات، والملكيات الخاصة والعامة، في المناطق التي يجري الحديث عن شمولها بمبدأ تبادل الأراضي يبدو غير واضح، وما هو مصيرها في ظل أحكام القانون الدولي, كما تساءل الحضور عن موقف القانون الدولي من إبرام قيادة تحظى بالشرعية لاتفاقيات غير قانونية تمس بالحقوق الفلسطينية بالاستناد إلى مبدأ "تبادل الأراضي"، وماهية الخطوات التي يمكن اللجوء إليها لإبطال أي اتفاقيات تنتهكك أحكام وقواعد القانون الدولي، والجهة المخولة بالقيام بذلك .
وحذر المشاركون في الورشة التي استمرت ليوم  من المخاطر الناجمة عن تبني هذا المبدأ من قبل الجانب الفلسطيني، ولجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية، لاسيما أن ذلك أسهم في إضعاف الموقف الفلسطيني دون أن تدفع إسرائيل أي ثمن، بل إن الموافقة على هذا المبدأ أفرغت الموقف المطالب بإقرار إسرائيل بخط الرابع من حزيران 67, كأساس للبحث في قضية الحدود من مضمونه، إضافة إلى تشجيع دولة الاحتلال على تسريع تنفيذ خططها لتوسيع الكتل الاستيطانية وضم المزيد من المستوطنات إليها.
في هذا السياق حذر المفكر الفلسطيني والمرشح الرئاسي السابق الدكتور عبد الستار قاسم في حديث لـ"العرب اليوم" من القبول بـ"مبدأ تبادل الأرض" مشيراً إلى أن هذه هي قضية استراتيجية بالنسبة للإسرائيليين، فيما تم طرحها بقوة على طاولة المفاوضات منذ محادثات "كامب ديفيد "قبل 13 عام .
وأضاف قاسم، أن إسرائيل تهدف من خلالها إلى إقرار شرعنة الاستيطان وتثبيت الجزء الأكبر من الكتل والتجمعات الاستيطانية، وفق مخطط مدروس بعناية فائقة، يقسم الضفة الغربية إلى أربعة كانتونات معزولة وتفصلها ممرات ضيقة عن بعضها البعض في مناطق المستوطنات، وخنق ومحاصرة الأحياء الفلسطينية في قلب القدس الشرقية وفصلها عن باقي مدن وبلدات الضفة الغربية .
ويذهب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات وكبير المفاوضين إلى القول:" أن ما صرح به رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بشأن فكرة "تبادل الأراضي" لا يخالف ما ورد في مبادرة السلام العربية".
وأوضح عريقات في تصريحات إذاعية سابقة، لإذاعة "موطني" المحلية، أن ما أراده الشيخ حمد هو أنه في حالة موافقة (إسرائيل) على مبدأ الدولتين، يمكن بحث فكرة تبادل الأراضي "بالقيمة والمثل".
وأضاف: "إن الوفد أكد للمسؤولين الأمريكيين أن السلام هو خيارنا الاستراتيجي، ولكنه لن يكون بأي ثمن، السلام يقوم على انسحاب (إسرائيل) إلى خط 4 حزيران 1967، ومن شرقي القدس، والجولان، وبقية الأراضي اللبنانية".
المحلل السياسي سميح شبيب يرى أنه من الممكن أن تشكل تبادل الأراضي مدخلاً جديدا للسلام, حيث يؤكد أن قضية تبادل الأراضي، المفاوضات الطويلة برزت وهذا يعني عملياً الإبقاء على الممستوطنات الكبرى خاصة في الخليل والقدس ونابلس وإعطاء أراض مقابلة للفلسطينيين, تمكن الإسرائيليون من إعطاء إنطباع عام بأن المفاوض الفلسطيني يقبل بهذا المبدأ وبأن ذلك أصبح مبدأ قابلاً للتنفيذ.
ويقلل المحلل والمعارض السياسي نشأت الأقطش من قيمة المبادرة في وقت استطاعت فيه إسرائيل من فرض وقائع على حدود 4 يونيو/حزيران من شأنها التقليل من قيمة الفكرة القائمة .
واعتبر عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر أن اتفاق سلام يقوم على "تبادل للأراضي الفلسطينية"، مرفوض ومدان .
وقال مزهر في تصريحات صحافية لـ"العرب اليوم": "أن موقف الجبهة الشعبية واضح من المبادرة العربية التي تستهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين