أنقرة ـ جلال فواز أصدرت أحكامًا بالسجن مدى الحياة على ما لا يقل عن عشرة من بين 275 متهمًا تركيًا، من بينهم رئيس أركان سابق في الجيش التركي، وذلك بتهمة التآمر في انقلاب عسكري كان يهدف إلى الإطاحة برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، كما قضت المحكمة ببراءة 17 متهمًا .وجاءت الأحكام بعد خمس سنوات من المحاكمة في واحدة من بين أكثر القضايا التي تتضمن اتهامات سياسية، كما قضت المحكمة بسجن بعض من المتهمين بالسجن فترات تتراوح ما بين ستة أشهر و129 سنة.
وأصدرت المحكمة أوامر باعتقال 11 من المتهمين الذين تمت محاكمتهم من دون اعتقالهم.
وبعد إعلان الأحكام قامت قوات الأمن باستخدام الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين المحتجّين على الأحكام التي تضمّنت السجن مدى الحياة لرئيس أركان الجيش في الحكومة الحالية إيلكر باسبوغ، والمتهم الرئيسي بالمحاكمة اللواء السابق فيل كوكوك المتهم بتشكيل جناح "جيتيم"، القائد السابق للجيش التركي هورسيت تولون، والمحامي الذي رفع دعاوى ضد 40 كاتبًا بتهمة إهانة تركيا كمال كيرينكسيز، والصحافي تونكاي أوزكان الذي حصل أيضًا على حكم إضافيّ بالسجن 11 عامًا في اتهامات أخرى.
وحصل رئيس حزب "العمال" اليساري دوغو بيرنسيك على حكم بالسجن 117 عامًا، كما حصل عضو البرلمان المعارض سينان إيغن على حكم بالسجن 13 عامًا، كما شملت الأحكام سجن ما لا يقل عن سبعة صحافيين فترات تتراوح ما بين 6 أشهر و22 عامًا.
ويذكر أن تركيا تتعرض لانتقادات حادة ولاذعة بسبب سجلها الفقير في مجال حرية الإعلام، وأشارت منظمة "مراسلون بلا حدود"، التي تتخذ من باريس مقرًا لها، إلى تركيا، باعتبارها أكبر سجن في العالم للصحافيين، ووفقًا لمؤشر حرية الصحافة في العالم لعام 2013 فإن تركيا يأتي ترتيبها في المركز 154 من بين 179 دولة في مجال حرية الصحافة بعد العراق وروسيا.
ومنعت السلطات عائلات المتهمين من حضور الجلسة الأخيرة، كما قامت بسد منافذ الطرق المؤدية إلى المحكمة في الصباح الباكر لمنع حافلات تحمل متظاهرين من الوصول إلى مقر المحكمة، وتشير مشاهد تليفزيونية إلى قيام قوات الأمن بإقامة المتاريس حول مقر السجن في مدينة سيليفري الذي تقع المحكمة داخله.
وحاول متظاهرون سدّ الطريق الرئيسي حول السجن بعد صدور الأحكام، ولكن قوات الأمن حالت دون ذلك عن طريق الغازات المسيلة للدموع.
ووصف محامون تلك الإجراءات بأنها "انتهاك لحقوق الإنسان والحقوق القانونية"، كما وصفوا المحاكمة بأنها "غير عادلة"، بسبب رفض المحكمة فحص الأدلة التي تشير إلى وجود علاقة قوية بين الشرطة ومكتب المدعي العام والقضاة، في محاولة غير شرعية لإسكات الخصوم السياسيين.
وأضافوا أن الأحكام الأخيرة تكشف عن أن النظام القضائي مسيّس، وبات من المستحيل أن تثق الجماهير في العدالة في البلاد.
وقامت الشرطة يوم السبت الماضي في محاولة استباقية قبل صدور الأحكام كما يقول بعض المنتقدين باقتحام مكاتب جماعة القوميين الجدد الشبابية، واحتجزت ما لا يقل عن 20 فردًا كانوا يدعون الجماهير للاحتجاج ضد المحاكمة المعروفة باسم محاكمة "إيرجينيكون"، والتي تسبب في حالة انشقاق داخل المجتمع التركي.
وكانت لائحة الاتهامات تضم 23 اتهاما ضد 275 متهمًا 66 منهم كانوا رهن الاعتقال وجميعهم متهم بالتورط في أنشطة إرهابية.
وشهدت المحاكمة 320 جلسة قام القضاة خلالها باستجواب العديد من الشخصيات البارزة التركية.
يُذكر أن العديد من أنصار الديموقراطية في البلاد كانوا يضيقون ذرعًا بتدخل الجيش التركي في الشأن السياسي بعد ثلاث انقلابات قام بها لإسقاط حكومات تركية في الماضي، وأثنت تلك القوى الديموقراطية على المحاكمة التي اعتبرتها خطوة نحو "الحكم المدني".
إلا أنه وبعد دمج عشرات الاتهامات في تهمة واحدة قام الكثيرون من فئات المجتمع على كل المستويات بانتقاد المحاكمة، ووصفوها بأنها محاولة تدعمها الحكومة من أجل إرهاب خصوم أردوغان، وأنها انتقام من جماعات دينية تعرّضت لاضطهاد على يد المؤسسة العلمانية بالطريقة نفسها في الماضي.
ويرى البعض أن الاتهامات مُلفَّقة بينما يقول الادعاء العام إن المتهمين شاركوا في التخطيط والتحريض على أعمال إجرامية، مثل أعمال قتل غير مشروعة وتفجيرات واغتيالات في محاولة لتمهيد الطريق أمام انقلاب عسكري ضد حكومة أردوغان.