الغارة الجوية على سورية
دمشق ـ جورج الشامي
غضب بعض مؤيدي النظام السوري، واستغربوا من البيان الذي بثته وسائل الإعلام على لسان القيادة العامة للجيش، لافتين إلى أنها "لم تتطرق لأي رد على الهجمات"، الإسرائيلية على "مركز الأبحاث" السوري، و"لم تشر حتى للاحتفاظ بحق الرد".وتساءل الغاضبون:" ماذا تنتظر الحكومة السورية لإعلان الحرب على الكيان الصهيوني
، أم أننا سوف نكتفي ببعض الأغاني الوطنية، وبعض بيانات شحن العواطف لرد الكرامة.. متى سيأتي دور تلك الصواريخ التي تباهينا بها بمناوراتنا.. أين كانت دفاعاتنا الجوية.. هل سنرى عقوبات بحق المتسيبين"، فيما أكد مؤيدو بشار الأسد، أن "هذه الأسئلة إن لم تجد جوابًا فصدقًا لن يحق لنا بعد اليوم استخدام مصطلح الممانعة والمقاومة، وسوف يسقط هذا المفهوم إلى غير رجعة".
وكتب أحد المؤيدين للنظام على صفحته قائلاً: "اعتقد أن الهدف من هذه العملية هي القول إن نظامنا أصبح بالٍ وفاشل وغير قادر على أي رد فعل يحفظ كرامتنا كشعب حر ومقاوم.. وأنا أقول إن لم يكن هناك رد حقيقي وعسكري وحازم، ليعذرني الجميع الآن فقدنا الشرعية"
وقال السفير النظام السوري في لبنان علي عبد الكريم قال:"إن دمشق تملك قرار المفاجأة للرد على الغارة الجوية الإسرائيلية التي ضربت مركزًا للأبحاث العلمية في ضواحي العاصمة السورية فجر الأربعاء"، مضيفًا:" يدرك الإسرائيلي وخلفه الأميركي والمتواطئون معه من الأنظمة العربية والإقليمية أن سورية التي تخوض دفاعًا عن سيادتها وأرضها تملك قرارها وتملك المفاجأة في الرد على العدوان".
ورغم هذا التصريح، إلا أن تعليقات مؤيدي النظام زادت حدتها ليعلق أحد هم: "كالعادة شاطرين بالشجب والتنديد".
في المقابل، واجه النظام التوتر والغضب والاستغراب الذي راود الشارع المؤيد له، بحملات إعلامية وصفت بأنها "مضللة، ولا تملك أي نوع من المهنية أو الصدق"، بينما اعتبرها البعض "كوميديا سوداء ولكنها رخيصة".
وأبرز هذه النوعية من المقالات ما نشره موقع "البعث ميديا" تحت عنوان "سورية تنجح في استدراج الحماقة الإسرائيلية إلى فخ بالغ الذكاء".
وجاء في المقال على لسان معتقل لدى القوات السورية: "منذ بداية الحرب وضع الأميركيون خطة تتمثل في الهجوم على قواعد الدفاع الجوي الأقل تحصينًا من الناحية العسكرية، وأن تدمير وسقوط قواعد الدفاع الجوي سوف يجعل المطارات بحالة فقدان البصر والعمى العسكري، وأن الأميركيين استلموا معركة مواقع الدفاع الجوي مباشرة وأداروها بكل التفاصيل، وكان مقاتلون معارضة يدخلون إلى تركيا في الشمال وإلى الأردن في الجنوب حيث يستلمهم ضباط أميركيون ويقومون بتدريبهم على كيفية الهجوم على قواعد الدفاع الجوي، ويوزعون عناصر الهجوم كل في موقعه، وكانوا يعطونهم كمية الأسلحة والذخيرة التي يحتاجونها".
وعن الخط الضخمة التي انتهجها النظام السوري، قال الكاتب "لم يكن المحققون السوريون بحاجة إلى توجيه الأسئلة، فقد اكتفوا بمتابعة ما يكتبه بتلاحق وغزارة، كما لم يلجأوا إلى التعرض بالأذى إلى هذا النبع الجالس أمامهم الذي يفيض بالمعلومات والحقائق عن الخطة الأميركية، وفي الأساس عن دور المسلحين، والأهم من ذلك أسرار الحرب كلها، وبالطبع فقد كان الرد السوري سريعاً، فقد تحرك الجيش السوري بناء على المعلومات التي قدمها الكنز المقبوض عليه، والذي لم يعلم بمصيره أحد إلا بعد مضي شهرين على وقوعه في الفخ، وقد تجلى الرد السوري بوضوح في سلاح الطيران وضرباته، وفي عمل المخابرات السورية داخل القطر وخارجه.. المتابع لمجريات الإحداث يستطيع وبسهولة استنتاج وتحليل الأسباب وراء كل عملية تقوم بها الجماعات المسلحة في سورية، فكل ما قامت به (جبهة النصرة) ليس سوى أهداف أميركية وإسرائيلية بحتة، وإلا ماذا يعني أن تقصف وتهاجم قواعد الدفاع الجوي؟.. هي ليست صاحبة قوة جوية".
ويتابع "وفي سياق متصل بعمل العصابات المسلحة فإن استهداف المراكز المشار إليها، ومراكز البحوث العلمية ومصانع مؤسسة معامل الدفاع، لا يمكن للعصابات القيام به، ولهذا يدعمهم عملاء استخبارات أجنبية، من ذوي الإمكانيات والخبرات التقنية واللوجستية الكبيرة، على أن يصار إلى تبني ذلك من قبل العصابات، بحيث يبدو الأمر كما لو أنه عمل داخلي بحت ولا علاقة للقوى الخارجية به".
في ظل هذه القراءة الملتوية للأحداث، وتحوير الحقائق، وقلب الحقائق لخدمة الكاتب ومصالحة الشخصية، وتقديم نفاق سياسي إعلامي غير مسبوق يتابع: "على أساس ما تقدم ونتيجة للتفوق الميداني الواضح الذي تجلى بقدرة الجيش السوري على فرض أهدافه ووجوده وبناءً على كل التقييمات التي أشارت إلى أن الحسم الاستراتيجي تحقق بالكامل أي أن إنشاء أماكن عازلة وهماً ، كان لا بد للقيادة السورية أن تبدأ باستعادة زمام المبادرة من القوى الخارجية المشغلة للعصابات، فوضعت خطة عسكرية وأمنية متكاملة وبدأت الجهات المختصة بالعمل عليها ابتداءً من يوم الخطاب الأخير للرئيس السوري في دار الأوبرا، وبالفعل كانت النكسات تصيب العصابات بشكل يومي وأيضا تصيب الاستخبارات الخارجية بشكل متتالي وما عملية تحرير الحجاج الإيرانيين إلا تفصيل في تلك النكسات، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العدو الإسرائيلي كان المتضرر الأكبر من التفوق ألاستخباراتي السوري، وبطبيعة الحال كان لا بد من عمل ما يسترجع الإسرائيلي من خلاله ماء وجهه أمام زملائه في المخابرات الأخرى، السوري معروف عنه أنه يعمل بعيداً عن الإعلام وعن التسريبات الصحافية ، وبناءً على ذلك أكمل الخطة بطريقة مبدعة، وكانت المعلومات المراد إيصالها إلى إسرائيل وأخواتها تصل بشكل مستمر عبر الدائرة الأمنية السورية وبشكل دقيق وصحيح أيضًا".
وهنا يدخل الكاتب إلى الخطة التي تمثلت في استدراج الجانب الإسرائيلي لضرب مواقع سورية من وجهة نظره، قائلاً "منذ بدء الحرب على سورية والكلام عن السلاح الكيميائي مستمر بشكل يومي، وخاصة من الجانب الأميركي والإسرائيلي، في المقابل كانت الإدارة السورية تضع الخطط والسيناريوهات المناسبة وأيضا بعيداً عن الأضواء كعادتها وبصمت مطبق وسرية تامة، تم تأمين الهدف.. بهذه العبارة أعطي الضوء الأخضر للجهات المختصة ببدء عملية استعادة زمام المبادرة الخارجية، وبهذه العبارة قصد القائل المنشأة المستهدفة الوهمية، التي ومنذ بدء الأحداث كانت موضوعة صوريًا في الخدمة ولأغراض عادية وأهداف عسكرية تقليدية غير إستراتيجية، ووصلت المعلومات إلى إسرائيل عن خطر يتهدد المنشأة المستهدفة، وأن النظام غير قادر على حمايتها لوقت طويل وأن سقوطها يعني ضياع ما فيها، وهذا في حد ذاته خطر أكبر على إسرائيل، خاصة إذا تدخل حزب الله، واستولى عليه من العصابات المسلحة".
ويواصل الكاتب:" بدأت إسرائيل بالتحضير للعملية، وعلى وجه السرعة قامت بإجراءات تضليلية بنصب صورايخ باتريوت على الحدود وكثفت من طلعاتها الجوية فوق لبنان وعلى علو منخفض وبطريقة لا توحي إلى أي عمل محتمل، أضف إلى ذلك الاحتكاك الذي حصل مع الجيش السوري في المثلث السوري ـ اللبناني ـ الفلسطيني منذ بضعة أيام، كل هذا كان تمويهاً إلى أن أتى اليوم الذي قامت فيه الطائرات بقصف المنشأة السورية، والتي بطبيعة الحال لم تعلن عن مسؤوليتها إلا بطريقة الجبان".
المفاجأة السورية، كانت بحسب الكاتب في اليوم التالي، حيث قال "انتظر السوري حتى اليوم التالي ليعلن أن الإسرائيلي قام بقصف منشأة تابعة للجيش، وعلى غير عادته لم يذكر أي شيء عن الاحتفاظ بحق الرد أو ما شابه، وأيضًا إن سرعة الإعلان السوري فاجأت الإسرائيلي، الذي اعتاد على غير هذا النمط في التعاطي السوري مع هكذا حدث، وهنا لاحظوا معي طريقة الإعلان السوري في هذا المقطع: «بات الآن واضحاً للقاصي والداني أن إسرائيل هي المحرك والمستفيد والمنفذ في بعض الأحيان لما يجري من أعمال إرهابية تستهدف سورية وشعبها المقاوم، وتشترك معها في ذلك بعض الدول الداعمة للإرهاب وعلى رأسها تركيا وقطر".
وهنا يرى الكاتب أن صياغة البيان السوري هي الرد على الهجمات، وهي النصر المبين لنظام الممانعة والمقاومة، بينما يختتم مقاله بالقول:" إخواني وأخواتي الرد السوري مستمر ومفتوح وهو يعمل إستراتيجياً أكثر من أن يكون عسكرياً فقط، وهو متعدد الأشكال ولكن بعد هذه الغارة … استعدنا زمام المبادرة".
الاكتشافات والتبريرات التي قدمها كاتب المقال، ومن خلفه الجهة الناشرة (موقع حزب البعث)، وإن كانت واضحة لكل متابع فإنها محاولة لرفع المعنويات وتبرير صمت النظام السوري.