رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني
لندن ـ سليم كرم
أكد محللون سياسيون، أن "السياسات الأوروبية عاجزة وتحتضر على فراش الموت، وأنها في حاجة إلى دعم، كي تستعيد حياتها من جديد"، فيما أشاروا إلى أن "عودة من جديد إلى ساحة المعارك السياسية، تكشف عن أزمة الزعامة التي وصلت إليها إيطاليا الآن، حيث
يتسم المشهد السياسي على ساحتها بالفوضوية والغموض، وأصبح بيرلسكوني الرمز الحقيقي والعجيب للمدى الذي وصلت إليه الحضارة الأوروبية".
ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالاً تحليليًا، جاء فيه " أعلن بيرلسكوني في لحظة انتعاشه بعلاقة غرامية مع امرأة شابة، تصغره بحوالي خمسين عامًا، عن عودته لممارسة نشاطة السياسي من جديد، وقيادته لحزب (شعب الحرية) في الانتخابات البرلمانية الإيطالية، المزمع إجرائها في الربيع المقبل، وفي ظل هذه الأجواء، قال الملياردير الإيطالي: إن رئيس الوزراء الحالي ماريو مونتي يقود البلاد بسياساته التقشفية نحو الركود الاقتصادي، و(شعب الحرية) لن يدعمه من الآن فصاعدًا، وردًا على ذلك، أعلن مونتي عزمه على الاستقالة، الأمر الذي أثار رعب الزعماء الأوروبيين، وتوتر أسواق المال، وارتفاع معدلات الفائدة على السندات الحكومية الإيطالية. وفي المقابل، تمردت عناصر من حزب بيرلسكوني، وهددت بالانفصال، وقالت إنه لو تم تنصيب مونتي كمرشح للائتلاف الوسطي فإنها ستنضم إليه، في الوقت الذي يتألق نجم (الحزب الديمقراطي اليساري) المعارض، وتشير استطلاعات الرأي أنه سيتصدر الانتخابات المقبلة، وقال بيرلسكوني أنه في حال خوض مونتي الانتخابات، فإنه سينسحب ويدعمه، وأنه في حال انتخابه للمرة الرابعة رئيسًا للحكومة الإيطالية، فإن أول قرار له هو إلغاء الضريبة العقارية، التي لا تحظى بشعبية، والتي فرضها مونتي، مما أدى إلى تبدد التهديد بالانفصال، حيث بات بالإمكان دعم مونتي من خلال حزب (شعب الحرية)".
وأضافت الصحيفة البريطانية في مقالها، إن "الأضواء الآن مسلطة على مونتي، ذلك الرجل دمث الخلق المتحضر، الذي بات عليه أن يقرر ما إذا كان على استعداد للتشهير بسمعة حملة الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهناك من يطالبه من اليساريين في البرلمان بعدم الإقدام على مثل تلك الخطوة، بينما تضع مناورات بيرلسكوني السياسية على هذا النحو انتصاراته الحالية موضع الشك، والواقع أن ما يحدث الآن في إيطاليا لا يزيد عن كونه تأكيدًا على أن المشهد السياسي الإيطالي يتسم بالفوضوية والغموض، وهي وجهة نظر لا يؤمن بها فقط المهتم بالشؤون السياسية الأوروبية، وإنما يؤمن بها كذلك المراقبون المتمرسون في الشأن الإيطالي، والأكيد أيضًا أن بيرلسكوني ليس مهرجًا، على الرغم من أنه يحاكم حاليًا بتهمة إغراء راقصة قاصر على ممارسة الدعارة، وأنه يتعرض لمحاكمات لا حصر لها، بتهم تتعلق بالفساد والرشوة، وعلى الرغم من تهريجه الغير لائق في المؤتمرات الدولية، إلا أنه في السياسة ليس بمهرج، فهو يملك جانب كبير من الصحف ووسائل الإعلام الإيطالية، وهو يتمتع بثراء فاحش، كما أنه رجل خطير نسبيًا، فهو يعد السياسي الإيطالي الوحيد الذي يملك الشجاعة لانتقاد منطقة اليورو، إلا أن أهمية عودة بيرلسكوني تكمن في الكشف عن أزمة الزعامة، وهو أمر يكاد يكون مقصورًا على إيطاليا، فمنذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها اليسار الإيطالي بقيادة بيير لويجي بيرساني الانحناء للضرورات الاقتصادية، ودعم خفض المعاشات وزيادة الضرائب، فقد اليسار زخمه الأيديولوجي، ولم يعد يستثير حماسة أي إيطالي، وعندما حاول حزب (شعب الحرية) إجراء انتخابات داخل الحزب على الطريقة الأميركية، بدأ بيرلسكوني أخيرًا التدخل في شؤون الحزب، ولم يكن هناك مرشحين مناسبين لخوض تلك الانتخابات، ونتيجة لذلك، اضطر بيرلسكوني كما يزعم إلى أن يعود إلى معترك الحياة السياسية من جديد، في ما يبدو نوعًا من جنون العظمة".
وأوضحت "الغارديان" أنه "بعيدًا عن بيرلسكوني، هناك أيضًا الكوميدي السياسي بيبي غريللو، والاقتصادي التكنوقراطي ماريو مونتي. أما عن غريللو، فقد شكل حركة شعبية تنسب كل أمراض البلاد إلى (سياسييها الأشرار)، وتكشف استطلاعات الرأي عن حصول غريللو ما يقرب من 17 % من أصوات الناخبين، ومع ذلك، فليس هناك أحد في إيطاليا لديه فكرة عن إمكان وجوده في حكومة إيطالية مقبلة، أما مونتي المتردد، فهو ليس رجل سياسة، ولا يملك رؤية لمستقبل البلاد أبعد من إضفاء بعض النظام على النظام المالي في إيطاليا، وإسعاد الشركاء الأوروبيين والمستثمرين الأجانب، وما من شك في أن غياب الرؤية السياسية عند مونتي تتعلق بحقيقة أن سلطاته كزعيم محدودة في حال انتخابه، ونظرًا لأن أوروبا الآن تأتمر بأمر برلين وباريس، فإنه ليس هناك مجال أمام إيطاليا كي تمارس الكثير من التأثير على سياساتها، فقد اشتكت بعض الصحف الإيطالية من أن إيطاليا باتت مستعمرة أوروبية، وفي ظل الشعور الطاغي بالسقوط في مصيدة عالمية يتعذر التملص منها، فإن السبيل الوحيد أمام أي زعيم إيطالي هو الكفاح من أجل الحصول على قطعة من الحلوى في بعض مؤتمرات القمة، ومشاركة شعبه فيها من دون أن يقضم أنامله، أما عن أصحاب الرؤى السياسية في إيطاليا، فإنهم لن يضيعوا وقتهم في القيام بأدوار من دون التمتع بسلطات حقيقية".
وخلصت الصحيفة في تحليلها إلى أن "الأزمات كانت تخرج في العادة بوصفات علاجية، إلا أن هذا لا يمكن أن يحدث مع زعيم يشعر بأن كل ما يمكنه فعله هو الحفاظ على بلاده التي تحتضر على قيد الحياة، على أمل حدوث معجزة، وهذا في حد ذاته ما تتسم به سياسات أوروبا، وفي ظل هذه أجواء من المشاكل التجارية العالمية، وارتفاع درجة حرارة الأرض بصورة ضخمة يصعب التعامل معها، وهذا المشهد الشائع في أنحاء أوروبا كافة، يرى المحللون أن بيرلسكوني بات الرمز الحقيقي والعجيب للمدى الذي وصلت إليه الحضارة الأوروبية".