متظاهرات من حركة إيران الخضراء
طهران ـ مهدي موسوي انشغل نظام ولاية الفقيه في إيران بسبع تحركات، بداية من قمع المتظاهرين في الشوارع باستخدام عشرات الآلاف من قوات الأمن التي خلفت وراءها مئات القتلى وآلاف الجرحى، وشن حركة اعتقالات موسعة ضد الناشطين السياسيين، والتي أدت إلى اعتقال أربعة آلاف ناشط سياسي معارض، وممارسة التعذيب والاعتداء الجنسي على المعتقلين داخل المعتقلات لنشر الرعب بين المعارضين والحصول على اعترافات وإقرارات، وإقامة محاكمات صورية، والاستدعاءات المتكررة للناشطين السياسيين للمثول أمام ممثلي الأجهزة الأمنية والعسكرية وتوجيه إنذارات وتهديدات لوقف الأنشطة السياسية، ولاسيما من قبل الطلبة، وتنفيذ حرب نفسية ودعائية لإحداث عملية تشتيت وبلبلة في عملية نقل الأخبار من داخل إيران، وتعبئة وسائل الإعلام الحكومية لتقديم معلومات مشوشة وأخبار كاذبة عن الشعب، و طرد الطلاب المعارضين من المدن الجامعية ومنعهم من مواصلة الدراسة، وفي كل إجراء من هذه الإجراءات التي اتبعها نظام ولاية الفقيه، لم تراع مصالح الشعب والدولة ولا المصالحة بينهما، ولا تضييق الفجوة التي حدثت بين فصائل رجال الدين، ولا بين التيارات السياسية الموجودة في السلطة وتلك التي خارجها، وإنما تمت مواصلة الأجواء البوليسية، وفرض السيطرة والقمع. فهل مثل هذا الوضع يعد وضعا مستقرًا. إن هناك ثلاثة عناصر جوهرية توضح القدرة غير المحدودة لمواصلة حركة الاعتراض على الحكومة الموجودة في إيران هي، القوة البشرية الضخمة التي تلقت تعليماً عاليا ومتوسطا ولم تنخرط في الاقتصاد الحكومي، وتزايد عدد سكان المدن، وتزايد المتعلمين بشكل عام في المجتمع الإيراني. ولقد نشأت حركة إيران الخضراء منذ أربع سنوات، نتيجة لتفاعلات القوى الشعبية التي خرجت في الاحتجاجات على النتيجة الرسمية لانتخابات الرئاسة 2009. واستهدفت الحركة الاعتراض على الظلم والاستبداد، وقامت بأنشطة عدة من شأنها التخلص من آفات الحكم في إيران، لكن جهودها تراجعات أمام الاعتقالات والضرب والتعذيب. ويعتبر أبرز أعضاء الحركة الخضراء في إيران، مير حسين موسافي، وزوجته زهرة راهنافارد، ومهدي كاروبي، الموضوع قيد الإقامة الجبرية في منزله منذ عامين، بينما باقي أعضاء الحركة يعيشون في السجون أو في منفاهم خارج إيران. ووفقًا لمفوضية حماية الصحافيين، تم اعتقال 40 صحافياً إيرانياً بالاقتراب من انتخابات الرئاسة المقرر انعقادها في حزيران/يونيو المقبل، وهو ثاني أكبر عدد صحافيين رهن الاعتقال على مستوى العالم. وفيما يتعلق بكبار الأعضاء ومؤسسي الحركة الخضراء، فماذا إذن عن باقي الأعضاء الأصغر شأنًا في الحركة والذين تنحوا جانبًا وقلصوا دائرة أعمالهم وبدأوا في انتهاج طرق سرية للعمل السياسي في صفوف المعارضة. منذ الانتخابات الرئاسية الإيرانية العام 1997، التي جاءت بالرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، بدأ الكثير من الناشطين السياسيين رحلة البحث عن هوية، فانضم بعضهم إلى أحزاب سياسية بينما بدأ البعض الآخر دراسات أكاديمية في حين اتجه الباقون إلى العمل الصحافي، فأدت رحلة البحث عن الهوية إلى قناعة لدى الشباب الإيراني بأنهم لن يجدوها إلا من خلال العمل الاجتماعي. وكانت الصحافة بين أشكال العمل الاجتماعي هي الوسيلة الأكثر فاعلية حيث تصل برسالة الكاتب إلى ملايين الإيرانيين وتجعله بينهم في كل وقت ويتفاعل معهم ومع ما يؤرقهم من قضايا باستمرار. وفي أوائل أيار/مايو الجاري، أعطى المرشد الأعلى، الذي أصابه الاستياء في عهد خاتمي من تخفيف قبضة الدولة على الإعلام وإظهار قدر كبير من التسامح مع الصحافة ورفع يد النظام والرقابة عن الصحيح لإتاحة قدر معقول من حرية التعبير عن الرأي، باعتقال رقم قياسي من الصحافيين والناشطين السياسيين إبان الانتخابات الرئاسية المقبلة، في إطار ما يمكن وصفه بالحملة على التعبير عن الرأي، فهل يعكس ذلك حالة من الخوف يعانيها النظام الإيراني على رأسه المرشد الأعلى آية الله خامنئي؟. وعلى الرغم من ذلك، لكن هناك أوضاعصا صعبة للغاية يعيشها الصحافيون المعارضون في إيران. فبينما كانت من هؤلاء من يدعو إلى فتح قنوات اتصال مع النظام وضرورة إجراء الحوار معه، وهي تلك النوعية من الصحافيين الإصلاحيين الذين أطلقوا على نفسه الجيل الثاني من الصحافيين الإصلاحيين بعد تشريد واعتقال وقتل الجيل الأول، إنهم تلك النوعية التي آمنت بأن احتجاجات الشارع في إيران عام 2009 على نتيجة الانتخابات الرئاسية لن تجد نفعًا وأن هناك بدائل إصلاحية. إن هؤلاء هم من تراجعوا وأبطأوا من وتيرة الكتابة الصحافية المعارضة خوفًا من القتل والاعتقال والتعذيب والاضطهاد من جانب النظام، إنهم أيضًا تلك المجموعات التي عانت الأمرين بسبب رغبتهم المتقدة في إصلاح النظام السياسية والأوضاع المعيشية في إيران، فمنهم من هو موجود حتى الآن خلف القضبان والأسوار العالية في سجون ومعتقلات النظام ومنهم من يعيش في المنفى الإجباري بينما اختار البعض المنفى بإرادتهم لتفادي الوقوع في براثن النظام. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فانقطع الاتصال تقريبًا بين من هم في الداخل ومن هم في الخارج، حرصًا على تفادي رصد النظام لتلك الاتصالات ونسج اتهامات وهمية للطرفين بمحاولة زعزعة الاستقرار في البلاد. ومن أبرز ما تعرض له الإصلاحيون على يد النظام تلك الحالة من العزلة التي يفرضها النظام عليهم في الداخل والخارج، ففي الداخل، يُحظر عليهم التعبير عن رأيهم بحرية في وسائل الإعلام ويُهددون بالاعتقال الضرب والتعذيب، بينما في الخارج يُحظر على الإيرانيين الإصلاحيين الاتصال بالداخل ويُهددون طوال الوقت باتهامات ينسجها خيال النظام بالعمالة والخيانة وما إلى ذلك من التهم التي يحصن بها النظام نفسه. ومن وجهة نظر الإصلاحيين أعضاء الحركة الخضراء بإيران، لا يقتصر هدف الحركة على التظاهرات والاحتجاجات من أجل إصلاح الأوضاع السياسية، بل يتجاوز دورها ذلك إلى حدٍ بعيدٍ، فهي حركة تستهدف تحقيق التماسك بين أفراد المجتمع وإحداث التضامن الاجتماعي بين أبناء الشعب الإيراني وأن ينعكس ذلك على كل مناحي الحياة من ثقافة وفن وإعلام واقتصاد. وتدعو الحركة أيضًا إلى أن تستمر أعمالها إلى ما بعد الانتخابات وأن يتوافق شعب إيران بقواه الشعبية والسياسية وأن يحققوا أكبر قدر ممكن من الانسجام بين أفراد المجتمع. وأشار بعض أفراد الحركة إلى أن "الانتخابات المقبلة ما هي إلا خلاف بين أفراد عائلة واحدة لابد من أن تنتهي بالتوافق". وفيما يتعلق بالأهداف السياسية للحركة، فأعضاؤها المتمسكون بالبقاء في إيران، ما زالوا يؤمنون بأن عدم تحقق الأهداف السياسية للحركة حتى الآن لا يعني الاستسلام على الإطلاق حيث أثبتت تجربة العديد من هؤلاء الأعضاء في معتقلات النظام أنهم هم الباقون وأنهم سوف يستكملون مسيرة بدأتها الحركة. وحتى لم تتحقق الأهداف السياسية للحركة الآن، فمن المؤكد أنها تحتاج إلى مزيد من الوقت لتحقق على المدى الطويل، ومع ذلك، أكد بعض أعضاء الحركة أن ينبغي التوقف لالتقاط الأنفاس، إذ يجب التوقف عن القيام بأي نشاط سياسي أو حضور أو تنظيم فاعليات سياسية في الشارع لمدة شهر، فيتمكن الناشطون والصحافيون الإصلاحيون من التقاط الأنفاس وأخذ استراحة قصيرة لاستئناف النشاط السياسي والعمل العام بروح عالية، تستهدف الاستراحة مساعدة الناشطين على العودة إلى العمل بحالة معنوية جيدة ليتمكنوا من العمل بفاعلية أكثر. ولا تعني الاستراحة من عناء العمل العام والسياسي أن النشاطين سيستسلمون للأمر الواقع، أو أنهم سيتخلون عن إيران، بل هي وقفة لالتقاط الأنفاس.