انتحار الفتيات في العراق

ازدادت ظاهرة انتحار الفتيات في العراق خلال الآونة الأخيرة، وعلى الرغم من أنّ أسبابها متنوعة وعدة، ومنها القلق النفسي والاكتئاب؛ إلا أنّ العوامل الاجتماعية التي تحاول النيل من حرية المرأة، وخنق خياراتها سبب رئيس للانتحار، وتتعدد طرق انتحار العراقيات، بين تناول جرعة قاتلة من السم أو الدواء أو إلقاء النفس في مياه الأنهر العميقة أو إشعال النار في أنفسهن.

وفي بعض الأحيان، تفكر الفتاة بالهرب من البيت مع خطيبها تخلصًا من الأهل ومن فكرة الانتحار أيضًا، وهذه الفتاة يطلق عليها "الفتاة المختطفة" التي تظل من وجه نظر الأهل، عارًا لا يمحى؛ إلا عبر العثور عليها وقتلها، وأكثر ما تقدم عليه فتيات العراق عند التفكير في الانتحار؛ حرق النفس.

ومازالت غيداء كريم، طالبة في المرحلة الرابعة في الجامعة المستنصرية تعيش "عقدة نفسية" منذ أن أقدمت أختها الكبيرة على الانتحار من خلال سكب البنزبن على جسدها عام2010، ولا يمكن معرفة الأسباب الحقيقية، وراء إقدام أختها على الانتحار، فهي تجهل ذلك تماما، وعلى الرغم من أنّ هناك أسبابا كثيرة لانتحار الفتيات في العراق؛ إلا أنّ القناعة المجتمعية تربط الأمر غالبًا مع دوافع جنسية.

فالانتحار في العراق ذا خصوصية، سيما ما يخص محاولات الانتحار المتكررة لفتيات عراقيات، بسبب الطبيعة المحافظة للمجتمع، والتركيبة الاجتماعية والعشائرية، فضلًا عن التفكير الديني الذي ارتفع في الآونة الأخيرة، وكلها عوامل من المفترض أن تكون "كوابح" لعجلة زيادة حالات الانتحار؛ لكن مع ذلك كله؛ فإن المؤشرات تدل على أنّ الظاهرة في تزايد.

وتكثر حالات الانتحار، بحسب ملفات اطلعت عليها "العرب اليوم"، من أرشيف جهات أمنية مختصة في هذا الشأن، داخل محافظات الوسط والجنوب من العراق، فالفتيات يلجأن إلى الانتحار بسبب "محارم الزنا"، من خلال الاعتداء الجنسي من الأخ او الأب، وحتى العم والخال؛ فتضطر الفتاة إلى الانتحار لأنها أفضل وسيلة لها لمحو العار الذي سيلازمها مدى حياتها.

وتشيع في أغلب مدن العراق حوادث انتحار النساء؛ لكن أغلبها لا ترى الضوء، أو يخفيها أصحاب الشأن عبر تغليفها في قصص وحكايات ثانية تجنبا لإشاعة الخبر على الملأ.

وتسرد بيادر علي كيف أنّ صديقتها ميساء تناولت عشرات حبوب "الباراستيمول" لغرض الانتحار، لأن والدتها رفضت تزويجها من زميل لها كان معها في الجامعة نفسها، والمثير في الحادثة أنّ أهلها استمروا في رفضهم، ما اضطر الفتاة إلى الهروب مع حبيبها في اتجاه الأردن سريًا بعد زواجهما.

والشيء المؤسف في هذه القصة، وعند دخولهم العش الزوجي، داخل أحد الفنادق في العاصمة الأردنية عمان، وبعد قضاء ليلتهما الأولى معًا، وبعد طول انتظار، يتفاجئ الزوج في الصباح بموت زوجته والسبب كان اختناقها بواسطة الغاز الذي كان يتسرب من الأنابيب، وتركت الحادثة آثارا نفسية لا تمحى لدى والدتها التي شعرت بذنب قتل ابنتها.

وتروي فريدة محاولة انتحارها بسبب تخلي خطيبها المقيم في أميركا عنها بعد انتظاره عشرة أعوام، مبرزة أنها تلقت خبرًا من خطيبها السابق يفيد انتقاله إلى تركيا لحين إكمال معاملة سفرها إلى فلوريدا، وفعلا ذهبت إلى اسطنبول وبقيت هناك نحو العام، وأصابها الذهول بعد طول انتظار، أنّ خطيبها تخلى عنها حيث أرسل لها مبلغا من المال ورسالة اعتذار، عندئذ قررت فريدة الانتحار حين وجدت أنها ضاقت بالحياة ذرعا.

 وعند عودتها إلى العراق أقفلت الباب على نفسها وقطعت شريان يدها؛ لكن سرعة اكتشاف الأمر من أختها حال من دون موتها حيث عولجت في المستشفى.

وفسرت الباحثة الاجتماعية سجى عبد المطلب لـ"العرب اليوم"، سبب ازدياد حالات الانتحار لدى الفتيات، في أنّ المرأة العراقية تعاني من ضغوطات اجتماعية ونفسية داخل الأسرة، مبينة أنّ ما يحدث ليس عملية تراكمية من كآبة وأمراض ثانية تؤدي إلى تقدم متدرج في الإيمان بفكرة الانتحار؛ بل إن ما يحدث للفتاة العراقية لحظة انفجار بعد مدة زمنية تتباين من فتاة إلى ثانية، وهذا الانفجار يقود إلى محاولة الانتحار المفاجئ.

وذكرت الناشطة في حقوق المرأة هناء ادور لـ"العرب اليوم"، أنّ الحكايات والقصص تلفق في الغالب نحو الفتاة المنتحرة، حيث تتركز في أغلبها على محور الجنس والشرف، موضحة أنّه في العام الماضي، انتحرت فتاة في كربلاء عبر حرق نفسها داخل غرفتها، وكانت الأسباب بحسب الإشاعات أنها حامل، وفق طريقة غير شرعية، وحين اكتٌشِف أمرها أقدمت على الانتحار.

وأضافت ادور: "اطلعت على تفاصيل الأمر وتقرير الطبيب حيث أثبت عكس ذلك، فلم تكن الفتاة حاملًا على الإطلاق، ولم نستطع معرفة الحقيقة حتى من أهلها الذين لا يودون الحديث حول الموضوع، ويعدونه تدخلًا في الأمور الشخصية"، ولا تستبعد أن تكون هناك الكثير من حالات القتل التي تدرج تحت مسمى "الانتحار"، فهناك من الأسر من تتخلص من البنت عبر قتلها غسلًا للعار؛ لكنها تصرح للشرطة والرأي العام بأنها أقدمت على الانتحار.

وترى، أنها لا تجد وجه مقارنة من الناحية العددية بين العراق ودول ثانية، فمازالت أعداد المنتحرات في العراق قليلة قياسًا إلى الدول الأوروبية على سبيل المثال، منوهةً إلى أنّه على الرغم من توفر البيئة النفسية والاجتماعية والبيولوجية والثقافية المناسبة لتولد فكرة الانتحار في العراق؛ إلا أنّ الواعظ الديني والإيمان العقائدي الذي يشترك فيه معتنقي الأديان في العراق يحول من دون تفشي الظاهرة.

وزادت أنّ القلق النفسي أحد أسباب الانتحار في العراق، وأيضًا الاكتئاب؛ لكن العوامل الاجتماعية التي تحاول النيل من حرية المرأة وخنق خياراتها سبب رئيس للانتحار.

ولا توجد في العراق إحصاءات رسمية عن حجم ظاهرة الانتحار؛ لكن المشاهدات الميدانية والروايات التي يتناقلها الناس تسلط الضوء على حالات الانتحار، وتشير إحصائيات لـمنظمات المجتمع المدني والدولي، أنّ ظاهرة الانتحار في العراق في تزايد حيث سجلت 88 حالة انتحار في قضاء سنجار، خلال خمسة أشهر، وسجل أكثر من 35 انتحارًا في الديوانية خلال ستة اشهر، مقارنة مع تسع حالات انتحار خلال 13 عامًا من الحصار الاقتصادي، ولم تكن بغداد بعيدة عن هذه الظاهرة فسجل فيها 18 حالة انتحار، خلال شهرين.

 أما في إقليم كردستان العراق، فتتزايد حالات الانتحار لتشمل الأطفال والرجال والنساء والنسبة الأعلى لانتحار النساء حرقًا في عدد من القرى، وحتى في مدن الإقليم، وهذا ما سجلته منظمات عالمية، مشيرة إلى خطورة الأرقام العالية في الانتحار.