الحياة ما بعد الموت لأناس عاشوا تلك اللحظات

يبقى التساؤل عمّا قد نلاقيه بعد موتنا واحدًا من أكثر ألغاز الحياة غموضًا، غير أن بعض الأشخاص الذين ماتوا إكلينيكًا بالفعل لفترةٍ وجيزة من الزمن يعتقدون أنَّهم يملكون الإجابة. وشارك بعضٌ ممن يظنون أن لديهم تصورًا عمّا قد يحدث بعد الموت عددًا من القصص بدايةً من الشعور بالسلام إلى لقاء الأحبة الراحلين، وحتى رؤية الله!

قد نصدق تلك الروايات أو لانصدقها ولكن تلك الرؤية أو ما يمكن أن تسمى الحياة ما بعد الموت رواها الكثيرون ممن عاشوا هذه التجربة، ويؤكد طبيب القلب اللبناني الشهير سمير علم أن توقف القلب لثواني أو دقائق من الممكن أن تنقل الإنسان إلى عالم قد يعتبر بالنسبة لنا مجهولًا على الإطلاق لولا الروايات التي يحكيها العائدون إلى الحياة، وهذه الحالات نادرا ما تحصل, وإذا ما حدثت فإننا لا يمكن أن نعتمد على روايات ليست موثقة علميا وبالتأكيد لا يوجد دليل مادي عليها.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه مجموعة كبيرة ممن يطلق عليهم العائدون إلى الحياة أنهم رأوا أشياء كثيرة من العالم الآخر، ويصرون أن ما شاهدوه في العالم الآخر هو حقيقة حتى أن البعض منهم تمنى لو لم يعد إلى هذا العالم الدنيوي، وتقول إحدى السيدات إنَّها لم تعد تخاف الموت بعد أن شهدت مكانًا جميلًا، مليئًا بأناسٍ وكلابٍ سعيدة وهي طفلة. فيما شارك أحدهم قصةً مخيفة بشأن ذهابه إلى الجحيم ورؤيته شيطانًا بدا كأنَّه "نملةٌ ضخمة تتحرك فوق حممٍ بركانية"، وفق وصفه.

وأضاف أنه رأى الشيطان بعد موته إكلينيكًا قائلًا: "منذ نحو 20 عامًا تناولتُ جرعة دواء زائدة عمدًا. لست متأكدًا أن كنت قد مِتُّ أثناء نومي أم ماذا، لكنِّي أذكر ذهابي إلى الجحيم". وكان الشيطان نملةً ضخمة مشتعلة تتحرك على حممٍ بركانية، وهذا غريب لأنِّي لم أعهدني خائفًا من النمل إلا في سن الخامسة حين سقطتُ في عش نملٍ ناري وأُخِذتُ إلى غرفة الطوارئ إثر الصدمة. ولم أشارك هذه الذكرى سوى مع 3 أو 4 أشخاص في حياتي. وأظن أن حقيقة معرفتي بذهابي للحجيم ستخيف أغلب الناس لأنِّي الآن متيقنٌ من وجود حياةٍ أخرى بعد الموت".

ووصف آخر الموت باللاشيء، إلا أنَّه كان غامرًا بالسلام، إذ كتب: "كان غامرًا بالسكينة، من دون أضواءٍ أو بواباتٍ نفيسة أو ملائكة، لا شيء سوى إحساس غامر بالسعادة. كنتُ قد تعرضت لحادث سير مريع أدى إلى تشكّل عددٍ من الجلطات في قلبي، حتى أنَّني مِتُّ لقليلٍ من الوقت. حين أفقت، كان الكل يصرخ فيَّ لأتنفس. كنتُ غاضبًا لأنِّي لم أكن متأكدًا من أنِّي كنتُ أتنفس فحسب، بل لأنهم أيقظوني من أعمق نومٍ استغرقُ فيه منذ الحادثة. لا شيء سوى الأمان والسكينة في الجانب الآخر".

واختبر أحدهم شعورًا بالخلاء قبل رؤيته أنوارًا ساطعة وانضمامه إلى ما وصفه بـ"الوعي الكوني"، وقال: "ما أذكره هو فراغ هائل، شيءٌ من الصعب وصفه لأنَّنا دائمًا ما يحاوطنا شيءٌ ما أينما مشينا". وأضاف: "فجأةً، في هذا الفراغ الشاسع، لمعت ومضةٌ من نور كانت تزداد اتساعًا. إمَّا أنَّني كنتُ أتحرك تجاهها، أو أنَّها كانت تتحرك تجاهي. وكلما اقتربت، ما بدا أنَّه مصدر إنارة واحد حال إلى مصادر عدة، ثم إلى ملايين وملايين النجوم، من جميع الأحجام والأشكال والألوان، محاطةً بأطنانٍ من السدم".

"كان هذا أجمل ما رأيت. وكلما اقتربتُ من المركز، شعرُت بأنِّي أنضمُّ إلى وعيٍ كوني، أو كيانٍ شكله أفكار، ومشاعر، وتجارب كل كائنٍ كان حيًا يومًا ما"، يعترف بإحساسه ويضيف: "أنا واثق بأنَّ هذه التجربة ليست إلا هلاوس انتابتني بسبب الصدمة التي تعرضتُ لها قبل أيام، بجانب توقف قلبي وجهازي التنفسي عن العمل. لكنْ هناك جزءٌ مني يتمنى لو أن ما رأيته هو ما نختبره فعلًا حينما نموت".

وحكى أحد مستخدمي "ريديت" ما حدث لعمّه بعد وفاته للحظات قائلًا: "كان عمي مدمنًا لـ"المخدرات"، وقد تناول جرعةٍ زائدة أكثر من مرة، إلى أن احتاج للإنعاش في إحدى المرات، وعندها توقف تمامًا عن تناول المخدرات. غاب عن الحياة لدقيقتين كاملتين. وتوقفت كل وظائفه الدماغية عن العمل، وتعطل جسده كله. أخبرني أن الشيء الوحيد الذي يذكره أنَّه كان جالسًا على طاولة نزهة في المنتزه القائم خلف المنزل الذي تربّى فيه، المكان الوحيد الجميل الذي تحتفظ به ذاكرته، وكان جالسًا برفقة أحدٍ يعرف أنَّه يحبه، رغم أنَّه لم يميز هويته".

ويتابع: "يحكي عمّي أنَّه تحدث معه، لكنَّه عجز تمامًا عن تذكر ما قاله، لا يذكر سوى أن ذاك الشخص قال له: (سأراك لاحقًا، لا تنسني). وبعد ذلك، تم إنعاشه من جديد". وروى أحدهم أن أخاه رأى بوابات سوداء، وسمع أحدًا يخبره بأنَّه لم يحن ميعاده بعد، فقال: "أخي أخبرني عن هذه المرة التي تناول فيها جرعةً زائدة من الدواء ومات للحظة. وحكى أنَّه رأى بوابةً سوداء، وسمع صوتًا يخبره أنَّه لم يحن ميعاده بعد. في البداية، لم أصدقه، لكنَّه ظل يتحدث عن الأمر مرارًا وتكرارًا حتى أنَّه صار مهووسًا به. أخي ملحدٌ شديد الاقتناع، لذا أظن أن الأمر أخافه".

وقالت سيدةٌ تبلغ من العمر 60 عامًا إنَّها لم تعد خائفة من الموت بعد أن زارت مكانًا جميلًا ومسالمًا وهي طفلة: "كنتُ أبلغ من العمر 5 أو 6 أعوام، وكنتُ أعاني من حالةٍ طبية خطيرة، لكنِّي أذكر أن أحدهم اقتادني من يدي في شوارع مدينة صغيرة جميلة، محاطة بحدائق كبيرة، ومليئة بالناس والكلاب السعيدة. لعل من اصطحباني دميتان جميلتان كاللواتي يظهرن في افلام الكرتون لأنَّ أحدًا كان قد اشترى لي زوجين منهما كهدية وقتها. وأدركتُ أن خيار البقاء في هذا المكان أو العودة إلى والدي كان بيدي".

وتضيف: "رغبتُ في أن أبقى في هذا المكان، لكنِّي اخترتُ العودة إلى والديّ، فرحيلي كان ليقضي عليهما. كان الخيار بيدي تمامًا، ولا يساورني أي شكٍ من أنّي كنتُ لأموت فقط لو كنتُ اخترتُ البقاء هناك". وتوضح: "أعتقد أن مثل هذه الأمور يختبرها الأطفال من منظورٍ يتناسب مع قدرتهم على الاستيعاب. إمَّا ذاك أو أن عقلي الباطن كان يحاول إخباري بأن أحارب الموت لو كنتُ أرغب في البقاء حية. أيًا كان ما اختبرته، كان الخيار بيدي. اخترتُ شيئًا وتحقق فعلًا. مضى نحو 60 عامًا وما زلتُ هنا. أتوق أن أموت ميتةً طبيعية يومًا ما وأعود إلى هذا المكان الجميل ثانيةً. لا أستطيع الانتظار!".

وتختم حديثها قائلة: "أعرف أن هذه التجربة جعلتني لا أخاف الموت. لا أريد أن أموت، لكن لو صدمتني حافلة اليوم، لا بأس. فكل شيء سيكون على ما يرام. تركت التجربة بداخلي أيضًا إحساسًا قويًا بأنَّ المكان الجميل الذي رأيته هو موطني الحقيقي، وأنَّ حياتي الدنيوية مؤقتة، غير أبدية. من الصعب أن أصفها لأنِّي كنتُ صغيرة للغاية، لكن بإمكاني أن أقول إنَّها غيرت نظرتي للحياة تمامًا رغم صغر سني".

يروي آخر أن أباه اختبر الموت مراتٍ عدة، وكان قد رأى صفًا ذات مرة يضم أناسًا من مختلف الثقافات ينتظر في الجانب الآخر، إذ قال: "مات أبي عدة مرات، وفي كل مرة روى أنَّه انضم لصفٍ يضم – حسبما رأى- أناسًا من مختلف الأعراق والأديان. اختبر الموت 8 مرات على مدار حياته. وفي كل مرةٍ حدث الشيء ذاته". وتأكد أحدهم من وجود الجنة بعد أن مات لبرهةٍ قصيرة والتقى صديقًا قديمًا أخبره بأنَّ ميعاده لم يحن بعد، فقال: "كنت قد فقدتُ وعيي للتو، ورأيتني وسط مساحةٍ شديدة البياض، بها أثاثٌ أبيض اللون، أتحدث مع أحد أصدقائي المقربين. كُنَّا نحتسي شرابا لم اذق الذ منه من قبل ونتبادل أطراف الحديث، وقال لي حينها: آسف، لم يحن ميعادك بعد. استعدتُ وعيي في غرفة العناية المركزة، وأول ما لفظته كان اسم صديقي. أعلم أني قلتُ اسمه لأنَّ أمي وأختي قد سمعاني".

ويضيف: "بعد نحو أسبوعٍ ونصف من رحيل عائلتي، أخبرني الأطباء بما عجزوا عن إخبارهم. إذ توقف قلبي عن العمل، واضطر الأطباء لصدمي بالكهرباء 3 مراتٍ حتى أفقت، مرةً في أثناء طريقي إلى غرفة العمليات، ومرتين خلال إجراء العملية نفسها. كمسيحي، لطالما آمنت بالجنة، لكنِّي الآن متيقنٌ من وجودها، وكنت على شفا حفرةٍ منها، لكنِّي لم أكن واعٍ بذلك وقتها".

وروى أحد العائدين من العالم الأخر ، مشيرًا إلى القصة المشهورة عن استعراض من يموتون لحياتهم  أمام أعينهم: "مِتُّ لفترة من 5-10 دقائق نتيجة لسكتةٍ قلبية. كان الأمر أسود، وباردًا، وتضمن ذكرياتٍ عمَّا فعلتُ في حياتي. بدا الأمر كهلاوس، لكنَّه كان واضحًا رغم ذلك. وفجأة شعرتُ بأحدهم يحاول إسعافي عن طريق التنفس الاصطناعي، ووجدتني أُصارع من أجل التنفس. واضطر الأطباء والممرضات لتثبيتي على الطاولة لوجود الأنابيب والأسلاك (كنتُ في المستشفى)".

وروى أحدهم ما حدث لوالده، وكيف أنَّه شعر بانعدام الوزن: "هذا حدث لأبي. أخبرني أن اللون الأسود كان يحيط به، وأنَّه شعر بالسلام وانعدام الوزن بصورةٍ كبيرة. ثم ظهرت نقطة ضوء، وظلت تكبر وتنفتح حتى عاد إلى عالمنا، وشعر بأنَّه عاد إلى جسده وأنَّه يزن مئات الكيلوغرامات.