مجاعات الصومال

يعيش أكثر من ألف شخص في مأوى مؤقت، يقع في أرض قاحلة خارج بلدة عينبه الصومالية، في محاولة منهم، للبقاء على قيد الحياة من المجاعة، التي دمرت نمط حياتهم، وتهدد الآن حياتهم نفسها. وهذا العدد ضمن 6 مليون صومالي بحاجة إلى مساعدات غذائية عاجلة، في سبيل الحيلولة من دون وقوع سيناريو مجاعة 2011، التي أودت بحياة ربع مليون شخص.

وسافرت الأم الصومالية أمينة ضاهر، التي تبلغ 30 عامًا، لمدة يومين مع أطفالها الستة وباقي أفراد أسرتها، للوصول إلى ملجأ عينبه، وذلك عقب نفوق أخر مواشي العائلة، وهي أحد الذين يقولون إن المساعدات التي يتم تقديمها للمأوى تكاد تكون معدومة. وتقول أمينة وهي ممسكة بوعاء فارغ، "يأتي الناس مثلنا كل يوم إلى هنا، حاملين أخر ما تبقى معهم من متاع، ولكن هذا ليس ملاذًا، فلا يوجد شيء لنأكله أو أي مكان لنذهب إليه"، مشيرة إلى غياب المساعدات الحكومية أو المجتمع في الوقت الذي يعاني فيه الناس من سوء التغذية، وتفشي الأمراض بين الأطفال.

وتعد الصومال واحدة من ثلاث دول أفريقية تهددها المجاعة، وفي أجزاء من جنوب السودان، تم الإعلان بالفعل عن وجود مجاعة، فيما يواجه العالم احتمالات غير مسبوقة لأربع مجاعات في آن واحد. إضافة إلى الجفاف الذي طال لمدة ثلاثة أعوام في منطقتين في الصومال، جعلت البلاد على شفا حفرة من الانهيار. وهاتان المنطقتان مميزتان باللون الأحمر على خرائط الأمن الغذائي التي صممتها وكلات الأمم المتحدة، وهذا اللون يعني المرحلة قبل الأخيرة من وقوع المجاعة.

وتشمل المنطقتان المميزتان باللون الأحمر مساحة شاسعة مكتظة بالسكان في جنوب الصومال، تخضع أجزاء منها، لسيطرة حركة الشباب المجاهدين الصومالية المتطرفة، وهو ما يجعل دخول المساعدات إلى تلك المناطق أمرًا معقدًا. وفي المناطق الحمراء الأخرى، التي تنتشر على الولايات الصومالية الأخرى ذاتية الاستقلال، تقع بلدة عينبه، التي كانت يومًا ما أرضًا خصبة ومرتعًا لمراعي خضراء، وما لبث أن تحولت إلى أرض قاحلة، تنتشر على طرقاتها جثث الماعز والأغنام.

ولا يحتاج الطبيب حمود محمد، إلى خرائط مشفرة لقياس حجم المشكلة، ففي عيادة الصغيرة في مدينة بوراو، ثاني أكبر مدينة في الصومال، تنتظر عشرات الأمهات خارج أبواب العيادة آملين في تلقيح أطفالهن، وتلقيهم للرعاية السابقة للولادة وعلاجات أخرى. ويشير الطبيب بيديه إلى رسم بياني على الحائط، يظهر ارتفاع مهول في عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الشديد، ويقول "مشكلة الجفاف الأخرى، هو كيف يقوم سوء التغذية بتعقيد الحالات الطبية الأخرى، مثل الحصبة التي تفشت بين الأطفال، وغيرها من الأمراض والعدوى التي تهدد حياة الأطفال".

ويعجز بعض الوافدين الجدد على المنطقة على تحديد الاتجاهات والحصول على المساعدة. وفي مهبط طائرات بوراو، تجلس رضا محمود، مع مئات الأسر، وتمسح بهدوء على رأس ابنة أختها أيان الشاحبة والتي تبلغ عامين، وتخضع لرعايتها منذ وفاة أمها أثناء ولادتها. وتضم أسرتها 10 أطفال آخرين، وكانت تعيش على الأرز والشاي لفترات طويلة قبل أسابيع من وصولها إلى عيادة الطبيب حمود. وتقول قريبة رضا، كيسي فرح عبدي، إنها سارت مع أسرتها لمدة أيام في سبيل الوصول إلى العيادة، لأنها سمعت إشاعة مفادها أن السلطات الصومالية تقدم مساعدات للمنطقة. وحال وصول الأسرة انتظروا لفترة طويلة، وعاشوا على كميات صغيرة من الأرز وتبرعات من الشاي والسكر، لكن المساعدات لم تأت حتى الآن، إضافة إلى ماشيتهم تشهد رمقها الأخير في الوقت الراهن.  وعن ذلك تقول كيسي بهدوء وهي ترعى الماشية، "سمعنا من الناس أن العشب والماء سيكون هنا، ولكننا لم نجد أي شيء، ونعيش الآن على التبرعات وفتات الطعام".

وفي نفس السياق، أصدر العاملون في مجال حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية، تحذيرات متكررة، فيما حذرت منظمة إنقاذ الطفولة، هذا الأسبوع، أن المجتمع الدولي عاجز عن تعلم الدروس التي أدت إلى حدوث المجاعة السابقة، موضحًا أن جميع الإشارات التي تؤكد وقوع المجاعة جلية للغاية. وكشف الرئيس التنفيذي للمنظمة، كيفن واتكينز، خلال زيارته للبلاد الأسبوع الجاري، بأن حجم المعاناة أكبر مما كانت عليه عام 2011، مشددًا على أن هناك ارتفاعا كبيرًا في حالات الوفاة الناتجة عن الكوليرا والإسهال الحاد.

وأضاف "نظرًا لحجم الأدلة والبراهين، فلا يمكن تبرير تغافل المجتمع الدولي إزاء الأزمة التي تواجه الأطفال في الصومال"، داعيًا الدول المانحة إلى التحرك بشكل عاجل، وأن هناك حاجة إلى تخصيص 677 مليون يورو بحلول يونيو/حزيران المقبل، لإنقاذ الناس من الموت والبدء في عملية الإنعاش. ووجهت منظمة "أكشن أيد" الخيرية البريطانية، انتقادات مماثلة للمجتمع الدولي، مشيرة إلى أن دعوة الأمم المتحدة لإنقاذ الصومال في 2017، تلقت تبرعات بحجم 110 مليون يورو، أي ما يعادل 11 في المائة من المبلغ المطلوب.