بغداد – نجلاء الطائي
قد لا يصدق أحدٌ القصص المتداولة عن نساء نازحات تم التحرش بهن، كشرط لتأمين المساعدات الغذائية أو تأمين المأوى لهن بعد هروبهن من تنظيم داعش، وعلى الرغم من أن هذه الحالات محدودة في بعض مناطق العراق، إلا أنها موجودة، وإذا كانت محاولات الانتحار باءت بالفشل بعد التمكن من إسعافهن، لكنها تركت سلسلة تساؤلات حول مصير هؤلاء بعد تلقيهن العلاج وكيفية تأقلمهن مع واقعهن الجديد، وتحديدا لجهة الخوف من المجتمع الذي لا يتقبل مثل هذه الاضطرابات، ومن يحمي هؤلاء من تكرار هكذا تجارب، خصوصاً أن شيئا من الأسباب التي كانت دفعت بهن إلى الانتحار لم يتغير، وفق إفادات بعضهن.
وتحدّثت المعلومات عن محاولة بعض النازحات الانتحار عبر تناول كميات كبيرة من الأدوية، أو السموم المخصصة للمزروعات للتخلص من حياتهن التي لم تعد تنفع للحيوانات والكلاب السائبة، حسب وصفهنّ.
وأكدت النازحة ايناس عثمان: "تعرضت مع اثنتين من شقيقاتي الى التحرش من قبل حراس المخيم ومن النازحين الاخرين لأننا نعيش وحيدات، بعد انفصالنا عن اسرتنا"، مشيرة الى أن الكثيرات يتعرضن للتحرش والاعتداء في المخيم الذي تسكنه، دون ان يكون هناك رادع لمثل هذه التصرفات، وانفصلت ايناس مع شقيقتيها، غصون وايثار، عن العائلة بعد دخول التنظيم المسلح الى منطقتهم ولما لم يكن بمقدور أبيها وهو الرجل المسن والوحيد في البيت المغادرة معهن، طلب منهن الذهاب خوفا عليهن من الاغتصاب وما يسمى "بجهاد النكاح" الذي يفرضه المسلحون"، أما سرور عبد النبي التي تسكن حاليا في احد ضواحي بغداد، زوّجها والدها قسرا من شيخ عشيرتهم، قبل ان ينزحوا من القرية التي اقتحمها المسلحون ليضمن شرفها، وهي الزوجة الثالثة لشيخ العشيرة الذي يكبرها بأربعين عاما، وأضافت: "هذا الزواج بدد أحلامي في ان اواصل دراستي وأتخرج لأصبح معلمة"، مؤكدة أن تقاليد العشيرة والشرف الملتصق بعذرية الفتاة كانت "اقسى عليها من الحرب المستعرة."
وتعيش الفتيات والنساء النازحات اوضاعا صعبة في المخيمات، فهن عرضة للتحرش والاعتداءات المستمرة، بالاضافة الى تزويجهن قسريا للحفاظ على شرفهن، في ظل غياب اي حماية لهن، النازحة "و- ظ" تدعى بأم ورود وهي أرملة منذ عام 2006 ولكنها لا تزال امرأة جميلة رغم الأذى الذي لحق بها من شظف العيش وغياب الزوج عاشت لمدة طويلة مع أهل زوجها في ناحية الاتروش شمالي العراق وتزوجت بعد مدة من استشهاد زوجها بابن صديقة والدتها وحصلت أحداث الموصل وسقوطها بيد داعش في العاشر من حزيران لعام 2014 لتكون من ضمن العوائل النازحة ليكون قدرها أرملة للمرة الثانية فزوجها قتل لأنه رفض أن يعطي المستمسكات والأموال التي بحوزته وحملت «و» ابنتها ورود وابنها الذي ينمو في أحشائها لتكون مع القوافل البشرية النازحة ولا تعرف مصيرها الى أين، مرت أشهر على الحادثة لتلتحق بأقارب رفيقة لها من النساء النازحات في منطقة الفضل وسط بغداد وعلى الرغم من أن البيوت صغيرة جدا في هذه المناطق الشعبية وفي هذه الأزقة لكنها أفضل حالا من حياة المخيمات.
وكشفت أم ورود في حديثها لـ"العرب اليوم" : فرحتُ إني ولدت وكان ابني على ما يرام وحمدتُ الله انه لم يمت بعد معاناة الطريق والركض هروبا من رصاص وبطش داعش ولم يمت رغم الجوع والعطش الذي حاصرنا وقلت في نفسي يبدو أن الله سبحانه وتعالى يريده ان يعيش ليكون الرجل الذي سيحميني من ظلم الدنيا بعد استشهاد زوجي وليس لي أهل ولا وطن اليوم"، وأضافت: " لكن لم أكن اعرفُ أبدا إنني سأتعرض للتحرش الجنسي من العائلة التي أقيم معها، كان لديهم الابن الأكبر متزوج ولديه زوجة رائعة أرادت مساعدتي وان اعمل بأي مهنة شعبية لتدر علي بالمال كالخياطة أو أن أعمل مضمدة ولكن زوجها كان يحتسي الخمر ويتحرش بي دائما وذات مرة حاول اغتصابي لولا زوجته التي أنقذتني منه وتتكرر المحاولات يوميا مما اضطررت الى ترك البيت والعيش في دار المشردات في بغداد"، وتابعت حديثها والدموع تملأ عينيها: "الحياة مرة جدا ولم اعد ارغب بالعيش رغم ان لديّ طفلين فالحياة ليست لي بل للنساء اللواتي لديهنّ رجال يعشن في حمايتهم".
وهناك قصص كثيرة عن النساء النازحات وقصص أكثر معاناة من قصة أم ورود وهي مشاهد مروعة ووحشية وبعيدة عن التخيل والتصور كما أنها بعيدة عن أنظار الإعلام، ولا يعلمها غير اللواتي شهدن مأساتها، ومن هذه القصص المأساوية تقفز قصة النازحة "ر، ش" وهي مراهقة بعمر 15 عاما تعيش الآن في منطقة السعدون وسط بغداد، وينقل أحد مرتادي النوادي الليلية أن النازحة "ر" أصبحت راقصة في ملهى بعد أن تعرضت لأكثر من عشرين محاولة اغتصاب على أيدي تنظيم داعش في الموصل وهربت منهم بواسطة رجل من أهل مدينة الموصل الذي أشترها منهم بقيمة ألفي دولار لتعمل عنده راقصة وبائعة هوى في النوادي الليلية في منطقة السعدون"، كما روت له، ولم تكن النساء الوحيدات اللواتي تجرعن مرارة السلوك الإجرامي، إذ ارتكبت تلك جرائم وانتهاكات بشعة لحقوق الإنسان ضد أبناء الموصل، ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من العائلات باتجاه إقليم كردستان ومناطق أخرى، وكان أبشع تلك الجرائم هي حالات الاغتصاب التي تعرضت لها النسوة في تلك المدينة.
وأوضحت النازحة سعاد جبار التي زوجت ابنتها البالغة من العمر خمسة عشر عاما انها نزحت من الفلوجة قبل عامين، بسبب الوضع الامني الذي تعرض له النازحون في بداية موجة النزوح، وبسبب خشيتها على ابنتها من التعرض للتحرش الجنسي والاعتداء، فإنها قامت بتزويجها الى احد الاقارب في بغداد، وبما ان المحاكم المختصة لا تسمح بابرام عقد الزواج بمثل هذه السن غير القانونية، فإن سعاد زوجت ابنتها زواجا عرفيا لا تترتب عنه اية حقوق او ضمانات مستقبلا، لكن خشية الام على سمعة ابنتها، دفعتها لتزويجها بهذه الطريقة لابعادها عن التحرشات والاعتداءات الجنسية في مخيمات النازحين التي يغيب عنها القانون، ونفس الشيء فعلته أمل عطية، التي تسكن في مخيم في بغداد، حيث زوجت ابنتها إلى أحد أبناء المنطقة. تقول: "عندما سمعت ان السعوديين يأتون الى مخيمات النازحين السوريين ليتزوجوا من الفتيات القاصرات، خشيت على ابنتي الوحيدة غير المتزوجة، من ان نتعرض الى نفس الموقف، فزوجتها"، وتضيف امل ان ابنتها كانت بارعة الجمال ومجتهدة في دراستها والاولى على زميلاتها وكانت تريد ان تصبح مهندسة عندما تكبر، لكن الظروف حالت دون ذلك.
وفي مخيمات النازحين بغداد، لاحظنا أن الاسر لا تخرج الفتيات غير المتزوجات الى خارج المخيمات وعند السؤال عن سبب ذلك، برّر الاهل هذا التصرف بالخوف عليهن من التحرش والاعتداء الجنسي الذي يكثر في هذه المخيمات غير الخاضعة لأية رقابة امنية.
وكشفت وزارة حقوق الإنسان العراقية عن تسجيل انتهاكات شملت عمليات قتل واختطاف لنساء عراقيات على يد عناصر تنظيم "داعش" في المدن الخاضعة لسيطرته في شمال البلاد، وتابعت أن هذه الممارسات شملت أيضاً إكراه العديد من النساء الأخريات على إرضاء الرغبات الجنسية لمقاتلي التنظيم وفق ما يعرف بفتوى جهاد النكاح وإرغام قاصرات على الزواج بهم.
وطالبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، الحكومة العراقية بتوفير ميزانية لتقديم مساعدات إغاثة إنسانية عاجلة للنساء النازحات من مدينة الموصل، كما طالبت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بتقديم المساعدات العاجلة وإنشاء مخيمات آمنة لهن، وقالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنها راقبت بقلق بالغ الأوضاع الإنسانية المتردية للنساء في محافظة نينوى بسبب الأعمال الإرهابية والتي نجم عنها نزوح آلاف النساء الى مناطق مختلفة من العراق"، موضحة "إنهنّ الان تحت وطأة الظروف الصحية والاحتياجات الإنسانية العاجلة من خيم وغذاء ودواء واحتياجات خاصة"، كما أكدت المفوضية في وقت سابق إن 18 شخصا قتلوا فيما انتحرت خمس نساء بعد تعرضهن للاغتصاب منذ دخول تنظيم "داعش" الى مدينة الموصل وطالبت المفوضية أيضا "وزارة الهجرة العراقية ومنظمة الإغاثة الدولية ( unhcr) والهلال الأحمر العراقي والصليب الأحمر الإسراع بإنشاء مخيمات آمنة للنساء النازحات وتوفير المستلزمات الأساسية لهنّ"، مطالبة كذلك "وزارة الصحة العراقية ومنظمة الصحة العالمية (WHO) بتقديم المساعدات الصحية من علاجات وأدوية للنساء النازحات كافة.
وتعتبر الباحثة والناشطة الاجتماعية، مناهل صالح "ان لزواج البنت خارج المحكمة ودون السن القانونية، "آثار سلبية كبيرة، أولا على الفتاة التي ليست بالعمر المناسب للزواج وتحمل المسؤولية، وثانيا على الاهالي لأن تزويج بناتهم خارج المحاكم يخلق جيلا من الاطفال والزوجات بدون اوراق ثبوتية تضمن حقوقهم"، وبينت ان تزويج القاصرات خشية عليهن من الاغتصاب او التحرش الجنسي ليس الحل الصحيح وانما يقوم الاهل بذلك بقتل احلام الفتيات ومستقبلهن .