بغداد – نجلاء الطائي
ارتفع عدد النساء الأرامل بسبب الحروب الطاحنة التي يخوضها العراق، ما أدّى إلى ارتفاع نسبة العنوسة في البلاد، الأمر الذي يهدّد العائلة العراقية، ويرى أكاديميون أنّ سبب ارتفاع نسبة "العنوسة" هو الهجرة المستمرة للشباب من البلاد بحثاً عن الأمان وفرص العمل في دول أوربية، أو دول الجوار، والتي شهدت أرقاماً كبيرة للمهاجرين الشباب، والمقبلين على اللجوء الإنساني في مختلف دول العالم.
وأرجأت المواطنة هيام علي، من بغداد، كثرة البطالة وعدم توفر فرص العمل إلى تنامي ظاهرة العنوسة، مشيرة إلى أنّ "عدم الحصول على الوظائف الحكومية وشيوع البطالة بين فئة الشباب أدى إلى تفشي العنوسة"، وأوضحت إيمان حميد، أنّ "الأوضاع التي يشهدها العراق وعدم استقراره أسفرت عن اتساع ظاهرة العنوسة بين الشباب وأصبح تعدد الزوجات الحل الوحيد للقضاء على العنوسة في العراق".
وأكّد صالح فيصل، 40 عامًا، والحاصل على شهادة جامعية، ولم يحظى بفرصة عمل في مؤسسات الدولة، أنّه "لم تعد فكرة الزواج وتكوين أسرة تشكل حيزاً في تفكيري، وأنا أشاهد أمام عيني ملايين الأطفال الأيتام ممن فقدوا آباءهم في الحروب والتفجيرات، وملايين الأرامل والمشردين، فلا أرتضي أن تتشرد أسرتي من بعدي لأني لا أستطيع أن أضمن لهم العيش بكرامة في بلدي للأسف، شغلي الشاغل حالياً هو الحصول على فرصة لجوء إلى إحدى الدول الأوروبية وهناك سأبدأ من جديد، وربما أفكر في الزواج حينها إذا توفرت لي فرصة عمل مناسبة تضمن مستقبلي ومستقبل عائلتي"، وقال المواطن خضر الحسيني إن "الوضع الحالي في العراق يشير لارتفاع نسبة الفقر وبالتالي رافق ذلك لزيادة معدلات الطلاق والعنوسة بين الشباب العراقي".
وتبنت النائب جميلة العبيدي، الدعوات والتي طالبت إلى الإسراع بتشريع قانون يشجع الرجال على الزواج بأكثر من امرأة واحدة من خلال صرف حوافز مالية، وقامت منظمات المجتمع المدني بـ "مظاهرة" في بغداد تطالب الرجال بتعدد الزوجات للقضاء على العنوسة، واحتل العراق المرتبة الثالثة في الوطن العربي بنسبة العنوسة بعد لبنان والإمارات إذ بلغ عدد العانسات 70%، ويبلغ عدد الإناث في المجتمع العراقي 17.685 مليون وتقدر المنظمات الدولية أن العانس المرأة التي تجاوز عمرها 35 عاما وتعود أسباب العنوسة إلى الوضع الاقتصادي وتفشي البطالة والهجرة والحرب والصراعات الداخلية والفارق التعليمي.
وأعلن عضو مفوضية حقوق الإنسان، فاضل الغراوي، أن "هجرة الشباب والبحث عن عمل ألقت بظلالها على الجانب الاجتماعي بشكل واضح، وأسفرت عن ارتفاع نسبة العازفين عن الزواج من الشباب، وبالتالي ارتفاع نسبة العنوسة"، كاشفًا عن أرقام كبيرة للمهاجرين العراقيين من الشباب والعاطلين عن العمل، ومبيناً أن "المفوضية السامية للأمم المتحدة استقبلت أكثر من 195 ألف طلب لجوء عراقي، فضلاً عن هجرة آلاف العائلات العراقية بطرق غير رسمية".
وتسبب الوضع اقتصادي المتردي وعدم وجود فرصة عمل إلى تفاقم مشكلة "العنوسة" داخل المجتمع العراقي؛ ما رفع نسبتها إلى معدلات مخيفة، فكثير من الشباب يعزفون عن الزواج بانتظار فرصة لإيجاد عمل ، فضلاً عن آلافٍ ممن هاجروا، وأفادت الباحثة الاجتماعية، بتول العبيدي، أنَّ "ما يفكر به الشاب العراقي حالياً هو إيجاد وظيفة ، ولهذا فإن نسبة العنوسة المرتفعة لا تأتي فقط كنتيجة لهجرة آلاف العراقيين، بل نتيجةً لعزوف من لم يهاجر منهم أصلاً عن الزواج بانتظار فرصة للعمل ، حيث أصبح شغلهم الشاغل هو التفكير في إيجاد مصدر رزق فقط، ما يعكس حالة اليأس التي وصل إليها الشباب العراقي".
وأكّد الباحث في شؤون الأسرة والطفل، مهيمن عبد العظيم، أن "العراق يتصدر الدول العربية في ارتفاع نسبة العنوسة بحسب الأبحاث التي أجريت في المنطقة، وهذا يشكل خطراً حالياً ومستقبلياً على المجتمع ككل، وينذر بتفكك أسري ونفسي خلال السنوات القليلة المقبلة إذا لم تعالج الظاهرة".
ويعتقد عبد العظيم أنَّ "أسباباً مختلفة سببت انتشار العنوسة بين الفتيات منها العادات والتقاليد غير المنطقية، والخوف من المستقبل بسبب انعدام الأمن، والطلبات المبالغ فيها من قبل العائلات، وغلاء المهور. لكن هذه الأسباب أصبحت ثانوية أمام السبب الرئيسي والخطير في الوقت الحاضر، وهو هجرة آلاف الشباب بحثاً عن الأمن أو فرص العمل في مختلف دول العالم".