حكاية أول زواج مدني في سورية

عُقد ولأول مرة في تاريخ سورية عقد قران مدني، في الثاني من شهر أيلول من عام 2013، جمع بين السيد رشو سليمان والسيدة همرين محمد، في بلدية القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة شمال سورية وأطلق على هذا النوع من عقود الزواج عقد الحياة المشتركة، وهو الاسم الذي يشير إلى عقد الزواج المدني، الذي تمّ اعتماده في كلّ من القامشلي، والحسكة، وعفرين، وكوباني، وعين عرب.

ونص العقد الذي جرى إبرامه، على مجموعة من الشروط، من أهمها منع تعدد الزوجات ومنع الزواج قبل 18 عامًا وتحمل تكاليف الزواج بين الطرفين وإقرار توزيع الميراث بالتساوي .وكانت مواقع التواصل الاجتماعي تداولت في اليومين السابقين خبر حدوث أول زواج مدني في سورية بين العروسين هديل وأدونيس بموافقة الأهل وحضور الأقارب ولكن أكدت مصادر أن هذا الزواج ليس الأول في سورية ولكن أول زواج يعلن عنه ويروج له بهذه الطريقة في الإعلام .

وفي سورية، وبحسب الدستور، يخضع السوريون فيما يخص حياتهم الشخصية إلى قانون الأحوال الشخصية الذي يستمد مجمل شرعيته من الدين الإسلامي، وهي المرجعية التي تحدد طبيعة الزواج والإرث والحقوق الأسرية وغيرها، لدى فئات المجتمع السوري في أطيافه كافة، فيحال المسلمون إلى الهيئات الشرعية، والمسيحيون إلى الكنائس، والموحدين الدروز يحتكمون إلى تشريعاتهم الخاصة.وفي ظل الزواج المدني، يبطل قانون الحوال الشخصية هذا، وتبطل مرجعيته، ويتم استبدال كل ذلك بقانون وضعي يتم الاتفاق عليه.

وأكد المحامي أحمد عز الدين وجود فروق كثيرة بين الزواج الديني والمدني ففي الزواج الديني جهة عقد الزواج، المحكمة الشرعية أو الكنيسة وذلك بحسب دين وطائفة الرجل، أما في الزواج المدني، فجهة عقد الزواج، هي محكمة مدنية موحدة لأبناء كل الطوائف، وأشار أنه يشترط في الزواج الديني بلوغ سن الذكر عمر 15 عامًا، و الأنثى 13 عاماً، أما الزواج المدني فيشترط فيه بلوغ سن الزواج 18 عامًا للذكر والأنثى.

كما بيّن أنه في الزواج الديني زواج المسلم بكافرة (من غير أهل الأديان السماوية أو الملحدة أو اللا دينية) وكذلك زواج المسلمة بغير المسلم باطل، أما في الزواج المدني، فلا يوجد مثل هذا الشرط بحيث يتزوج الشخص -رجلا أو امرأة- بمن يريد دون النظر إلى الدين أو الطائفة أو المذهب.

وفي الزواج الديني يلتزم الزوج بنفقة الزوجة، ويدفع لها المهر، أما في الزواج المدني فلا يلتزم بشيء لأن الأعباء مشتركة، وبيّن أنه في الزواج الديني يتم الطلاق بإرادة الزوج المنفردة، أو عن طريق الخلع برضى الطرفين، أما في الزواج المدني، فيكون الطلاق بقرار من الزوجين، أو من أحدهما في المحكمة إذا رأته المحكمة مبررًا.

أما في الإرث، وفي الزواج الديني يشكل الاختلاف في الدين مانعاً أمام التوارث، أما في الزواج المدني فلا يشكل الاختلاف في الدين مانعاً أمام التوارث.ومع كل الايجابيات التي يضمنها الزواج المدني بالنسبة للمرأة يبقى للجهات القضائية والتشريعة رأيها الخاص في هذا النوع من الزواج فقد كشف القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي أن أغلب الناس يجهلون المدلول الحقيقي للزواج المدني، فالعقد الذي ينشأ بين طرفين بحضور الشاهدين عقد صحيح، لأن أساسه الإيجاب والقبول، لذلك عقد الزواج في الإسلام أصله مدني أما المتعارف عليه حالياً للزواج المدني فهو إيجاب وقبول لكن بغض النظر عن الأحكام الشرعية الأخرى، مثلا زواج المسلمة بمسيحي برضا الطرفين زواج باطل، وكذلك زواج المرأة المتزوجة برجل آخر، مؤكداً أن الزواج المدني يعني التحلل من القيود الشرعية لعقد الزواج لأي دين أو طائفة، علماً أنه في سورية محاكم بداية تنظر بأمور الأحوال الشخصية للأجانب فقط الذين يخضعون في بلادهم لقانون مدني.

وبيّن المعراوي أن للزواج المدني مخاطر كبيرة وينتشر في أوروبا بكثرة ما أدى إلى ما يسمى زواج (المثل) الذي لا يرضى به إنسان عاقل، فالزواج هو الارتباط بين زوجين بقوله تعالى (وخلقنا من كل شيء زوجين اثنين) بهدف استمرار نسل الإنسان في الأرض، أما زواج المثل فهو شذوذ بالمطلق لخروجه عن الفطرة السليمة للإنسان، حيث جعل اللـه الأساس في الزواج لقضاء الشهوة الموجودة فيسيولوجيًا في البشر من هنا جعل لهذا التواصل طريقاً مشروعاً ومنطقياً هو مؤسسة الزواج..

ويعرض القاضي الشرعي الأول بعض حالات الزواج المدني والتي رفض تثبيتها في المحكمة الشرعية منها زواج امرأة مسلمة من رجل مسيحي أثناء وجودهما في فرنسا حيث أنجبا ولداً وتم تسجيله في المحكمة المدنية هناك، لكن لم يتم تسجيل الزواج والطفل في المحكمة الشرعية في سورية وذلك حسب قانون الأحوال الشخصية، والشريعة الإسلامية هو زواج باطل حكمه حكم الزنى، حيث يثبت ابن الزنى لأمه، وليس لأبيه، لذلك لا يثبت نسب المسلمة من مسيحي، إضافة إلى وجود حالات أخرى منها امرأة اكتشفت بعد زواجها بفترة أن زوجها قد تزوج بأختها وقد سافرا إلى تركيا لتثبيت زواجهما بعقد مدني هناك، ما يعني أن الزوج جمع بين الأختين، وهذا محرم في الشريعة الإسلامية، مشدداً على ضرورة ألا نلتف على الأحكام الشرعية وألا يصبح مجتمعنا متفلتاً كأوروبا التي ذكر أحد إحصاءاتها أن 65% من طالبات المدارس الإعدادية أجهضن لأنه حسب قانونهم يمنع الزواج قبل بلوغ 21 سنة، علماً أن الكثير من الأوروبيين لا يعرفون حقيقية أبويهم، وأنهم أتوا نتيجة علاقة غير مشروعة لذلك يتكون لديهم نقمة على المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة الجرائم عندهم، مضيفاً: إن العقد الفاسد يكون في حال تزوج الرجل بفتاة واكتشف بعد فترة أنها أختها بالرضاعة يسمى عقداً فاسداً، ومباشرة يتم التفريق بينهما لكن مع حفظ النسب وحقوق الزوجة.

 أما في حال تم العقد بعدها تبين لهم وقبل الدخول أنها أختها في الرضاعة فحكم هذا العقد باطل ولا يترب عليه أي آثار، وختم القاضي الشرعي الأول بالقول: إن الزواج المدني في سورية مخالف للنظام العام السوري وقانون الأحوال الشخصية، فلا يمكن الاعتراف فيه بأي شكل من الأشكال، كما لا يتم تسجيله في المحكمة، حكمه كالزنى تماماً لأنه مخالف للأحكام الشرعية.