الجزائر ـ الجزائر اليوم
أياماً فقط بعد تصنيفه تراثاً عالمياً صنع طبق الكسكس التقليدي الحدث في الجزائر، لكنه لم يكن تاريخياً بل جدلياً عبر مواقع التواصل، جاء ذلك بعد تداول وسائل الإعلام المحلية تصريحاً لوزيرة الثقافة والفنون الجزائرية مليكة بن دودة، التي اعتبرت فيه أن المرأة التي "لا تتقن فتل الكسكس تشكل تهديداً لأسرتها"، ويحضر الكسكس بحبات القمح الصغيرة التي يتم تحضيرها بطريقة خاصة جدا تسمى "الفتيل"، وكانت العائلات الجزائرية تحرص منذ عشرات السنين على إعداد حبات الكسكس في المنزل بوسائل تقليدية وجهد كبير.
ولتحضير حبات الكسكس، كانت العائلات الجزائرية تقيم ما يشبه "الأفراح" لإعداد "عولة العام" أي "مؤونة عام كامل"، تجتمع نسوة العائلة أو الجيران في منزل واحد، ويشرعن في تحضيرها، بأغانٍ مستمدة من التراث الجزائري.
ويتطلب ذلك أنواعاً مختلفة مما يسمى بـ"الغربال" وصينية كبيرة، وقدراً خاصاً كبيراً يسمى "الكسكاس" يستعمل لتبخير حبات الكسكس أو ما يسمى في الجزائر بـ"تفوير"، تصريح أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبره البعض "إهانة للمرأة الجزائرية" و"تصريحاً غير مسؤول من المشرفة على قطاع يفترض أن تكون لهجته راقية"، وآخرون تساءلوا إن "كانت الوزيرة تعرف فتل الكسكس".
فيما دافع البعض الآخر عن تصريحات وزيرة الثقافة، واعتبروا أن "الجدات كان يقلن الكلام ذاته قديماً في أحاديثهن أو لبناتهن"، وذكر البعض الآخر أن "تعلم صناعة الكسكس كانت وصية الأمهات قديماً لبناتهن، وعادة إلزامية".
وزيرة الثقافة والفنون الجزائرية مليكة بن دودة سارعت للرد على الجدل الذي أحدثه تصريحها، وقدمت تفسيراً لذلك المقطع الذي أغضب جزائريين واعتبره آخرون "غامضاً".
وأوضحت، أن "الكسكس ارتبط في سياقه التاريخي بالحياة، وما يزال إلى اليوم لدى الكثيرين هو العيش ويختص بتسمية الطعام دونا عن كل الوجبات، والبربوشة من البر القمح رمز البقاء"، في إشارة إلى معاني التسميات المختلفة للكسكس بمختلف مناطق الجزائر.
واتهمت الوزيرة أطرافاً لم تسمها بـ"ببتر جملة من سياقها"، وقالت: "وحين يتم بتر جملة من سياقها يمكنها أن تحمل تأويلا أو تأويلات خاطئة، خاصة في موضوعات التاريخ والفكر، في بعض تقاليدنا اليوم تحضير الكسكس صفة للمرأة وميزة، أما تاريخيا فقد كان مورد حياة، وتكاملا اقتصاديا للأسرة خاصة في الفترة النوميدية".
وختمت في توضيحها بالإشارة إلى أنه "لا أشك في ذكاء المتلقي أن جملة من كلمتي في افتتاح أيام الكسكس قد أخرجت عن سياقها، واستخدمت في غير محلّها، والعودة للتسجيل تزيل أي لبس أو تزييف".
الجدل الذي فجره تصريح وزيرة الثقافة الجزائرية مليكة بن دودة أياماً فقط بعد أن صنفت رسمياً منظمة الأمم للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" طبق الكسكس التقليدي المغاربي ضمن التراث العالمي، الأربعاء الماضي، بعد إيداع الملف في 8 أبريل/نيسان 2019.
تصريح الوزيرة الجزائرية أطلقته بالتزامن مع معرض وطني لطبق الكسكس أقامته الوزارة احتفالاً بتصنيفه ضمن التراث العالمي، تصريح الوزيرة تناقلتها مختلف القنوات التلفزيونية المحلية، غير أن جهات مجهولة اقتطعت جزءا من تصريحها، والذي قالت فيه إن "المرأة التي لا تعرف فتل الكسكس تمثل تهديدا للعائلة الجزائرية".
ووقعت وسائل الإعلام ذاتها في "فخ البتر"، بعد أن أعادت تداول ذلك الفيديو من "25 ثانية"، واشتعلت معه مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر، والذي اعتبرت فيه كثير من ردود الأفعال ذلك التصريح بـ"المهين والمحتقر للمرأة الجزائرية، واختصار دورها في فتل الكسكس".
وبعد توضيح الوزيرة سارعت مختلف وسائل الإعلام لإعادة بث مقطع التصريح كاملاً من حوالي 5 دقائق، تبين أن كلام الوزيرة كان في سياق شرحها أهمية العادات والتقاليد والموروث الثقافي والشعبي في الحفاظ على هوية العائلات الجزائرية، وكانت قناة "الجزائرية وان" الخاصة أول وسائل الإعلام الجزائرية التي سارعت لنشر بيان توضيحي بعد أن نشرها المقطع المبتور.
وأقرت المحطة التلفزيونية في توضيحها، الذي اطلعت "العين الإخبارية" على تفاصيله، بأن صفحاتها نشرت مقطع فيديو قصيرا لتصريح الوزيرة "أدى إلى تداوله خارج سياقه التاريخي دون قصد، ودون أي نية مبيتة".
وأعادت القناة بث ونشر تصريح وزيرة الثقافة كاملاً "احتراماً لقواعد المهنة وليتضح جلياً أنها كانت تتكلم عن علاقة المرأة بالكسكس في فترات قديمة من تاريخ شعوب المنطقة وليس في وقتنا الحالي" كما ورد في بيان القناة.
"بتر التصريحات" ليس جديدا في الجزائر، وسبق أن تسبب ذلك في إثارة عدد كبير من القضايا الجدلية التي كان ضحيتها مسؤولون وفنانون وشخصيات بارزة، وقفت وراءها في كل مرة أطراف مجهولة، وصلت لحد التجريح والقذف في سمعة وشرف عدد منهم.
وسبق لمختصين أن حذّروا من خطورة مواقع التواصل واستعمالها "سلاحاً فتاكاً للفتنة من قبل أطراف تستغل تلك المنصات لتنفيذ أجندات معينة، وتخرج المواضيع عن سياقاتها الحقيقية، أو تهدف لإلهاء الرأي العام بقضايا جدلية جانبية".
قد يهمك ايضا:
وزيرة الثقافة الجزائرية توضح أنّ كلمتها أُخرجت عن سياقها واستخدمت في غير محلّها