بغداد – نجلاء الطائي
تشكّل زيادة حالات الانتحار في عدد من المحافظات العراقية،عاملًا مقلقًا للعديد من الأوساط الشعبية ومراكز البحوث النفسية، وتشير لجنة حقوق الإنسان النيابية أن حالات الانتحار بين الشباب والفتيات ارتفع إلى ما يقارب 60% خلال عام 2013-2014.
فلم تتوقع المواطنة رويدا التي أقبلت على الانتحار أربعة مرات النجاة من تلك المحاولات بعد غلق جميع منافذ العيش أمامها وطرد إخوتها من المنزل التي تعيش به هي ووالدتها.
وقالت رويدا ذات (45)عامًا في تصريح لـ" العرب اليوم " حاولت الانتحار عدة مرات وفي كل مرة لا أستطيع الموت بسبب إنقاذي من قبل المواطنين ومنعي من الانتحار عبر النهر وسط العاصمة بغداد، لافتة إلى أن ذات مرة كنت أنوي الانتحار أنا ووالدتي، لكن في لحظة ما تذكرت عقاب الله وبر الوالدين وامتنعت من رمي والدتي معي.
وأوضح المواطن العراقي عادل حميد (50 عامًا) أن يشكل ذهابه للسوق وترك زوجته وحدها في المنزل، صدمة كبيرة تعيش معه طوال حياته، إذ وجد بعد عودته أنها انتحرت بإضرام النار بجسمها داخل منزلها المتواضع في أطراف العاصمة بغداد.
وأضاف حميد وهو يحمل طفله الوحيد البالغ من العمر ثلاث سنوات في حديث لـ"العرب اليوم "، :"لو كنت أعلم نية زوجتي بالانتحار لما تركت المنزل لحظة واحدة"، مؤكدًا أنه يعاني من صدمة نفسية لا يمكن تجاوزها طوال حياته.
ويكشف حميد عن مراجعته للعديد من الأطباء النفسيين في بغداد وأربيل عاصمة إقليم كردستان بحثًا عن العلاج، مضيفًا: "جميع العلاجات هي عبارة عن مهدئات لا أكثر".
ويفتقر العراق إلى إحصائيات دقيقة عن عدد حالات الانتحار بسبب الضغوطات الاجتماعية وطبيعة المجتمع العراقي مع غياب البرامج الحكومية الكفيلة بالكشف عن أسبابها، بحسب العديد من نشطاء المجتمع.
ولا تختلف حالة حميد كثيرًا عن حالة أخرى سجلتها منطقة الشعلة شمال بغداد، وتمثلت بانتحار شاب يبلغ من العمر (20عامًا) شنقاً داخل منزله الصغير، بعد أن أرسل عائلته المكونة من خمسة أفراد إلى منزل أقاربهم.
ويسرد شقيق الشاب الذي يدعى (أحمد )، تفاصيل انتحاره لـ"العرب اليوم "بالقول: "كان شقيقي إياد يعاني من مرض نفسي مزمن وحذرنا الطبيب من عدم تركه لخطورة المرض"، موضحًا: "لم نعلم أنه أرسل زوجته مع أطفالها إلى منزل أهلها ومن ثم شنق نفسه بحبل داخل غرفة نومه".
وتشير إحصائية للشرطة العراقية حصلت "العرب اليوم "على بعض تفاصيلها إلى تسجيل 700 حالة خلال عام 2013 – 2014 أي ما يقارب حالتين أو ثلاثة في اليوم، مؤكدة أن غالبية المنتحرين هم من النساء والشباب.
وأكدت وزارة الصحة العراقية وجود حالات انتحار في عدد من المحافظات، إلا أنها لم تعط أية تفاصيل عن أعداد المنتحرين، وتقول الوزارة في بيان نشر على موقعها الإلكتروني اطلع "العرب اليوم "عليه: إن "ازدياد حالات الانتحار في الآونة الاخيرة في العراق موضوع لم يغب عن اهتمام وزارة الصحة".
وتضيف الوزارة أن هدفها: "إيجاد الحلول لهذه الظاهرة من خلال الندوات التثقيفية التي يجري تنظيمها في دوائر الصحة للتعريف بأسبابها ووضع الحلول للحد منها بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة".
وفي الشأن ذاته يقول الدكتور عبد الكريم محمد أخصائي في مستشفى الشيخ زايد في تصريح لـ" العرب اليوم " أن وحدة الأمراض النفسية في المستشفى تستقبل الكثير من الحالات لكن هذه الحالات لا يتم التعامل معها على أساس أنها محاولة انتحار فاشلة، بادئ الأمر بل يتم التعامل مع الناجي من الانتحار كحالة مرضية ومن ثم إحالته إلى وحدة الأمراض النفسية لتشخيص الحالة والتعامل معها .
وأضاف محمد أن أغلب الأسباب التي تأتي هي نتيجة اكتئاب حاد، واصفًا ذلك الاكتئاب بأنه بايولوجي يولد أفكارًا جنونية، بالنسبة للأمراض النفسية من الممكن علاجها من خلال عدة جلسات يتم تنظيمها بشكل دوري، أما بالنسبة للأسباب الاجتماعية فهي تحتاج إلى جلسات إرشادية مستمرة وحسب درجة الخطورة .
وأكمل الدكتور النفسي بأنه توجد أكثر من حالة تم التعامل معها بشكل جيد وتمت متابعتها حتى خرجت من الأزمة التي كانت بسببها حاولت الانتحار، مبينًا أن نسبة الأعمار التي تشهد حالات الانتحار أو فشلت في محاولة الانتحار تصل بين 15 سنة إلى 30 سنة .
وذكر الباحث النفسي علي محمد في تصريح لـ" العرب اليوم"، أن الانتحار هو نوع من أنواع الموت، وهنالك حالات متعددة تصل إلى درجة الإحباط والانهيار النفسي تجعل الشخص يتخذ قرارًا في حالة انهيار عصبي تام بإنهاء حياته، لافتًا إلى أن أغلب الذين فشلوا في الانتحار وتم تنظيمهم في جلسات نفسية استعادوا حياتهم بشكل جيد.
ويسرد محمد وسائل الانتحار عند البعض، سنجد أن الرجال وسائلهم في الانتحار الشنق وإطلاق النار، وذلك لأن الرجل يميل إلى العنف وطريقة إنهاء حياته تكون بشكل أسرع مقارنة بوسيلة الانتحار التي تتبعها المرأة والتي تستخدم الحرق أو السم لإنهاء حياتها لكن بشكل بطيء وقد لا تؤدي الوفاة بشكل مباشر بل إلى التشوه بفعل الحادث وقد تدفع نفسها إلى الانتحار مرة أخرى .
وعن ارتفاع حالات الانتحار في العراق في الأونة الأخيرة يرى الباحث الاجتماعي، أن أمور كثيرة تدفع الإنسان إلى إنهاء حياته بشكل مفاجئ، كذلك وجود وسائل التكنولوجيا قد ساعد الكثيرين على إنهاء حياتهم بطرق تبدو أكثر غرابة مقارنة بالواقع الاجتماعي الذي نعيشه، موضحًا عدم وجود مراكز تأهيل واضحة لكل محاولات الانتحار الفاشلة ، فالذي يفشل في أول مرة ينجح في الثانية في غياب الأسباب التي تمنعه من إنهاء حياته .
وتابع محمد "عدم وجود توعية حقيقية من قبل مؤسسات الدولة في منع هكذا حالات من خلال حملات توعية تقوم بها جعلت الأمر يزداد بشكل كبير ، إضافة إلى غياب واضح لرجل الدين وحملات الوعظ واستخدام الدين بشكل قوي في منع حدوث اي حالة انتحار .
وذكرت الناشطة في مجال حقوق الإنسان شذى القيسي لـ"العرب اليوم "، أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يعاني منها المجتمع الجنوبي هي أحد الأسباب الرئيسة ،كذلك البطالة وتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة والإصابة بالاكتئاب هي احد الأسباب المؤدية لهذه الحالة ، أيضا المشاكل الدراسية وحالات الرسوب سببت بانتحار بعض الشباب من كلا الجنسين ،
وأخيرًا بيّنت القيسي أن انهيار المنظومة القيمية في المجتمع بعد 2003 وتخلخل الأمن والنظام ساعد على دخول حالات غريبة على مجتمعنا كالمخدرات والمحطات الفضائية المتعددة الأهداف وتقنيات الاتصال المختلفة زادت من وسائل الانتحار والتفكير به .