جورج الفار

نظريته المحاورة للدين والفلسفة لا يفهمها الإنسان العادي، فجورج الفار أستاذ الفلسفة بجامعة الأردن، تحول من رجل ديني مسيحي ورجل لاهوت إلى رجل فكر وفلسفة، وتحدث عن المعاناة الحقيقية التي عاشها في سبيل تحرير عقله ونفسه من أغلال الكنيسة للانطلاق في عالم الفكر، على حد قوله.
قال الدكتور الفار  إنه "إذا ما تحاور كل من الفلسفة والدين معاً، فستتمكن الفلسفة من مساعدة الدين للابتعاد عن الخرافة والتطرف، كما يستطيع الدين مساعدة الفلسفة في فهم الإنسان".

واعتبر الفار أن القانون الوحيد في الكون قانون "التغيير"، لأن حركة الكون لا تتوقف أبداً. فكون الإنسان كائناً تاريخياً لا يعني أن الإنسان كائن "ماضوي" إنما هو ابن للتاريخ في لحظاته الثلاث، إما أن يتمسك الإنسان بلحظة واحدة من التاريخ هي الماضي ولا يريد أن يغادرها، فهذا هو الغباء بعينه.
أنهيت عملك كرجل دين لدى الكنيسة الكاثوليكية وتزوجت، هل أثر ذلك على حياتك؟ وعلى رؤية الناس لك كـ"كاهن"؟

يجب أن أصحح المعلومة هنا، لم أترك الكهنوت على إثر زواجي، ولم يكن الزواج هو السبب الذي جعلني أترك الكهنوت، ما جعلني أترك الكهنوت وحياتي كرجل دين، هو قرار فكري عقلي مستقل، فالمواجهة كانت مواجهة بين فكرتين بين اللاهوت والفلسفة، وبين رجل يريد أن يكمل حياته كرجل دين أو بين رجل يريد أن يكمل حياته كمفكر وكفيلسوف، لذلك تركت الكهنوت بناء على هذا القرار الفكري، لأني أردت أن أكون مفكراً وفيلسوفاً لا رجل دين أو لاهوتياً، وبعد تركي الكهنوت بسنة تقريباً قررت الزواج وعيش حياة عائلية مثل معظم البشر الآخرين.

أما حياتي الجديدة كأستاذ جامعي ومفكر وفيلسوف، فقد تغيرت كثيراً عما سبق في حياة الكهنوت. فلأول مرة أشعر بالحرية من كل الالتزامات الكنسية التي كانت تربطني، ولأول مرة عشت حياة عائلية مثل معظم البشر في سني.

ولكن الأهم من ذلك هو تحرر عقلي من الضيق ومن الرؤية الطائفية والدينية إلى العالم والكون، لأصبح رجلاً يرى العالم بعيون جديدة مفتوحة هي عيون العقل والفكر، عيون الواقع الحياتي. كان عليّ أن أصارع في البداية لأثبت للناس ولِذاتي أني رجل محترم غيّر حياته ولكنه لم يغير مبادئه العقلية والإنسانية، فلم أبهر أو أتحرر لأعيش حياة متهتكة، بل عشت حياتي الجديدة بالتزام كامل نحو عملي وزوجتي وبيتي، ولم أقلل من احترامي لذاتي، وبدأ الناس يدركون شجاعتي في اتخاذ هذا القرار، ويقتربون أكثر من رجل الدين السابق الذي حافظ على التزامه في حياته الجديدة.

تحدثت بصراحة عن عالم الكنيسة المشرقية شبه المجهول لدينا، فماذا منحتك، وماذا أخذت منك؟
عالم الكنسية "العالم الديني"، هو عالم جميل وصوفي وميثولوجي إلى حد كبير، ولكنه عالم خانق وضيق يستهلك الإنسان، ويسجنه.
انتميت إلى الكنيسة الكاثوليكية وهي غربية وليست شرقية، إلا أني ولدت وعشت في المشرق وبجانب الكنيسة المشرقية إذا جاز التعبير.

أما عما أعطاني إياه هذا العالم، فقد أعطاني الكثير وأخذ مني الكثير على حد تعبيرك. أخذ مني صباي ومعظم سنوات شبابي وعمري أي ما يقارب 37 عاماً، أفنيتها في التحضير والعمل ورعاية الكنيسة وأبنائها وتعليمهم، في المقابل أعطاني فهماً عميقاً للحياة ووضعني على طرق المعرفة والعلم وأدخلني إلى دهاليز عالم الدين والروح والصوفية. وجعلني أخدم الإنسان عن قرب وأعرف أدق أسراره وتفاصيل حياته، أعرف ضعفه وعظمته، قوته وخسته، جماله، وقبحه.

أخذ مني اسمي الصريح، وربما جزءاً من إنسانيتي، وعائلتي وأصدقائي وحياة طفولة ومراهقة وشباب طبيعية، ليستبدلها بحياة شكلية وبحياة أشبه بالملائكة منها بالإنسانية.
أعطاني معرفة باللغات والكتب المقدسة وبدهاليز المكتبات والمخطوطات القديمة. كما أني سافرت إلى العالم اكتشفه وأحاور إنسانه، وأزور بيوته وأختبره عن قرب.
لم يبخل في عطائه ولم أبخل في عطائي بالمقابل، ولكنني في لحظة أو في سن معينة قررت أن هذا العالم لم يعد يلائمني وينسجم مع عقلي فتركته.