المسرح الأمازيغي

احتضنت قاعة المحاضرات للمسرح الوطني «محي الدين بشطارزي»، ندوة في إطار يوم دراسي برمج ضمن فعاليات «الأيام الوطنية للمسرح الأمازيغي» نشطها كل من المخرج والمسؤول السابق للمسرح الجهوي لبجاية، عمر فطموش، ليلى بن عائشة، والباحث والأستاذ بجامعة المسيلة -والذي سبق له وأن ترأس لجنة تحكيم المهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي المقام سنويا بباتنة- وقد دار النقاش حول ضرورة إرساء فن رابع أمازيغي بحت وضرورة تجاوز عامل اللغة لمنح الجمهور عروض بحجم التطلعات وتحتكي الأعمال العالمية باحترافيتها وعبقرية أصحابها.

تحدث صاحب رائعة «حزام الغولة» عن تجربته في المسرح الأمازيغي معتبرا أن الصنف من الفن الرابع كانت بداياته احتجاجية ولم يمكن فصله عن النضال الذي ساد فترة السبعينيات والثمانينيات، ولعل الحفلات والطقوس التي عرف بها المجتمع الأمازيغي مهدت لإرساء المسرح الناطق بهذه اللغة لأن الواقع يؤكد أننا لم نبلغ بعد درجة الحديث عن مسرح أمازيغي بحت.

وعاد فطموش إلى عامل النضال من أجل الهوية الذي كان محتوى الرسائل المسرحية بالأمازيغية، حيث استذكر حادثة خلال الثمانينيات لتوضيح الظروف التي عمل فيها الممثلون وقتها، حيث كانت اللجنة المركزية التي أدارت الفن الرابع بالجزائر حينها طلبت منه متابعة عرض فرقة «إسولاس» بتيزي وزو والذي حمل عنوان «دو ذو ضاريك» وكشف المتحدث عن إلحاح بعض ممثلي الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية وفي حزب جبهة التحرير الوطني للعمل على منع هذا الإبداع من التصنيف للمشاركة في مهرجان مستغانم للمسرح في تلك الفترة، إلا أن مهنية طاقم العرض أهلته إلى ضمان مكانته في هذا الحدث الثقافي الوطني بل نال ثناء الجمهور المستغانمي والمسرحي الكبير آنذاك، الراحل عبد الرحمان كاكي، وهناك لفت فطموش انتباه الحضور إلى الدور الذي لعبه «شكسبير الأمازيع» -المرحوم موحيا- في تفجير طاقات على الخشبة ولو أن التركيز  خلال تلك السنوات ركز كثيرا على الكمية وليس النوعية، ليضيف «المسرح الامازيغي وليد الألم، ظهر في فترة الثمانينيات ما يمكن أن أسميه مسرح المواجهة والمعارضة، فلا يمكن متابعة عمل لا يملك مطالب متعلقة بالهوية. المسرح الأمازيغي واكب ذلك النضال في الميدان والشارع ولا يمكن فصله عنهما. كانت هناك رغبة كبيرة في التعبير والعروض المسرحية لم تكن خارج ما يشهده الواقع، بعيدا عن التأطير وكان العمل بالإمكانيات المتوفرة في تلك الحقبة.»

وأثنى فطموش على الدور الذي لعبه الممثل محمد فلاق حين عين مديرا على المسرح للجهوي لبجاية الذي كان أول من قدم عرضا محترفا ببرمجة مسرحية «سين-ني» للمرحوم موحيا على الخشبة بمعايير تستجيب للمسرح المحترف، كما أكدت أن جهود التعاونيات منحت المعنى الحقيقي للمسرح الناطق بالأمازيغية بنشاطاتها المختلفة والدائمة والتي تجاوزت بها أحيانا رغبة المسارح الجهوية في إثراء هذا المجال.

وتحدث فطموش عن المرحلة الثانية التي عرفها المسرح الناطق بالأمازيغية معتبرا، أن جيلا أخر من الممثلين والمهتمين بهذا النوع من الفن، اكتشفوا نصوص «موحيا» -الذي ورغم أنه منح في بداياته أولوية كبيرة للاقتباس-وقع شهادة ميلاد المسرح الأمازيغي بل ساعد الكثيرين على تبنيه وولوج عالمه لتقديم الإضافة وإبرازه ضمن ما يزخر به المسرح الجزائري حاليا، واعتبر فطموش أن مرحلة التفطن للتكوين الأكاديمي هي التي جعلت المسرح الأمازغي يحلق بجناحيه بأحسن طريقة، معترفا أن «الأعمال لم تبغ بعد درجة الاحترافية التي نتوقعها حين نسمع بإنتاج معين، لأن أثناء العرض نلمس هفوات وأخطاء من الضروري تداركها، لكن ذلك لا يمنع من تحفيز هذا الجيل الذي يسعى جاهدا لتقديم الأفضل.» 

«الاقتباس أو التناض لا يمكن التسليم بهما في كل الأعمال»

تطرق فطموش إلى مسألة القتباس المسرحي، معتبرا أن الجدل القائم بخصوص التسمية «هل حقا اقتباس أو تناص؟» هو في الحقيقة تجاهل لسعي المخرجين المسرحيين لمنح العمل رؤية خاصة به، فهو قصة لكاتب لكن حين تقع بين يدي المسرحي، لا يمكن إقصاء ذاتيه على الخشبة، وليس من الضروري أن تنقل في العرض تفاصيل النص الأصلي، وتحدث عن تجربته في العرض الناطق بالأمازيغية «ثمطوث-ني» عن رواية ألفها واسيني الأعرج بعنوان «أنثى السراب» ونقلها إلى الخشبة بالعربية بعنوان « إمرأة من ورق»، وقال إن ترجمة النص أشرف عليها محند أيت إغيل، لكن الأحداث لم تلتزم بما ورد في قلم ابن تلمسان بل غيرها تماما برؤية شخصية من اجتهاد المخرج المسرحي بعيدا عن الخيال الأدبي للمؤلف الأصلي.

ورغم  النقائص، يقول فطموش إن «المسرح الأمازيغي وبتركيزه على التكوين والتأطير -والدليل عدد المتخرجين من معهد «إيسماس» كل عام، والمستثمرين في هذا النوع المسرحي- فرض منطقه وبظهور المسارح الجهوية والمهرجانات وتبني المسرح المحترف له، باتت لها أسماء لا يستهان بقدرات أصحابها، ولا يمكن إلا التفاؤل يهذه الطاقات مستقبلا.»

مفتاح خلوف «الانتقال من الخطاب الناطق بالأمازيغية إلى خطاب أمازيغي بحت في المسرح أثكر من ضرورة»

تحدث الباحث المسرحي وأستاذ جامعة المسيلة، مفتاح خلوف، في هذه الندوة عن الاستراتيجيات التي يجب اتباعها لإرساء مسرح أمازغي محترف من جميع الجوانب، وذكر المتحدث في هذا السياق كأول خطوة٫ 

الحكاية المسرحية أو الفكرة التي يبنى عليها النص المسرحي، قائلا « إن أردنا التسويق للثقافة الأمازيغية في جهات أخرى، بعيدا عن المحلية، علينا الاعتماد على قصص أمازيغية نابعة من واقعنا المعاش وبعيدا عن التقليد أو الاستثمار في تراث الغير.» وذكر الباحث مسألة «المكانية في الفن الرابع، حيث أن الأكثر استخدام لهذا العامل هو الروائي  غابريال غارسيا ماركيز الذي أكد أن المكان يؤثر في المرء، فحيث يحل يتأقلم مع البيئة التي تحيط به  ألح على ضرورة استخدام الوسائل اللائقة إيصال الرسالة للمتلقي وعدم إقصائه مع أهمية منح البعد الهوياتي للنص المسرحي.

وأضاف خلوف أن المسرحية لا تعتمد فقط على النص اللفظي، ولهذا من الضروري أن يلمس المتابع لأي عرض النص المشهدي حتى يدرك محيط العمل المنجز والمقدم.

وعن المكان الذي تعرض فيه المسرحيات الأمازيغية، قال المتحدث إن العروض المقدمة في الفضاء المفنوح أكثر نجاحا ودلالية من التي تقدم في ما يسمى لدى العام والخاص «العلبة الإيطالية» أي في المسارح المغلقة، «فحميمية المكان تساهم كثيرا في جلب اهتمام الجمهور وصنع الفرجة.» يضيف الباحث.

وذكر الباحث  عامل بناء الشخصية فمن الأهم ألا يحدث لا تجانس بين الفكرة والشخصية التي تقمصت الدور المكلفه به حتى لا يتسبب في تشتت للمتلقي، إلى جانب استراتيجية الفضاء، أي بمعنى الاعتماد على إبراز الميزات الخاصة لكل مجتمع تنبع منها أحداث المسرحية بعيدا عن العوامل المشتركة.

واختتم الباحث مداخلته بالقول إنه «حان الوقت لتجاوز الخطاب الناطق بالأمازيغية في المسرح الأمازيغي، واجتياز عتبة اللغة، أي الانتقال من السرد إلى الفرجة مع تشجيع النصوص الأصلية وليس المقتبسة.      

قد يهمك ايضا:

إطلاق سراح الممثل الجزائري عبد القادر جريو

الممثلة الجزائرية بشرى عقبي على قيد الحياة