الجزائر ـ الجزائر اليوم
عرف النصف الأول من القرن العشرين بروزا لافتا لعديد الرياضيين في عهد الاستعمار الفرنسي، ورغم أنهم تألقوا بشكل مميز في المحافل الدولية حاملين للراية الفرنسية إلا أنهم في الحقيقة عرفوا كيف يرفعون أيضا اسم الجزائر المستعمرة عاليا، خاصة في الرياضات الفردية، وفي مقدمة ذلك رياضة ألعاب القوى، على غرار البطل الأولمبي الوافي بوقرة ووحش المضامير علي ميمون عكاشة وأسماء كثيرة كانت أمام حتمية البروز في رياضة ألعاب القوى ورياضات أخرى من أجل الرد ميدانيا على القهر والظلم والتهميش.
يعود تاريخ التمثيل الجزائري في المنافسات الرياضية الدولية إلى أوائل القرن العشرين، مع ذلك فقد كانت المشاركة محدودة في نوعين أو 3 أنواع من الرياضات، ويرجع الكاتب فيصل شحات في كتابه “ملحمة الرياضة الجزائرية” السبب لكون الرياضة كانت حكرا على الأوروبيين بسبب وضعهم الميسور ماديا في المدن الساحلية الغنية، فيما كان الجزائريون الذين يمارسون الرياضة في هذه النوادي الداخلية يعدون على أصابع اليد، وكانوا حسب قوله في غالبيتهم طلبة وثانويين من أبناء الأعيان والتجار الأثرياء أو المثقفين المندمجين، فيما كان أغلبية الجزائريين يعيشون معيشة مأساوية في القرى والمدن والأرياف، في ظل قلة الخيارات ومأساويتها في الوقت نفسه، مثل الاندماج في الجيش الفرنسي أو الهجرة. فيما تعد ألعاب القوى أول رياضة تبناها الجزائريون مطلع القرن العشرين، وبالضبط في العام 1912، حين تم اختيار أحمد جبايلي في فريق فرنسا لخوض غمار البطولة الدولية للعدو (ما يقابل بطولة العالم حاليا) والألعاب الأولمبية بستوكهولم.
في السنة الموالية احتل محمد اربيدي مرتبة مرقومة (الثاني في العدو الدولي) قبل أن يرتب في المرتبة السادسة والعشرين عام 1914. في شهر مارس
من الشهر نفسه حاز أحمد جبايلي على لقب مراطون في لندن، وفي نفس اللحظة تقريبا أصبح مولود شفاري بطل فرنسا في الماراطون. وفي 1922 توج محمد المامن أبيدي بطلا لفرنسا في المراطون عام 1922 وبطل العدو الريفي عام 1923. أما محمد بداري الذي يعد من مواليد 1900 بقسنطينة فقد نشط في تخصص العدو الريفي وتوج بلقب بطل فرنسا في 1923 و1929، كما احتل المرتبة الثانية في عدو الأمم بغلاكسو عام 1927. أما حميدة عداش فهو عداء المسافات المتوسطة، وهو خريج نادي ليل، حيث ركض في أعلى المستويات إلى غاية 27 سنة، ومن أشهر إنجازاته احتلال مكانة في نهائي 10 آلاف متر في بطولة أوروبا عام 1962. وله 7 مشاركات في عدو الأمم.
الوافي بوقرة بطل عالمي رفع راية فرنسا وقوبل بالتهميش
وإذا كانت ألعاب القوى هي الرياضة الأولى التي اقتحمها الجزائريون فلأن ذلك حسب الكاتب فيصل شحات السباق على الأقدام لا يتطلب تقنية خاصة، بحكم أن الركض حسب رأيه يبقى ممارسة أولى للإنسان. وفي هذا الجانب، فقد توج محمد المامن أربيدي بطلا لفرنسا في العام 1922 وبطل العالم في 1923، كما احتل المرتبة السادسة في الألعاب الدولية عام 1924، حيث كان إنجازه فرصة مهمة للجزائريين من أجل البرهنة، ما فسح المجال لرجل نحيف وصغير القامة من مواليد أولاد جلال لصنع التميز في المستوى العالي، وهو الوافي بوقرة (خريج نادي ألعاب القوى في الشركة العامة بباريس) الذي توج بلقب بطل العالم في المراطون، وبعد سنة واحدة فقط من بداياته في المراطون أصبح بوقرة الوافي محل الاهتمامات، ما جعل مشاركته في الألعاب الأولمبية أمرا بديهيا. وقد أنهى السباق في المرتبة السابعة، وهي نتيجة كانت في مستوى طموحات الشاب الجزائري والآمال المعلقة عليه من طرف الفدرالية الفرنسية لألعاب القوى. وقد هيمن بوقرة الوافي بين 1924 و1928 على المسافات الفرنسية بشكل لافت، لكن لم يحظ بالتقدير اللازم من طرف الجهات الفرنسية، في الوقت الذي كان قادرا على فرض نفسه في المستوى العالمي، حيث ذهب البعض إلى القول بأن طيبته وأخلاقه كانت سببا في تحطيم حياته ومشواره، وهو الذي صنع التميز في 11 أوت 1928، حين أحدث مفاجأة مدوية في ملعب أمستردام، بعدما تفوق على المرشح الشيلي مانوال بلازا، ونال الميدالية الذهبية الأولمبية للجزائر المستعمرة.
عكاشة.. وحش المضامير الذي حصد جميع الألقاب
من جانب آخر، فقد برز عديد الرياضيين الجزائريين في عهد الاستعمار الفرنسي، مثل حمود عامر الذي نال الذهبية في سباق 10 آلاف متر خلال ألعاب البحر الأبيض المتوسط بلندن، حيث كان مختصا في مسافة 3 آلاف متر حواجز، كما حقق علي براكشي الرقم القياسي في القفز الطويل بـ 7.91 متر الذي دام 26 سنة، أما الفتى بداري فقد كان بطل فرنسا في العدو لعامي 1927 و1929، واحتل المراتب الثانية والثالثة والعاشرة في العدو الريفي نهاية العشرينيات، ويمكن ذكر أيضا باتريك المبروك الذي يعد رائد المسافات المتوسطة، حيث صنع التميز بحصوله على المرتبة الخامسة في أولمبياد هلسنكي 1952 وفضية البطولة الأولمبية عام 1950 وذهبية ألعاب البحر المتوسط بالإسكندرية عام 1951، كما توج بتسعة ألقاب كبطل فرنسا في المسافتين، ويمكن أيضا ذكر بومعزة وعميروش ونوا خالد الذي احتل المرتبة الـ 12 في مراطون برلين عام 1926. وفي العام 1945 برز وحش المضامير علي ميمون عكاشة الذي أصبح بطل فرنسا مرتين في 5 آلاف و10 آلاف متر، حيث حصد أكبر عدد من الألقاب والميداليات، بدليل أنه بطل فرنسا 5 مرات في مسافة 800 متر ونال 5 ألقاب في مسافة 1500 متر، وخمسة أخرى في سباق 5 آلاف متر و10 آلاف متر، وحقق 6 انتصارات في العدو الريفي. أما دوليا فقد فاز مرتين في العدو الدولي 49 و51 ونال فضيتين في أولمبياد هلسنكي في سباقي 5 آلاف و10 آلاف متر عام 1952، ولحد الآن يبقى عكاشة أحد الوجوه الكبيرة في العاب القوى العالمية. وقد خلفه جزائريون آخرون في تاريخ ألعاب القوى مثل حمود عامر وحميدة عداش المختصين في المسافات الطويلة، وعدائين ممتازين في العدو الريفي مثل وعلي براقشي (بطل في القفز الطويل). وقد حمل الثلاثي الأخير الألوان الوطنية تزامنا مع نيل الجزائر للاستقلال.
قد يهمك ايضا:
الجزائر تقدم تقريرًا للأمم المتحدة بأعداد ضحايا ألغام الاستعمار الفرنسي