الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز آل الشيخ

أوصى عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز آل الشيخ, المسلمين بتقوى الله تعالى, مشيرًا إلى أن التقوى ما جاورت قلبًا إلا سلم, وما خالطه عقلًا إلا رجح, وما تنفس بها عبدًا إلا صلح, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا, يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

وأضاف آل الشيخ في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الإمام تركي بن عبدالله في الرياض: إن سنن الله لا تحابي أحدًا وليس لأمة إذا قصرت في أسباب الوقاية من العقوبات العامة فعليها أن تتحمل نتيجة تقصيرها, وليست أمة بمنأى من العذاب إذا انعقدت أسبابه ولا بمنأى من العقاب إذا اتخذت سبيله, ولذلك أكثر الله سبحانه وتعالى من ذكر مطالع الأمم السابقة في كتاب الله فقال عز من قائل : ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ, أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ, أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) .

وتابع آل الشيخ: أن الأمن من مكر الله من كبائر الذنوب, يقول ابن مسعود رضي الله عنه " الكبائر الشرك بالله والأمن من مكر الله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله ", لقد كان نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم إذا رأى ريحًا أو غيمًا ظهر ذلك في وجهه فلما سأل عن ذلك قال ما يؤمنني أن تكون عقوبة فقد عذب قوماً بالريح, وقد حذر عليه الصلاة والسلام أمته من عقوبات وحذرهم من أسبابها فقال صلى الله عليه

وسلم "يا معشر المهاجرين: خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا ما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بـينهم ) .

وأردف آل الشيخ: إن انتشار الفواحش بين المسلمين وبخس المعاملات ومنع الزكاة ونقض العهود ونبذ الشريعة من أعظم أسباب العقوبات العامة ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام "في هذه الأمة خسفاً ومسخاً وقذف" قال رجلًا من المسلمين متى هذا , قال إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور , قال ابن القيم رحمه الله " إن المسخ واقع في هذه الأمة لا محالة وهم على طائفتين , الطائفة الأولى هم علماء السوء الذين يكذبون على الله ورسوله فيقلبوا شرعه فيقلب الله صورهم كما قلبوا شرعه , والطائفة الأخرى هم المجاهرين المتهتكين بالفسق والمحارم ومن لم يمسخ في الدنيا مسخ في قبره أو يوم القيامة ".

وأضاف الشيخ عبدالله آل الشيخ: "إن الواجب على المجتمع جميعًا توقي هذه العقوبات العامة فإنها إذا وقعت عم البلاء أرجاء البلاد، يقول الله تعالى: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ", قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله أمر المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم".

وأوضح آل الشيخ أن اتقاء هذه المصائب العامة لايكون إلا باتقاء أسبابها ومن أعظم أسبابها الظلم فبالظلم هلكت الأمم الماضية والقرون البالية وسقطت الدول والقرى، مستشهدًا بقوله " وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ", ويقول سبحانه " وكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ", وقال إن من أعظم الظلم عدم الأخذ على يد الظالم, يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه", وإن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل, يقول صلى الله عليه وسلم " إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ قول الله تعالى: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد".

وأكد آل الشيخ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام هذه الأمة وهو يقي المسلمين المكاره , يقول الله سبحانه وتعالى: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"، وقال إذا وقع المنكر من غير نكير وأظهره الناس فإن الله سبحانه وتعالى يعم بالعقوبة , عن النعمان بن البشير رضي الله عنه , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "(مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا)" .

وأشار آل الشيخ إلى أن الإسراف والتبذير ومباهاة الله بالمعاصي هو من كفران النعمة, يقول الله سبحانه وتعالى " وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون".

وتابع آل الشيخ تأمل معي يا رعاك الله قوله تعالى "فكفرت بأنعم الله" لم يقل كفرت بالله ذلكم لأن كفران النعمة موجب لزوالها, وأن الله سبحانه وتعالى أعطى وأنعم وتكرم وتفضل فقال عز من قائل "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار " وان الله سبحانه وتعالى وعد فأوعد فقال سبحانه " إذ تأذن ربكم لأن شكرتم ولان كفرتم إن عذابي لشديد".

وبين آل الشيخ أن انتشار الفاحشة بين المسلمين والإعلان بها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي هو سبب للهلاك، مؤكدا أن السبب الذي ترجع إليه هذه الأسباب كلها بعد الشرك بالله هي الذنوب والمعاصي "ظهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ", داعيًا المسلمين إلى المبادرة بالتوبة والاستغفار, يقول سبحانه وتعالى " وما كان الله معذبهم وأنت فيهم وما كان ومعذبهم وهم يستغفرون ".