الحكومة اللبنانية

أطلق رئيس التيار الوطني الحر اللبناني، والمرشح لرئاسة لبنان، العماد ميشال عون، الأربعاء، شرارة التحرك في الشارع بمسيرات برتقالية سيّارة جابت الكثير من المناطق، الثلاثاء الماضي، فيما بدا أنها رسالة تحذير إلى رئيس الحكومة تمام سلام وحلفائه.

وحتى ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء الماضي، لم تكن قد برزت أيّة مؤشرات إلى تسوية ما لتفادي السيناريو الأسوأ للجلسة الحكومية، بينما اعتبرت مصادر سياسية واسعة الاطلاع أنه بإمكان إيجاد مخرج في اللحظة الأخيرة "يبقى واردًا جدًا"، وأن الرئيس سعد الحريري لم يقل كلمته النهائية بعد.

وعشية الجلسة الحكومية، بدا أن كل طرف من طرفي المواجهة يحاول الاستفادة من ربع الساعة الأخير، لتحصين صفوفه وترتيب أوراقه، استعدادًا لما وصفها الوزير جبران باسيل بـ"المنازلة الكبرى"، وأكد أن كل القواعد ستتبدل وواصفًا الساعات المقبلة بأنها ستكون "مفصلية ومصيرية".

في المقابل، عزّز الرئيس سلام خطوطه الدفاعية بـ"سواتر سياسية" ارتفعت أمام السرايا، على وقع جرعات دعم تلقاها من جهات عدة، في طليعتها النائب وليد جنبلاط الذي أشاد بحكمته، معتبرًا بعد اتصاله الصباحي التوضيحي بعون أنه لا يوجد مبرر لتعطيل جلسة مجلس الوزراء، وهو يلتقي في هذه النقطة إلى حد كبير مع الرئيس نبيه بري، كما على ضرورة محاولة إيجاد "تسوية ما" للأزمة.

كما سُجلت زيارة لافتة للانتباه لرئيس "الكتائب" سامي الجميل إلى سلام، تمنى بعدها ألا يحدث أي تعطيل للحكومة، مشددًا على أن التحركات ليست في وقتها ولا في مكانها.

وأكد سلام أن جلسة مجلس الوزراء قائمة في موعدها، وبجدول أعمالها، مشددًا على أن المهمة الأساسية للحكومة هي إدارة شؤون العباد والبلاد، لا إدارة الأزمة السياسية، وبالتالي فإن مجلس الوزراء ليس المكان المناسب لخوض النزاعات السياسية أو معالجتها، وبالتأكيد ليس المكان المناسب لفرط النظام وتصفية الحسابات، وأنه سيحارب التعطيل وسيبذل جهده لمنعه.

وردًا على اتهام عون له بأنه يؤدي دوري رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية في آن واحد، ذكر سلام: لقد أخطأ العماد عون في العنوان، وليس أنا من يُتهم بالاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية، ومواقفي وسلوكي لا يدلان على ذلك، علمًا بأنني بالكاد أحافظ على صلاحياتي كرئيس للحكومة، بل هناك من يتهمني بالتهاون بها.

ونبّه سلام إلى أن الوطن كله في خطر؛ نتيجة الكلام التصعيدي الكبير الذي يهول بتغيير النظام، معتبرًا أن هذا الكلام "غير مسؤول"، في حين أن الأوضاع الإقليمية الساخنة لا تسمح بفتح ملف محاسبة النظام في هذا التوقيت.

أما "التيار الوطني الحر" فقد نشط على جبهتين سياسية وشعبية؛ على الجبهة الأولى، عقد اجتماع تنسيقي في وزارة الخارجية حضره وزراء تكتل التغيير والإصلاح الثلاثة ووزيرا حزب الله ووزير المردة، رسم السقف السياسي للمواجهة المحتملة في مجلس الوزراء.

وعُلم أن المجتمعين بحثوا في السيناريوهات الممكنة خلال الجلسة، وكيفية التعامل معها، لاسيما حال الإصرار على تمرير جدول الأعمال العادي من دون التوقف عند مطالب وزراء "تكتل التغيير والإصلاح".
وأبلغ باسيل المجتمعين بأنه سيصعّد خلال الجلسة إذا تم مجددًا ضرب آلية العمل الحكومي، فيما أكد الوزراء الحاضرون تضامنهم معه.
وبينما أكد الرئيس نبيه بري في "لقاء الأربعاء النيابي" أنه لن يدخل في سجال مع عون، كان لافتًا للانتباه غياب وزيري "أمل" عن اللقاء التنسيقي في وزارة الخارجية، انعكاسًا للتباين بين بري وعون حيال آلية العمل المفترض اتباعها في مجلس الوزراء، في ظل الشغور الرئاسي.

أما على الجبهة الثانية، فقد تكثفت تحضيرات منسقيات "التيار" وقطاعاته المهنية؛ من أجل توفير أكبر مشاركة في التحركات المقبلة، بالتزامن مع انبعاث أولى إشارات التحرك البرتقالي من خلال مسيرات سيّارة، في البترون والكورة وكسروان وجبيل وبعبدا والمتن والأشرفية والجنوب وصولًا إلى وسط العاصمة ومحيط السرايا.

وإذا كان حلفاء "التيار الحر" سيتضامنون معه سياسيًا، ولو أدى ذلك إلى تعطيل الحكومة نفسها حال تجاهل مطلب التعيينات الأمنية، إلا أنه من الواضح أنهم غير متحمسين لخيار النزول إلى الشارع، وبالتالي فهم يميزون بين أحقية المطالب وبين الوسيلة المعتمدة من عون لتحقيقها، من دون أن يؤثر هذا التمايز على الخيارات الاستراتيجية المشتركة.
ولا يبدو عون من جهته بصدد إحراج حلفائه، مكتفيًا بخزان "التيار الوطني الحر" الذي سيصبغ ابتداءً من اليوم المشهد اللبناني باللون البرتقالي، ما لم يطرأ معطٍ جديد، يفرمل الاندفاعة الشعبية التي ستتخذ أشكالا عدة، قد تنطوي على مفاجآت غير مسبوقة، على حد تعبير مصادر مقربة من عون.

ولوحظ أن قيادة الجيش أعطت تعليمات صارمة إلى قادة الوحدات العسكرية بحماية المشاركين في التحركات الشعبية وبعدم التصادم معهم تحت أي ظرف كان، وفي الوقت نفسه الحرص على حفظ الأمن ومنع قطع الطرق.
وكان لافتًا للانتباه التفاعل الإيجابي في أكثر من نقطة بين المسيرات السيّارة وبين حواجز الجيش اللبناني، لاسيما في محيط السرايا الكبيرة.