الرئيس بوتفليقة

ما يزال اهتمام الإعلام والطبقة السياسية في الجزائر، سواء من الموالاة أو المعارضة، مشدودا إلى الرئيس بوتفليقة، وما يزال يطرح نفس السؤال: هل سيمدد حكمه بالترشح للولاية الخامسة، أم سيستجيب لحالة بدنه الذي أصابه الضعف منذ 27 من أبريل /نيسان 2013، تاريخ إصابته بجلطة دماغية أفقدته التحكم في أغلب حواسه، وأقعدته على كرسي متحرك، ومنذ ذلك اليوم لم يحدث الرئيس الجزائريين بشكل مباشر.

وغاب عن حملة رئاسية 2014، وخاضها بدلا عنه رئيس وزرائه سابقًا عبد المالك سلال، بصفته مدير الحملة، وغالبية الوزراء وقادة بعض الأحزاب الذين عرفوا بولائهم الشديد له، وفي خطاب القسم الدستوري عجز بوتفليقة عن قراءة فقرة كاملة منه بعكس ما تفرضه هذه المناسبة، ما ترك انطباعًا بأنه سيواجه صعوبة كبيرة في الوفاء بأعباء الولاية الرابعة.

لكن رغم العجز الذي يعاني منه بوتفليقة، تصرّ أربعة أحزاب كبيرة من "كتلة الموالاة" على أنه "المسير الفعلي للبلاد"، وبأنه لا أحد بإمكانه أن يقودها في المرحلة المقبلة غيره، وهذه الأحزاب هي "جبهة التحرير الوطني"، التي يرأسها بوتفليقة، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي يقوده رئيس الوزراء أحمد أويحي، و"تجمع أمل الجزائر"، و"الحركة الشعبية الجزائرية"، اللذان يرأسهما وزيران سابقان.

وبخصوص احتمال اكتفاء بوتفليقة بأربع ولايات قال جمال ولد عباس، أمين عام "جبهة التحرير"، "لا أعتقد أن الرئيس سيخيب آمال المواطنين ممن ناشدوه إكمال مسيرة البناء، التي بدأها العام 1999. أنا على يقين بأنه سيضحي من جديد من أجل الجزائر.

ويرى الموالون للرئيس أن استمراره في الحكم سيكون بمثابة تضحية منه، بذريعة أن صحته لا تسمح. لكن "الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي تواجهها الجزائر ستدفعه إلى البقاء في الحكم". وهذا المفهوم انطوت عليه رسالة للرئيس نشرها متوجها بها للجزائريين، عشية استحقاق 2014، جاء فيها "ناشدتموني مواصلة المسيرة برغم أنكم لاحظتم أنني لم أعد قادرا على التسيير، وقد قررت النزول عند رغبتكم وفاء للجزائر، التي أفنيت من أجلها زهرة شبابي".

وفي حال عزف الرئيس عن "الخامسة"، يتوقع مراقبون اختيار النظام واحدًا من عدة أشخاص، يجري ترشيحهم في الإعلام مع اقتراب كل انتخاب، وهم أحمد أويحي، وعبد المالك سلال، ووزير الطاقة سابقًا شكيب خليل. كما يتم الحديث منذ فترة عن رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الفريق أحمد صالح ليكون خليفة للرئيس، والذي قال لمقربين منه "لقد فعلها المشير عبد الفتاح السيسي في مصر، فلم لا أنا؟!".

وترى المعارضة، وخاصة الحزب الإسلامي "حركة مجتمع السلم"، والحزب الليبرالي "جيل جديد"، أن ولاية خامسة محتملة "هي أسوأ سيناريو بإمكانه أن يحدث للجزائر"، على أساس أن غياب الرئيس في الداخل والخارج، طيلة السنوات الماضية أفرز شعورًا عامًا بالضعف، وعدم القدرة على حل المشاكل والأزمات، فضلًا عن الغياب عن المحافل الدولية الكبيرة، وفي هذا السياق تطرح المعارضة حاليًا فكرة رئيس توافقي، تختاره مع رجال النظام، ليقود البلاد خلال مرحلة انتقالية، إلا أن المقترح لقي رفضًا شديدًا من طرف "الموالاة".

في غضون ذلك، وعلى عكس القيادات السياسية الوازنة في الجزائر، والتي فضلت التريث حتى يحسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في موضوع الولاية الخامسة، "تجرأ" قيادي في حزب يساري مغمور على إعلان ترشحه لرئاسية 2019، مبديًا ثقة كبيرة في النفس على منافسة مرشح النظام، سواء كان بوتفليقة أو أيا من الأسماء الكبيرة التي يجري تداولها عشية كل استحقاق رئاسي.

وقال فتحي غراس، المتحدث باسم "الحركة الديمقراطية والاجتماعية"، الحزب الشيوعي الجزائري سابقًا، في دردشة مع صحافيين إنه لا يعطي صدقية لما يشاع بأن نتيجة استحقاق 2019 محسومة لصالح الشخص الذي يختاره النظام ليكون رئيسا، مشددًا على أنه يثق في حظوظه، رغم علمه المسبق بأن كل الرؤساء بعد الاستقلال فرضهم الجيش، بمن فيهم بوتفليقة، ومنهم من نحاهم في شبه انقلاب كما حدث مع الشاذلي بن جديد، حسب تعبيره.

ويطرح غراس هنا جدلًا واسعًا بخصوص مدى احترام قادة الجيش لتعهداتهم بالابتعاد عن السياسة، منذ دخول البلاد عهد التعددية السياسية والحزبية قبل 30 عامًا. وحسب بعض المحللين السياسيين، هناك قناعة عامة بأنه لا يمكن لأي شخص أن يصل إلى سدة الحكم من دون اتفاق مسبق مع الجيش بشأن احترام مجموعة من الثوابت، وفي مقدمتها الحفاظ على الطابع الجمهوري للنظام، وتحجيم دور الإسلاميين.