الكرملين


نشَّطت موسكو اتصالاتها الإقليمية والدولية استباقًا لمعركة إدلب المرتقبة، وبهدف دفع "الملف الإنساني" في سورية من خلال تقديم مسألتي تهيئة ظروف عودة اللاجئين وإعادة الإعمار.

وأطلق الكرملين بعد مرور يوم واحد على مكالمة هاتفية أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، نشاطًا مكثّفًا لبحث الملف السوري مع باريس وأنقرة، وتحدث عن اتصالات إضافية ستجريها موسكو مع أطراف إقليمية ودولية.

وكان وزيرا الخارجية الروسي والأميركي ركّزا على تدهور العلاقات الثنائية بعد فرض رزمة عقوبات أميركية جديدة ضد موسكو، وتطرقا إلى تطورات الموقف في سورية، بخاصةً على خلفية الخطوات التي اتخذتها روسيا أخيرًا، وبينها إبعاد القوات الإيرانية عن منطقة الجنوب لمسافة 85 كيلومتراً في عمق الأراضي السورية، ونشر وحدات الشرطة العسكرية الروسية على الجانب السوري قرب منطقة نزع السلاح في الجولان.

وأعلن الكرملين أمس توسيع دائرة الاتصالات، وأفاد في بيان بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اتصالًا هاتفيًا مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد خلاله أهمية المساهمة في إعادة إعمار سورية وتسهيل عودة اللاجئين.

المساعدات الإنسانية إلى الغوطة الشرقية
وأشار البيان إلى أن الرئيسين أشادا بالعملية التي نفذتها موسكو وباريس لإيصال مساعدات إنسانية إلى الغوطة الشرقية.

وأوضح الكرملين، في بيانه، أن بوتين وماكرون "قدّرا عاليًا، خلال تبادل الآراء بشأن الأوضاع الحالية في سورية، العملية الروسية الفرنسية المشتركة التي نفذت في يوليو /تموز العام الحالي لإيصال المساعدات الإنسانية إلى منطقة الغوطة الشرقية، وتوزيعها بين السكان المحليين".

وأرسلت فرنسا في تموز/ يوليو إلى سورية، بموجب اتفاق توصل إليه سابقاً الرئيسان بوتين وماكرون، أكثر من 40 طناً من المساعدات الإنسانية، شملت مستشفى متنقلًا خاصًا بإجراء عمليات طبية، وأدوات مطبخ، وبطانيات، وأدوية.

وأضاف بيان الكرملين أن "بوتين شدد على أهمية مواصلة المجتمع الدولي الإسهام في إعادة إعمار البنية الاجتماعية الاقتصادية في سورية، وكذلك إعادة اللاجئين والنازحين السوريين إلى أماكن إقامتهم الدائمة"، ولَم يتطرق البيان الروسي إلى حديث الرئيسين عن ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية تضمن عودة طوعية للاجئين، وهي النقطة التي أكد عليها بيان الإليزيه في خصوص المكالمة.

وشددت الرئاسة الفرنسية على أن الرئيسين "بحثا الوضع العسكري في سورية والظروف الضرورية للعودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين السوريين إلى بلادهم".

ماكرون يطالب بإحلال السلام في سورية
وأكد ماكرون خلال المكالمة "أهمية إيجاد حل سياسي شامل يتيح إحلال السلام والاستقرار بعيد الأمد في سورية".

وأشار الإليزيه إلى أن الطرفين الروسي والفرنسي مستمران في تبادل المعلومات حول هذه القضايا على مستوى الوزراء والمبعوثين، وذكر أن بوتين وماكرون اتفقا على بحث الملف السوري أوائل سبتمبر /أيلول المقبل، في إشارة إلى القمة الرباعية التي ستعقد في تركيا في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، وتجمع بالإضافة إلى بوتين وماكرون كلاً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وأعلن الكرملين أن بوتين استكمل اتصالاته ببحث الملف السوري مع إردوغان، ولفتت مصادر إلى أن الرئيسين بحثا الوضع السوري في ضوء تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها في آستانة، في إشارة إلى استمرار مناقشات البلدين حول آلية حسم الوضع في إدلب من دون تدهور الأوضاع الإنسانية في هذه المنطقة، علماً بأن موسكو كانت قد أعلنت أن لافروف سيزور أنقرة غداً الاثنين لمواصلة النقاشات في هذا الشأن.

وواصلت وسائل الإعلام الروسية في الإطار الميداني، وضع سيناريوهات لـ"حسم سريع" في إدلب، ورجّحت تغطيات أن تكون المعركة سريعة وحاسمة، وأن تلعب المصالحات الميدانية والانقسامات في صفوف المعارضة عنصراً حاسمًا فيها.

وتحدثت صحيفة "إزفيستيا"، أمس، عن اكتساب الجيش السوري والقوات الروسية الداعمة له خبرة واسعة في معركتي حلب والغوطة سيكون لها أهمية خاصة في إدلب، مشيرة إلى ما وصف بأنه "تفوّق تكتيك حرب المدن الروسي الذي تم تطويره أثناء المعارك في سورية، على قدرات المقاتلين".

ولفتت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة حشدت قدرات كبرى لحصار الموصل والهجوم عليها بهدف طرد تنظيم داعش منها، بينما في سورية لم تتوافر إمكانات مماثلة فكان لا بد من مهاجمة حلب بعدد أقل بكثير وبقوات من الميليشيات و"المتطوعين" الذين لجأ إليهم جيش النظام السوري، في إشارة إلى مشاركة ميليشيات تعمل بإشراف إيراني في عملية طرد المعارضة من مدينة حلب في نهاية العام 2016. ووفرت روسيا آنذاك الغطاء الجوي لتلك المعركة الحاسمة.

وزادت "إزفيستيا" أن "مفتاح النصر هو أن حميميم "القاعدة الجوية الروسية على الساحل السوري" أخذت على ذاتها قيادة العمليات، وتركيز جميع القوات على معركة المدينة وحدها سمح بضمان تفوق عددي موضعي على العدو المدافع، وتحقق ذلك بهجمات صغيرة متتالية، الأمر الذي لم يسمح للمقاتلين بتحديد محاور الهجوم وتركيز قواتهم على الدفاع".

وأشارت إلى أهمية عمليات الاستطلاع الروسية التي اعتمدت على مجموعات صغيرة من القوات الخاصة وكثير من الطائرات بلا طيار، ومكّنت الطائرات والمدفعية الروسية من توجيه ضربات موضعية دقيقة لخطوط المقاومة ومراكز القيادة ومستودعات الذخيرة.

وقالت "إن تكتيكات مماثلة تستخدم حالياً في إدلب، والمهم "استغلال الخلافات وسوء التنسيق بين المجموعات المتفرقة من الإرهابيين".