رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحي

 يواجه رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحي بعد عشرة أشهر من توليه المنصب هجومًا غير مسبوق، تقف وراءه "جبهة التحرير الوطني"، حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. لكن أحد المقربين منه قال إنهم يريدون رأسه لأنه نظيف اليد، وغير متورط في فضائح الفساد، على عكس غيره من المسؤولين".

وينظر خصوم أويحي إليه على أنه "هو في حد ذاته استفزاز لعامة الجزائريين، وعودته إلى رئاسة الحكومة (مارس هذه الوظيفة أربع مرات من قبل)، تلقاها غالبية الجزائريين باشمئزاز، لأنهم يدركون أنه سيجعلهم يدفعون فاتورة الأزمة المالية"، في إشارة إلى زيادات كبيرة في رسوم الوثائق البيومترية، كجواز السفر وبطاقة الهوية ورخصة السياقة. كما اقترح أويحي في مشروع قانون الموازنة التكميلي لسنة 2018 مضاعفة الرسوم على الاتصالات الهاتفية. وعلاوة على ذلك يحتفظ الجزائريون بذكرى سيئة عن أويحي، ترجع إلى عام 1998 عندما اقتطع من أجور العمال نسبة معينة دون موافقتهم، ودفعها لعاطلين عن العمل تم تسريحهم بسبب أزمة اقتصادية حادة عاشتها البلاد. وكان حينها رئيساً للحكومة.

ووصف الإعلام هذه التدابير الأخيرة التي اتخذها أويحي بمثابة "إعلان حرب على الجزائريين"، الذين أنهكتهم زيادة الأسعار في كل المواد الغذائية، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم الناجمة عن طبع مزيد من الأوراق النقدية، وهو قرار اتخذه أويحي الخريف الماضي، بذريعة أن الحكومة لم تكن تملك ما تسدد به أجور ملايين العمال والموظفين في القطاعات الحكومية.

وتدخل الرئيس بوتفليقة في اجتماع لمجلس الوزراء الثلاثاء الماضي، فألغى كل هذه الزيادات، ما ترك انطباعاً قوياً بأنه غير راضٍ عن الإجراءات التي اتخذها أويحي، والتي انتقدها حزبه "جبهة التحرير" على لسان أمينه العام جمال ولد عباس، الذي رأى بأن أويحي يبحث عن خلافة بوتفليقة في الحكم، وهذه "خطيئة كبرى" في نظر الموالين للرئيس. ولاحظ مراقبون أن بوتفليقة كثيراً ما كان يعيد النظر في قرارات حكوماته المتعاقبة، وتم ذلك بدافع أنه "يبحث عن مصلحة الجزائريين عكس حكومته ورؤسائها". غير أن هذا التصرف لا يستقيم، بحسب عدد من المراقبين، لأن وزراءه يطبقون البرنامج الذي انتخب على أساسه، وفي حال فشلوا في ذلك، فإن الرئيس يتحمل هذا الفشل سياسيًا. وقد كان بمقدور بوتفليقة أن يأمر أويحي بإلغاء الزيادات في الرسوم، لما أعلن عنها قبل أكثر من شهر، لكنه اختار أن يرفضها في بيان لمجلس الوزراء، وبذلك تعمد إحراجه.

وقال صديق شهاب، المتحدث باسم الحزب الذي يرأسه أويحي "التجمع الوطني الديمقراطي" لـ"الشرق الأوسط"، إن "الصحافة وقطاع من السياسيين يتسرعون في إطلاق الأحكام، واستخلاص نتائج غير صحيحة. فأويحي لا يزال يحظى بثقة الرئيس، وكل ما في الأمر هو أن الرئيس يمارس صلاحياته في تصويب حكومته عندما يرى أنها بادرت بأشياء لا يوافق عليها. وقد اجتهد السيد أويحي في إطار رؤية حكومية للتغلب على الأزمة. فهل نحاكمه لأنه تصرف بناء على ما تمليه عليه سلطاته كرئيس للحكومة؟"، مبرزًا أن "هناك من يدفع برحيله عن المنصب بكل تأكيد".

وانضم حديثًا لحملة الهجوم على أويحي "المنظمة الوطنية للمجاهدين"، بكل ما تحمله من رمزية سياسية وتاريخية، حيث انتقدته بشدة بسبب دعوته رجال الأعمال إلى التعاون مع الفرنسيين الذين ولدوا بالجزائر، وغادروها في أيام الاستقلال الأولى، ويطلق عليهم "الأقدام السوداء". وكثير من هؤلاء يملكون خبرة في إدارة الأعمال، لكنهم في المخيال الشعبي الجزائري "مستعمرون نهبوا ثروات البلاد" خلال 132 سنة من الاحتلال (1830 ـ 1962). وقال سعيد عبادو (83 سنة)، أمين عام "المنظمة"، إن رئيس الوزراء "أساء إلى الشعب الجزائري وتاريخ ثورته.

وقد تناسوا (يقصد أويحي) ما ألحقته الأقدام السوداء من مآسٍ بالجزائريين طيلة الفترة الاستعمارية، وبخاصة في أواخر أيام الثورة، حين شكلوا عصابات إرهابية ارتكبت جرائم بشعة وعاثت في البلاد فساداً وتقتيلاً وتخريباً". مضيفاً إن "تطبيع العلاقات وتحسينها بين الشعبين الجزائري والفرنسي سيظل مرهوناً باعتذار باريس عن جرائم الاستعمار".

ومن الغريب أن عبادو يشغل منصباً قيادياً في حزب أويحي. ويقول عارفون إنه تلقى ضوءاً أخضر من الرئاسة، للهجوم على أويحي. ويتصرف من بقي حياً من مجاهدي حرب التحرير من موقع "ضمير الأمة"، وبأنهم حريصون أكثر من غيرهم على سمعتها.