الغارة الاسرائيلية

أعلنت السلطات السورية أن الطيران الإسرائيلي أطلق صواريخ عدة من الأجواء اللبنانية مستهدفاً موقعاً عسكرياً في غرب سورية، يضم مركزاً للبحوث العلمية ومعسكر تدريب. ولم يصدر أي موقف إسرائيلي رسمي حول الغارات. كما امتنع مسؤولون رسميون عن التعليق. وجاء في بيان لقيادة الجيش السوري أمس الخميس أن الغارات تسببت بـ "استشهاد عنصرين في الموقع لم يحدد هويتهما أو عملهما."

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبدالرحمن لوكالة "فرانس برس" إن الصواريخ الإسرائيلية استهدفت مركز البحوث ومعسكر التدريب الذي يضم مستودعات لتخزين الصواريخ. وأفاد بسقوط قتيلين من القوات الحكومية، إضافة الى خمسة جرحى آخرين على الأقل، لافتاً إلى أضرار في مركز البحوث في شكل قطعي وحريق ضخم في مستودعات الصواريخ.

ووفق عبدالرحمن، يستخدم الإيرانيون و"حزب الله" هذا المعسكر، وهو قاعدة لكل الميليشيات الموالية للنظام التي تقاتل في ريف حماة في وسط البلاد. وتدعم إيران سورية مالياً وعسكرياً منذ بدء الحرب، وتنشر عدداً كبيراً من عسكرييها كمستشارين في أنحاء البلاد، وفق تقارير مختلفة.

وأفاد محللون عسكريون إسرائيليون أنه يتم في المكان المستهدف إنتاج أسلحة كيماوية وأسلحة أخرى، وأن الضربة تندرج في إطار القرار الإسرائيلي منع انتشار أسلحة استراتيجية في سورية، لا سيما بالنسبة إلى "حزب الله" وإيران. وقال ياكوف اميدرور، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بين 2011 و2013 لصحافيين أمس إنها المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مركز عسكري سوري رسمي، مشيراً إلى أن مركز البحوث قديم في سورية و كان ينتج في الماضي أسلحة كيماوية، لكن ايضاً أسلحة أخرى بينها قذائف وصواريخ.

وأضاف أن إسرائيل وجهت مراراً رسائل واضحة حتى قبل الهجوم بأننا لن نسمح لإيران وحزب الله ببناء قدرات تمكنهما من مهاجمة إسرائيل من سورية، ولن نسمح لهما ببناء قدرات لحزب الله في ظل الفوضى القائمة في سورية. وتابع حتى من دون هذا الهجوم، كان واضحاً أننا مستعدون للتحرك متى تجاوزوا الخطوط الحمر.

ونفذت إسرائيل خلال سنوات النزاع في سورية عدداً كبيراً من الغارات الجوية نادراً ما أقرت بها، واستهدفت غالباً مواقع لـ "حزب الله".
واتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في 28 آب/أغسطس إيران ببناء مواقع في سورية ولبنان لـ "صواريخ موجهة ودقيقة"، معتبراً أن إيران تعمل على تحويل سورية إلى قاعدة عسكرية محصنة، وتريد استخدام سورية وإسرائيل كجبهات لحربها المعلنة لإلغاء إسرائيل. وبدأ الجيش الإسرائيلي الثلثاء تدريباً عسكرياً واسع النطاق يحاكي حرباً مع «حزب الله»، في أضخم مناورات من نوعها منذ قرابة 20 عاماً.

في موازاة ذلك، وصف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً الذي يرأس حالياً معهد أبحاث الأمن القومي عاموس يدلين في حسابه على "تويتر" الهجوم بـ "غير العادي"، بداعي أن الحديث عن "منشأة عسكرية تطور وتصنع سلاحاً كيماوياً، بينها صواريخ دقيقة سيكون لها دور مركزي في الحرب المقبلة".

وأضاف أن المنشأة التي قُصفت تنتج أيضاً سلاحاً كيماوياً وبراميل تفجيرية. ورأى يدلين أن الهجوم ينطوي على ثلاث رسائل مهمة: الأولى أن إسرائيل لن تسمح بتعاظم القوة العسكرية السورية وإنتاج سلاح استراتيجي، والثانية تتعلق بتوقيت الهجوم في وقت تتجاهل الدول العظمى الخطوط الحمر التي حددتها إسرائيل، والثالثة تعتبر أن وجود الدفاعات الجوية الروسية لا يمنع إسرائيل نشاطاً منسوباً لها في سورية. وشدد يدلين على أنه مع ذلك يجب تجنب تصعيد الأوضاع، لكن مع التأهب لاحتمال رد فعل سوري، ايراني، أو من حزب الله أو حتى خطوات احتجاج روسية.

وكان قائد سلاح الجو السابق اللواء أمير ايشل أقرّ قبل شهر بأن الطيران الحربي الإسرائيلي قصف خلال السنوات الخمس الأخيرة أكثر من مئة مرة في الجبهة الشمالية (السورية واللبنانية) وجبهات أخرى، بهدف منع تعاظم قوة حزب الله العسكرية. لكن المعلق العسكري في "هآرتس" عاموس هارئيل أشار إلى أن الهجوم أمس يختلف عن المرات السابقة إذ لم يستهدف قوافل أسلحة أو مخازن تابعة لـ "حزب الله" إنما الدولة السورية ومصنعاً تابعاً لها.

ولفت إلى التوقيت الحساس لهذا الهجوم، بعد شهر من اتفاق خفض التوتر جنوب سورية الذي أعلنت إسرائيل عدم ارتياحها له، خصوصاً من إبقائه على الوجود الإيراني في سورية، من دون أن يلفت هذا الاحتجاج اهتماماً أميركياً أو روسياً كافياً. وأضاف أن الهجوم قد يُفسَر على أنه رسالة إسرائيلية للدول العظمى بأن عليها أن تأخذ في حساباتها الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية، وأنه في وسع إسرائيل التشويش على عملية التسوية المستقبلية في سورية إذا ما أصرت الدول العظمى على إبقاء إسرائيل خارج صورة التسوية.

وتابع أنه بينما فضل الرئيس السوري بشار الأسد عدم الرد على عشرات الهجمات السابقة بسبب موقعه الضعيف، باستثناء واحدة حين اعترضت صواريخ دفاعية طائرات إسرائيل، فإنه الآن وبعد أن استقر من جديد على كرسيه ويتمتع بدعم روسي وإيراني قوي، ينبغي على إسرائيل الانتظار في الأيام القريبة المقبلة لترى كيف تنظر روسيا والولايات المتحدة وإيران إلى التطورات الأخيرة.

كما ربط المعلق بين الهجوم وبين المناورة العسكرية الأكبر منذ 20 عاماً التي تشهدها إسرائيل في شمالها على مقربة من الحدود مع لبنان وهي مناورة رفعت منسوب الغضب لدى حزب الله. واعتبر المعلق أمير بوحبوط الهجوم الإسرائيلي مبادرة هجومية إسرائيلية ضد عملية تعزيز إيران وجودها في سورية وتعاظم قوة حزب الله، خصوصاً في ضوء سلوك الأسد الخاضع تماماً لإملاءات إيران عرفاناً بجميلها في بقائه على كرسيه. وأضاف أن قائد سلاح الجو الجديد اللواء عميقام نوركين يؤمن بأهمية الحفاظ على التفوق الإسرائيلي جواً، ليس فقط من خلال تعزيز هذا السلاح إنما من خلال عمليات يبادر إليها وتنقل الرسالة بكل وضوح بأن إسرائيل ستضرب أعداءها لكن في موازاة السعي لإرجاء الحرب المقبلة.

إلى ذلك، نقل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريبلين إلى المستشارة الألمانية أنجيلا مركل في لقائهما في برلين أمس الخميس رسالة مفادها بأن "تسلح حزب الله المتواصل يستوجب من إسرائيل أن ترد"، معتبراً إيران "جهةً متآمرة تقود نحوز تعزيز المحور الشيعي في سورية والشرق الأوسط كله"، وأن هذا يشكل تهديداً مباشراً على إسرائيل وعلى الاستقرار في المنطقة، وعلى هذا النحو فإن إيران قد تقود المنطقة كلها إلى حرب.