الإسمنت

علمت  من مصدر رسمي، أن أحد أكبر أباطرة الإسمنت في سوق الجملة بوهران، قد حوّل تموينه نحو قناة سرية أخرى لمعاودة النشاط بنفس الطريقة والوتيرة التي سبق أن مكنته طيلة سنوات من احتكار التجارة في ذات المنتوج، والظفر بامتيازات عن طريق التحايل، حيث استعان هذه المرة بسجل تجاري من الباطن لتعويض الخسارة بالملايير التي تكبدتها شركته الورقية بعد إدانته مؤخرا من طرف العدالة عن تورطه في إخفاء رقم أعمالها وتهربه الجبائي بقيمة قاربت 600 مليار سنتيم.

أجهض التحقيق في هذا الملف تلاعبات بالجملة في حق الخزينة العمومية، ولم يغلق بعد على الصعيد الرقابي وحتى القضائي، رغم الفصل في واحدة من القضايا المرفوعة ضده ابتدائيا، حيث كشفت التحريات في عملية نوعية لمفتشيتي قمع الغش والمنافسة بإقليم الاختصاص، الصيف الماضي وبالتزامن مع ذروة فترة الحجر الصحي، عن أولى الخيوط التي رفعت قواعد إمبراطورية صاحب الشركة ذات المسؤولية المحدودة، المختصة في تجارة الجملة لمواد البناء، والكائن مقرها على الورق بحي شعبي شرق وهران، حيث اتضح بعد التحري في الشكوى التي قيدها ضد هذا الأخير متعامل لدى مصانع الإسمنت بغرب البلاد على مستوى مديرية التجارة قبل بضعة شهور، أن المشتكى منه، وهو شاب في عقده الثالث، كان قد لجأ إلى حيلة مبتكرة لتحصيل ملايير تضاف إلى تلك التي يجنيها من عائداته في بيع الإسمنت لتجار التجزئة وحتى الجملة، وذلك بتحييد منافسيه في سوق الجملة.

وكان تحييد المنافسين، يتم من خلال احتكار التعامل المباشر في عمليات الشراء من مصانع إنتاج الإسمنت، والتي كان يقتني منها حمولات بحجم شاحنات مقطورة بسعر 18 مليون ونصف المليون سنتيم للشحنة الواحدة، ثم يعيد بيعها بسعر أقل، يقدر عموما بـ17 مليون سنتيم، وهذا حتى يضمن من جهة تهافت الزبائن على شركته، ومن جهة أخرى ليقطع على منافسيه من تجار الجملة طريق التموين من مصانع الإنتاج، الأمر الذي مكنه من الفوز بالاحتكار في هذا المجال، والسماح له بتكرار ما معدله 18 رحلة شحن على متن شاحنات مقطورة في اليوم الواحد.

ليس هذا فحسب، بل إن الأصل في اهتدائه لهذه الخطة، هو رمي شباكه بعيدا لاصطياد ما هو أشهى من عائدات البيع، والمقصود بذلك الفوز بالعرض التحفيزي الذي تقدمه مصانع الإنتاج لزبائنها الأوفياء، بتخصيصها مكافأة مالية لمن يقتني منها نسبة معينة من حصصها الإنتاجية، وبما أنه كان يمثل أوفاهم، بل أوحدهم لديها بعد إزاحته المنافسين وتكسيره الأسعار، فقد كان نصيبه السنوي من هذا الامتياز 7.5 مليار سنتيم، لكن بعد التفطن لأمره، تقرر وقف التموين لصالحه بمادة الإسمنت، في إجراء ردعي كانت قد اتخذته مديرية التجارة لولاية وهران ضده منذ شهر أوت الماضي إلى يومنا هذا، مع إحالة ملفه المثقل بالمخالفات التجارية إلى العدالة التي فصلت قبل نحو شهر في قضيته بحكم يقضي بإدانته مع التغريم.

واستنادا للمعلومات المتحصل عليها من مديرية التجارة، فإن تاجر الجملة سالف الذكر قد تورط طبقا لتحقيقاتها الاقتصادية وأيضا من طرف العدالة، في تهرب جبائي بقيمة ناهزت 600 مليار سنتيم خلال السنوات الأخيرة، حيث أثبتت تحريات المفتشين أن المعني لم يصرح بنشاطه لدى مصالح الضرائب، إلى جانب ضبطه متلبسا بانعدام الفوترة بقيمة إجمالية تم تقديرها في محضري معاينة بـ547 915 626 7.00 دج، أي ما يقارب مبلغ 548 مليار سنتيم كانت مخفية في تعاملاته التجارية، مع مزاولته نشاطه في مقر آخر غير العنوان المصرح به على سجله التجاري الأول المقيد باسمه.

كما يستشف من هذا الملف، أن تلك التحقيقات إنما جاءت لتجيب أيضا عن تساؤلات كثيرة بخصوص من يقف وراء الاضطرابات الحاصلة في توزيع مادة الاسمنت على مستوى سوق الجملة، والتذبذبات المسجلة في أسعارها من طرف تجار التجزئة، وكذا تداعياتها على وتيرة إنجاز المشاريع السكنية في وهران طيلة السنوات الأخيرة.
الإسمنت الخزينة العمومية وهران

قد يهمك ايضا:

مجمع الاسمنت "جيكا" يشرع في نشاطات استغلال وتحويل الرخام  

الجزائر ترسل 7 آلاف طن من الإسمنت والجبس الى لبنان انطلاقا من ميناء جنجن بجيجل