وزير الخارجية الفرنسي

رغم مساعي باريس لخفض التوتر المتزايد بينها وبين طهران الناتج عن ردود فعل إيرانية على تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الأخيرة، وعلى مقترحات طرحتها الدبلوماسية الفرنسية والخاصة بالبرنامجين الإيرانيين النووي والباليستي، وكذلك بشأن سياسات طهران الإقليمية، فإن التوتر ما زال على حاله، لا بل إنه اجتاز عتبة إضافية مع التصريحات التي أدلى بها، السبت، علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الخارجية للمرشد الأعلى علي خامئني، حيث استخدم لغة متشددة بعيدة عما هو متعارف عليه في التعاطي الدبلوماسي، وزاد على ذلك كيل الاتهامات لفرنسا.

ويعود آخر فصول التصعيد الفرنسي - الإيراني ليومين، وسببه التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، من الرياض، في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع نظيره السعودي عادل الجبير، وفيه تحدث عن "نزعة الهيمنة الإيرانية"، مشيرًا إلى البرنامج الباليستي الإيراني، وإلى سياسات طهران الإقليمية، وجاء الرد الإيراني عبر المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي الذي اتهم فرنسا بـ"التحيز" وأنها بسياستها "تؤجج الأزمات في الشرق الأوسط"، وتدخل الرئيس إيمانويل ماكرون من السويد، في الجدل، ساعيًا إلى تهدئة الموقف من خلال اعتباره طهران فسرت المواقف الفرنسية "بشكل خاطئ"، مبديًا استعداده لـ"الحوار" مع طهران.

لكن الجملة الأخيرة التي قالها ماكرون في المؤتمر المذكور عادت لتصب الزيت على النار، إذ حث الجانب الإيراني على "اتباع إستراتيجية أقل هجومية في المنطقة" ودعاها لـ"توضيح سياستها الباليستية التي يبدو أنها لا تخضع لضوابط"، حقيقة الأمر أن طهران لم تأخذ بعين الاعتبار سوى الجملة الأخيرة، ما دفع ولايتي إلى تخطي كل الأصول في التعامل الدبلوماسي فإذا به يصرح، للتلفزيون الرسمي الإيراني، بما حرفيته "نحن لا نستأذن من الآخرين... ليس من مصلحة ماكرون وفرنسا التدخل في الموضوع الصاروخي" لأنه "لا يمتّ بصلة إلى ماكرون، فما هو موقعه كي يتدخل؟".

وأضاف ولايتي "ذا أراد (ماكرون) أن تكون العلاقات بين إيران وفرنسا متنامية فعليه ألا يتدخل في مثل هذه القضايا لأنها تتعارض مع مصالح فرنسا الوطنية"،  ونبه باريس بقوله إنه "من الواضح أن ردنا سيكون سلبيًا" على طلب فرنسا التفاوض بشأن مسألة السياسة الصاروخية الباليستية، حيث إن إيران "لا تستأذن من الآخرين في قضاياها وبرامجها الدفاعية وفي أن نمتلك الصواريخ أو أن يحدد لنا مدى الصواريخ".

 وذهب وزير الخارجية الأسبق إلى إبداء النصح للرئيس الفرنسي الذي دعاه إلى اتباع نهج الجنرال ديغول أي الالتزام بـ"سياسة مستقلة"، والمقصود بذلك الابتعاد عن سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي اعتمد سياسة المواجهة مع إيران بعكس سياسة التهدئة التي اتبعها سلفه باراك أوباما.

وأعادت المصادر الفرنسية الكرّة لمحاولة تهدئة الوضع مع إيران ومنع الجدل من التطور، وقالت مصادر رئاسية في معرض ردها على سؤال حول كلام ولايتي، إن باريس "تعتمد الحوار" مع طهران حول كل الموضوعات الإقليمية والخاصة بإيران "النووي والصاروخي"، وإنها تتمسك بحوار صريح وحازم، مذكّرةً بأن "التفسير الإيراني للمبادرات الفرنسية ليس التفسير الصحيح".

من الواضح أن باريس تريد تلافي التصعيد مع إيران، كما أنها تسعى إلى العثور على "نقطة توازن" بين القلق الذي تعبر عنه من برنامج طهران الصاروخي وسياساتها الإقليمية وبين رغبتها في تلافي الانقطاع مع طهران، حيث إن باريس كانت من أولى الدول الغربية التي أرسلت وزير خارجيتها إلى إيران بعد التوقيع على الاتفاق النووي في يوليو/ تموز عام 2015، كما استقبلت سيلًا من الوزراء الإيرانيين وكذلك الرئيس حسن روحاني.

 وبينما أبدت طهران حماسة لدفاع الرئيس ماكرون القوي عن الاستمرار في الاتفاق النووي والحاجة إلى الإبقاء عليه، فإنها في المقابل ترفض الأطروحات الفرنسية الأخرى التي لا تعجبها، وأولاها اقتراح باريس أن يُفتح نقاش حول برنامج إيران الصاروخي تحت رعاية الأمم المتحدة للتوصل إلى إطار يُطمئن دول المنطقة والعالم، يكون شبيهًا بالاتفاق النووي، وهذا الأمر ترفضه طهران التي تقول إن القرار 2231 لا يتناول هذا النشاط العسكري الخاص فقط بالملف النووي.

هل سيتوقف الأمر عند هذا الحد؟ الأرجح أن الوضع سيتطور، وأن إيران تخلط الملفات بعضها ببعض، وهي لا تريد من باريس أن تكون رأس الحربة، خصوصًا أن الجانب الفرنسي لوّح باللجوء إلى عقوبات اقتصادية فرنسية وأوروبية في حال لم تستجب طهران، وقراءة فرنسا أن الجانب الإيراني بحاجة إليها وإلى أوروبا لإيجاد جبهة تقف في وجه الرئيس الأميركي ورغبته في القضاء على الاتفاق النووي، ولذا، فمن المرجح أن تعتبر باريس أن مقترحاتها التي تريد لها أن تكون في منتصف الطريق بين المطالب الأميركية والإيرانية، يمكن أن تمرَّر لأنها تقترب من نقطة التوازن بين مواقف متضاربة ومتعارضة، لكنّ الرهان على موقف إيراني لا يبدو مضمونًا، بسبب تعدد..